“الصومالي”.. حكاية فن تقتله الإمكانيات
سيناريو: راشد حامد عبدالله
تحوّلت شركة الجزيرة للطباعة والنشر، إلى ملتقى ثقافي للفن التشكيلي، وموئلاً لكثيرٍ من رواد هذا الفن الذين طالهم التهجير والتيه وتفرقت بهم السُبل بحثاً عن وطنٍ لم تدركه فرشاة فنهم العالمي الأصيل.. دخلوا من بابٍ واحدٍ يجسد هويتهم التشكيلية التي تجتمع تحت قبة الفنون، ووسعتها من قبل “جدارية” واحدة تداعوا إلى قصعتها، عادوا لفردوسهم المفقود ليعيدوا فيه ترتيب الجَمَال، وإبراز ما تخطه أيديهم من روائع الأعمال.. تقدمهم أمين الزين عبدالمولى “ود الزين” بمعرض تشكيلي؛ أسلم رايته للدكتور صديق سليمان الضي “الصومالي”..
**عودة الأمل
“ود الزين” الذي برِح المسرح بعد تسليم الشعلة التشكيلية؛ لم يخفي معاناتهم كتشكيليين- في السابق- من عرض أعمالهم للجمهور إلى درجة أصابهم فيها اليأس، ومن أسباب ذلك في نظره انشغال الناس بالمناصب، والكراسي، وتجاهلهم الفنان التشكيلي.. وفجأة- كما عبّر الرجل- ظهر لهم نور في الأفق بتلقيهم دعوة مدير المطبعة لعرض أعمالهم الفنية.. وأبدى “ود الزين” ارتياحه الكبير لما شهدته المطبعة من إعادة صياغة واهتمام بالبنيان والإنسان، وتوفير بيئة صالحة للعرض..
**فلسفة الجمال
أما “الصومالي” الذي كان أول من تلقى نبأ تعيين د. محمد عبدالنبي مديراً للمطبعة الحكومية، فقد ألمح إلى تلك العلاقة القوية التي جمعتهم كمجموعة تشكيليين من بينهم “الفاتح عُلما، الفاتح الصول، ود. جمال أبو إدريس”، حيث سبق لهم إقامة معرضٍ جماعي، وتصميم لوحة “جدارية” قوّت اللُحمة بينهم. وبدا الرجل الذي لم تكن له علاقةٍ قوية- في السابق- مع المطبعة، معجباً بالفكرة، وقد زاد معدل حماسه للمشاركة بأعماله بعد رؤية المعرض الفني لـ”ود الزين”..
شارك “الصومالي” بمعرضٍ عن رواد التعليم برفاعة، وهي فكرة سابقة لاقت إعراضاً من مدير عام أسبق لوزارة التربية، غير أنها عادت لترى النور كفكرة رآها جيدة جداً، ومثّلت له تحولاً كبيراً للتشكيليين، وخطوة رائدة في طريق ظهورهم للمجتمع عبر نافذة المطبعة الحكومية..
التشكيلي والخزّاف كان قد التحق بجامعة البطانة في العام 2004م، قادماً إليها من نظيرتها “الجزيرة” بعد مسيرة عمل امتدت أربعة أعوام، وقد حصل على الماجستير في العام 2007م، والدكتوراه في العام 2013م؛ وتمحورت دراسته حول: “علم الأخلاق، وفلسفة الجمال”، ويُظهر الرجل اعتزازاً كبيراً بهذه الرسالة التي يقول: “إنها تخدم القضية التشكيلية في المقام الأول، وقضايا اجتماعية مهمة جداً خاصة في الجامعات”..
**إسهامات مقدرة
ويرى مدير المطبعة في “الصومالي” تشكيلي قدير له إسهامات كبيرة، وقد سبق لهما المشاركة في تأسيس جماعة فنية “تكريب”، وإقامة معرض جماعي في المجلس الثقافي الفرنسي.. ويرى في عمله فهماً مختلفاً يتأسس على وسائل “أبيض، أسود” تتضمنها رسوماته لشخصيات سودانية، بجانب تكنيك “الجرافيك” الذي يختلف عن الرسم العادي.. علاوة على أنه خزّاف يُشكِّل الطين..
**افتتاح المعرض
وأعدت إدارة المطبعة احتفائيةً مزدوجة، تضمنت افتتاح المعرض التشكيلي للفنان صديق الصومالي، وتدشين العدد الثاني من صحيفة المطبعة.. وهي الاحتفائية التي شاركت فيها وزارة المالية ممثلة في د. نادية التهامي المدير العام، بجانب عدد من الجهات الحكومية، والخاصة، ورموز الفن التشكيلي..
وقصت د. نادية شريط المعرض التشكيلي، وتعرفت على التفاصيل المختلفة للأعمال الفنية ودلالاتها. كما وقفت على مراحل طباعة الكتاب المدرسي، وتفقدت نافذة البيع المباشر للجمهور.. مشيدة بالتقدم الملحوظ والتغيير الكبير الذي شهدته المطبعة، وما ظهر من مؤشراتٍ تميزٍ وجودة..
ووقفت “التهامي” على مشاكل العمل، وأمنت على إزالة المعوقات لتطلع المطبعة بدورها الهام في طباعة الكتاب المدرسي لمختلف ولايات السودان، مجددة اهتمامهم في الوزارة بحل إشكالية الكادر العامل، ومناقشة القضايا التي تتعلق بصحيفة الولاية في اجتماع مجلس إدارة الشركة..
*بروفايل
صديق سليمان الضي (الصومالي)، تخرّج في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية في العام 1988م؛ قسم الخزف.. بداياته الفنية تبلورت منذ التخرج ببدايات جادة في طريق إنشاء مصنع للخزف باعتبارها صنعة أخرى.
غير أن ظروفاً واجهته في تلكم الفترة وحالت دون قيام المصنع رغمه تسجيله شركة متعددة الأنشطة لتقود في النهاية إلى قيام هذا المصنع في ذلك الوقت بالخرطوم.. وسرعان ما ترك هذا الجانب وانخرط في جانب التدريس بالجامعة الذي استحوذ على كامل وقته ولم يترك له مساحة كافية لترتيب هذا العمل.. وفي العام 2007م، أنشأ وحدة إنتاجية لصناعة الخزف بمدينة رفاعة؛ غير أنه لم ير النور لأسباب عِدة وإلى أن وصلت إلى النقطة التي نحن فيها الآن..
تنحصر ذاتيته في إطارين؛ الأول: المهنة؛ وهو الجانب الأكبر والمساحة العريضة- تقريباً- في حياته كلها، أما جانب الفن التشكيلي فيأتي في الجانب الأضعف، مردُ ذلك كما ذكر هو عدم توفر متطلبات الفن التشكيلي في السودان بصورة عامة، وهذه تمثل في نظره مشكلة كثيرٍ من الفنانيين التشكيليين في السودان..
رواد التعليم:
“الصومالي” جمع رواد التعليم في رفاعة بالمطبعة الحكومية مع شخوصٍ أخرى، وزين بهم جنباتها، فذلك كان محور حديثه معرضه التشكيلي الذي وجد في هجمة كورونا الشرسة على العالم، سانحة ومحفزاً ليرى النور، وهو عمل يصفه صاحبه بأنه إنجاز كبير لأولئك النفر الذين بذلوا جهداً مقدراً لإرساء قواعد التعليم في السودان؛ وخاصة تعليم المرأة.. ويعتزم “الصومالي” السير خطوات للأمام في مجال الخزف مستقبلاً..
فكرة ثاقبة:
ويرى “الصومالي” في تبني المطبعة لأعمال التشكيليين فكرة ثاقبة ونافذة حقيقية لعرض الأعمال الفنية بدارها، ولكونها وسطاً مناسباً لكل الناس بما تتميز به من إمكانية وصول في أي جزءٍ من اليوم، ويعود الرجل ليؤكد بأنها فكرة جميلة، ومحفزة لكثيرٍ من التشكيليين..


