“أمين الزين”.. (50) عاماً من عشق الفرشاة وشغف الفنون

0 277

بروفايل: مناهل الجزولي

أمين الزين

أمين الزين عبدالمولى، فنان تشكيلي، وأستاذ محاضر بجامعة ودمدني الأهلية، حاصل على جائزة الأوسكار من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ضمن عشرات الفنانيين. التشيكلي المبدع المولود بحي ديم النور بالقضارف جاوز الستين، وهو متزوج وأب لبنين وبنات.. جعلته مهنة والده النظامية نهباً لترحالٍ وتنقل مستمر يرى أنه قد أضر به في جانب التعليم.

*اهتمامات

يحاول “ود الزين” من خلال أعماله الفنية ربط العالمية بالمعاصرة، والاهتمام بعرض التراث السوداني بطريقة “سوريالية” رمزية، وتحاشي إضافة أي تعقيدات للمعنى، وتوجيه الاهتمام الأكبر لداخل اللوحة أكثر من “الرتوش” الخارجية، وللرجل اهتمام بالتراث السوداني والتقاليد وتصوير الأشياء، ويأسره اللون البني والبرتقالي، ورسمت ريشته لوحاتٍ باللون الأزرق لكسر حاجر الملل..

*تحريك التشكيلين

ويرى “ود الزين” أنه ولأول مرة يجد مكانته كفنان بولاية الجزيرة، وثمة بوسترات شاعت وانتشرت بأصقاع المدينة تحمل صورته وتعُرِّف الناس بوجهته لإقامة معرض بالمطبعة الحكومية، وتلك بادرة يقف لها الرجل احتراماً وتقديراً فقد فتحت لهم الباب كتشكيليين وحركت ساكنهم، وأفردت لهم حيزاً يمرون عليه في كل مرة لعرض إبداعات متنوعة. ويبدو الرجل غير مُصدقٍ حتى الآن بأن تكون هنالك معارض للتشكيليين هو أول من يدخل بابها..

*خرابات طوكر

وبعد أن بدأت فرشاة الإدارة الجديدة للمطبعة تمسح ماضياً غير محمود السيرة، كان فيه مكتب المدير أشبه بالمخزن لا تُحِسُ فيه من أحد، وأماكن الطباعة كـ”خرابات طوكر”، يضاف لذلك أجواء الاستياء وسط العاملين لسوء ما لِحق بهم من ضيم وهضم للحقوق.. عاد الربيع لباحاتها ممهداً الطريق أمام قوافل الإبداع لتحُج إليها في المواسم الثقافية التي ستحييها المطبعة في ثوبها الجديد.. وساور ود الزين شعور حول إدارات الحقب السابقة بأن لها أغراضاً أخرى غير الطباعة لمسها من تحركاتهم.. ويدين لمديرها الحالي بالفضل لدعمه في الكثير من القضايا، وإعادته للفردوس المفقود.. يقول: “عبدالنبي رجل مناضل، ومحترم، وصاحب لوحات فنية مميزة”..

*مخاض الفن

وأجاءه مخاض الفن مبكراً بمنطقة “طوكر” في زمن حدده الرجل بـ”ثانية أولية” وكان وقتها يمارس أعمال الطين الذي كان يحصل عليه من أطراف “حوض الهجانة” الذي يقصده بعد عودته من المدرسة، وهو طين يوصف بالجودة؛ حيث يصنع منه عربات، وجِمَال، وغيرها من الأشكال.. ترافق ذلك مع وجود أستاذ فنون بالمدرسة الإبتدائية غرب بطوكر من بخت الرضا؛ يُعلِّم الطلاب أعمال الطين وغيرها من الفنون التشكيلية..

ولفترة؛ قل نشاط “ود الزين” في أعمال الطين، وتركز في التفكر والنظر في الطبيعة التي وفرتها مناطق جبيت، وسنكات، وسواكن، وأركويت، بجانب اختلاطه بالمُكوِّن السكاني خاصة الهدندوة حيث تتبع ثقافتهم في الغناء، ووسائلهم الشعبية التي يستعينون بها في حياتهم..

وتناهى إلى سمعه أثناء تواجده بمنطقة “أروما” ما يدور في الشارع من همس عن وجود “فنان” في المدرسة الأولية التي كان قد رسم فيها صورة علي دينار، والمهدي، بجانب إسهاماته في الجرائد الحائطية التي أتاحت له رؤية الإعجاب في أعين الناس، لينطلق بعدها قطار إبداعه نحو محطاتٍ مختلفة في مجال الفن التشكيلي..

وتواصلت في محطة القضارف مسيرة الرسم في جريدة المدرسة، حيث أنبأتهم أعماله عن الفنان الكامن في داخله، وشجع ذلك أستاذ “النور” لإهدائه ألوان زيت بدأ العمل بها، قبل أن يعود إلى حلفا ويعرف الطريق لمعارض الأندية.. وفي الثانوية العامة، والثانوية العليا اتجه لإنتاج لوحات المعارض.. وساعدته العلاقات الخارجية لجارهم بحلفا الجديدة “حسان علي أحمد- رحمه الله”، على اقتناء كتب، وألوان عمَّقت حبه للفن..

*تحولات سلبية

وبانتقاله للمرحلة الثانوية أحس “ود الزين” بميل قلبي نحو الفنون التي قرر امتحانها، ولكن سرعان ما تغير هواه إلى الرياضيات التي وجد نفسه مُبرزاً فيها؛ فاعتزم امتحانها لدراسة “الهندسة المعمارية” حيث كان واثقاً من ذلك.. وعلى مقربة من تحقيق حلمه وبعد أن وصل للصف الثالث الثانوي، تقدم أستاذ الفنون “حسن الزبير” باستقالته، وزاد الأمر تعقيداً برفض أستاذ الرياضيات تدريس المادة لثلاثة طلاب فقط.. ليمضي اثنان منهم في الطريق ويجلسوا للامتحان بكسلا ومن هناك للجامعة، فيما قرر هو التحول لامتحان المساق العلمي “أحياء” حيث قاده هذا الطريق إلى كلية الزراعة التي اكتشف لاحقاً أنها لا تتوافق مع رغبته.. والرجل كان قد حاز المرتبة الحادية عشر في ترتيب أوائل السودان..

وحاول “ود الزين” ترك الكلية غير أن عناد الأهل حال بينه وبين إدراك غاياته، ولكنه تمسك برفضه للزراعة، وتغيير وجهته نحو الفنون؛ حيث قدّم لذلك بالجامعة إلا أنه وكما ذكر: “أن أحمد الطيب زين العابدين” قال له: “إنت نلت حظك من التعليم، ونحن ما بنقبلك فنون”.. ويذكر “ود الزين” هنا أن الرجل الذي عارض دراسته الفنون كان أحد أصدقائه الملازمين له في حله وترحاله، ورحلات تناول الوجبات “البلدية” في نادي العمال بالخرطوم.. كما أن معارضيه قد اشترو منه لوحاتٍ خاصة..

*عزيمة لا تفتر

ورغم كل العقبات والتعقيدات التي واجهت “ود الزين” إلا أن عزيمته لم تفتر، فانطلق يبحث عن مقررات الفنون التي ساعده فيها أساتذة من بينهم “جُلّي”، وموسى خليفة، وصلاح سليمان، حيث ظل يطالع ويتدارس وحده الفنون، ويقيم الورش والتجارب، كما اشترى لنفسه كتباً وألواناً استعان بها على دفع مسيرته قُدماً في هذا الطريق..

“ود الزين” لاقى التشرد، وضيق المعيشة في سبيل الفنون، وسكن بداخلية جامعة الخرطوم بمعية آدم أبوبكر الجُبَاري حيث وجد وضعاً مريحاً شجعه للمواصلة وبلوغ مستويات جيدة، كما تلقى مساعداتٍ مادية ومعنوية من عصام عبدالحفيظ، ومن بينها توفير مقررات كلية الفنون، واشترك في ذلك حسان علي أحمد..

أما “ميرزا” فكان يوفر الألوان لود الزين عن طريق الاستدانة ويدله على الجيد منها، بينما يتجه هو لشغل اللافتات بشارع الجمهورية مع “برعي” صاحب محل فنون في خور أبو عنجة، ومن ثم اتجه لممارسة أعمال تجارية بالسوق، وهي مسيرة فرشاة ظلت تعمل لأكثر من خمسين عاماً..

وامتدت تجارب “ود الزين” حتى النيل الأبيض، كما زار العديد من المناطق في السودان، وعمل بجامعة جوبا، واستطاع مؤخراً العمل بسوق ود مدني منتقلاً إليه من رفاعة..

*الفنون والشهادات

انقطاع مسيرة “ود الزين” التعليمية في كلية الزراعة، ودراسته الفنون خارج إطار المؤسسات الأكاديمية، أفقده الحصول على شهادات علمية، ورغم ذلك تم تعيينه أستاذاً محاضراً بجامعة ود مدني الأهلية لتدريس طلاب السنة الأولى “الرسم الحر” بعد أن أخضعوه لاختبارات عملية أثبت من خلالها كفاءته للتدريس. ورغم أن الفنون في نظره لا تُقاس بالشهادات، غير أنها استخدمت سلاحاً طعنه به بعض من يضاحكه ويؤاكله، في ظهره بقولهم: “ما عندو شهادات”.. وطعن أُناس من جنس الفنون في تعيينه بجامعة ود مدني الأهلية وكان الرد عليهم: “أن لوحاته هي شهاداته”.. والفن لا يُقاس بشهادات، وإنما باللوحات، فرئيس اتحاد التشكيليين في المغرب ليس لديه شهادات فنون، وغيره من المشهورين في هذا المجال كأمثال بيكاسو، ودافينشي..

 ولـ”ود الزين” مكتبة فنون، وشارك في معارض خارجية بالمغرب، والجزائر، ومصر، ووثق المصريون لمسيرته في كتاب، كما نفذ ورشاً للطلاب الأفارقة بمصر.. وأعادت له بادرة محمد عبدالنبي الجميلة بتحريك التشكيليين، ذكرى ذات الاهتمام بالفنان الذي وجده بالخارج..

Leave A Reply

Your email address will not be published.