المبيدات مالها وعليها
د. إيهاب السر محمد الياس

تعتبر المبيدات من أهم الوسائل التي يستخدمها المزارعون للقضاء على الآفات الزراعية التي تهاجم محاصيلهم المختلفة، كما أنها تعتبر إحدى الوسائل الحديثة التي تعمل على زيادة الإنتاج. فبالإضافة إلى دورها الكبير في الحد أو القضاء على العديد من الآفات الضارة بالنباتات، فالمبيدات كذلك قادرة على إبادة الحشرات الناقلة للأمراض سواء للإنسان أو الحيوان.
وبالرغم من التوجه العالمي المتسارع نحو استخدام بدائل للمبيدات وخاصة تلك المركبات الحيوية الصديقة للبيئة، إلا أن الضرورة تجبر المزارعين في الوقت الحالي للجوء إلى المبيدات بوصفها سريعة لمكافحة العديد من الآفات الزراعية رغم إدراكهم بالخطورة الكامنة وراء استخدامهم لتلك المبيدات وما تتركه في كثير من الأحيان من آثار سلبية على صحة الإنسان والحيوان والبيئة.
والمبيدات عبارة عن المادة الكيميائية التي تقتل أو تمنع أو تحد من تكاثر وانتشار الآفات المختلفة التي تنافس الإنسان في غذائه وممتلكاته وصحته وهي في ذلك شأنها شأن المدخلات الزراعية الأخرى المتمثلة في التسميد والميكنة الزراعية وغيرها والتي بلا أدنى شك تساهم كثيراً في زيادة الإنتاج.
تعريف الآفة:

عرف Conway في عام 1968 الآفة بأنها: عبارة عن كائن حي يسبب أضراراً للإنسان وممتلكاته، وتشمل الآفات: الحشرات، الحلم، القراد، النيماتودا، الفطريات، البكتيريا، الفيروسات، الحشائش، القوارض، الطيور، الرخويات، القشريات، وغيرها، بالإضافة إلى بعض الحيوانات الثدية. وتعتبر الحشرات من أخطر أنواع الآفات.
أهمية المبيدات في المكافحة:
أصبحت المبيدات إحدى الوسائل التي لا يمكن للمزارعين الاستغناء عنها لزيادة إنتاجهم الزراعي وبالتالي مكافحة الآفات التي قد تسبب خسائر كبيرة في محاصيلهم الزراعية وخاصة في الوطن العربي، حيث تشير بعض الدراسات التي أجريت خلال السنوات الأخيرة إلى أن الآفات الزراعية في الوطن العربي قد تتلف نصف قيمة الإنتاج الزراعي، كما تقدر احتياجات الدول العربية السنوية من المبيدات بأكثر من نصف مليون طن تصل كلفتها التقديرية إلى أكثر من أربعة مليارات دولار أمريكي.
كما ذكرت دراسة أخرى أجراها خبراء من المنظمة العربية للتنمية الزراعية بعنوان”المكافحة المتكاملة للآفات الزراعية وترشيد استخدام المبيدات الكيماوية في الوطن العربي” أن الآفات الزراعية تؤدي إلى خسائر سنوية قد تتراوح بين ٪35 إلى ٪50 من قيمة الإنتاج الزراعي في الدول العربية وهذا ما أدى إلى الزيادة الكبيرة في استخدام المبيدات الزراعية في هذه الدول.
كما تشير التقارير إلى أن ثلث محصول العالم تقريباً يفقد نتيجة الإصابة بالآفات رغم استخدام المبيدات )وتقدر الخسائر بـ 100 مليار دولار أمريكي سنوياً) ولتأكيد دور وأهمية استخدام المبيدات، يذكر أنه في الولايات المتحدة الأمريكية كان الفاقد في الإنتاج الزراعي بسبب الآفات حوالي ٪34 في الستينيات، وفي السبعينيات حوالي 11 بليون دولار.
وفى مجال الصحة العامة كان يصاب بالملاريا حوالي 300 مليون شخص، وبعد استخدام المبيدات لقتل البعوض المسبب لهذا المرض انخفض عدد المصابين إلى 120 مليون، بالرغم من تضاعف عدد السكان.
كما تمت الإشارة في أحد المواقع العربية في الشبكة العالمية العنكبوتية في شهر نوفمبر من عام 2008م إلى تقرير عن مركز الأرض لحقوق الإنسان بجمهورية مصر العربية ذكر فيه أن الفاقد من الزراعة في العالم بسبب الآفات والحشرات يقدر بنحو بليون دولار سنوياً.
وقد ذكر في نفس التقرير أيضاً أنه وبالرغم من أن نسبة استخدام المبيدات في الدول النامية تبلغ ٪7 فقط من حجم الإنتاج العالمي، إلا أنها تعتبر الأكثر سمية وخطورة على الإنسان والحيوان والنبات، حيث أن معظمها من المبيدات المقلدة التي تعد من أكبر المشاكل في صناعة المبيدات. وأشار التقرير كذلك إلى أنه بحلول عام 2011م ستكون ٪76 من المبيدات في العالم مقلدة.

تطور صناعة واكتشاف المبيدات:
لقد كان لتصنيع وإنتاج مبيدات الآفات بأنواعها المختلفة الأثر الكبير في مكافحة هذه الآفات وبالتالي الحصول على عوائد جيدة من الإنتاج الزراعي.
كما كان استخدام المبيدات الكيميائية قبل الحرب العالمية الثانية محدوداً وذلك بسبب ارتفاع سعرها وقلتها، بالإضافة إلى أنها وفي كثير من الأحيان غير فعالة وبالتالي يمتنع المزارعون عن استخدامها، حيث كان المزارعون في ذلك الوقت يستخدمون أساليب مكافحة زراعية اعتماداً على تواجد الأعداء الطبيعية الحيوية، وبعض المركبات غير العضوية مثل مركبات الكبريت وزرنيخات الرصاص، وبعض المواد العضوية الطبيعية مثل النيكوتين والبيرثرم، بالإضافة إلى مناعة المحاصيل المنزرعة ضد الكثير من الآفات الزراعية المتواجدة في تلك الفترة والتي بالطبع لم تكن منتشرة كانتشارها في هذه الأيام.
وبعد الحرب العالمية الثانية، حدث التطور الكبير في مجال تصنيع المواد الكيميائية المختلفة وخاصة المبيدات، حيث نتج عن ذلك ظهور مركبات كيميائية جديدة مثل المركب الفسفوري العضويTEPP والمركب الهيدروكربوني الكلوروني DDT والذي استخدم بعد ذلك في مكافحة العديد من الآفات وخاصة البعوض المسبب لمرض الملاريا في أفريقيا وما زال يستخدم لهذا الغرض حتى يومنا هذا.
وكانت تلك المبيدات رخيصة ومتوفرة وفعالة بطريقة كبيرة إلى درجة أن البعض دعا إلى الترشيد في استخدام تلك المبيدات تجنباً لاختفاء العديد من الكائنات الحيوية والمتواجدة بشكل طبيعي في البيئة.
ولقد كان لتوفر المبيدات الفعالة في منتصف القرن الماضي الأثر الكبير في تطوير العديد من الأصناف النباتية، وبالتالي أثر ذلك في إعطاء محصولٍ عالٍ، إلا أن ذلك صاحبه إهمال في التنوع الجيني والقدرة على مقاومة الإصابة بالآفات في تلك النباتات.
ومن الأسباب التي ساهمت كذلك في القضاء على الكثير من الأعداء الطبيعية وزيادة نشاط بعض الآفات الحشرية هو اعتماد المزارعين على زراعة بعض المحاصيل غير المقاومة، بالإضافة إلى الاستخدام المكثف وغير المرشد للمبيدات ذات النطاق الواسع وغير الاختيارية، حيث قام الكثير من المزارعين – في محاولة منهم للحد من أضرار تلك الآفات – بزيادة جرعات وعدد مرات استخدام بالمبيدات.
وقد تطور وتنوع إنتاج وتصنيع المبيدات على مدى الأعوام والعقود الماضية، فعلى سبيل المثال وبعد أن بدأت الشركات والمصانع العالمية في إنتاج المبيدات في أشكالها وأنواعها المتعددة، ظهرت المبيدات العضوية سواء الحشرية منها أو الفطرية وأصبحت هناك مجاميع كبرى لها.
ففي مجال المبيدات الحشرية مثلاً؛ ظهرت أولاً المبيدات الكلورونية العضوية والتي تحتوي على سلسلة كبيرة منها وبعد ذلك تلتها المبيدات البيريثرينية والتي تشابه في تركيبها إلى حد كبير المركبات المنتجة من بعض النباتات والتي تعتبر أكثر أماناً وسلامة من غيرها من المبيدات.
وقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين تزايداً ملحوظاً لإنتاج المبيدات في العالم، وكانت فلسفة هذه الصناعة “المركب المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب وبالثمن المناسب”. وقد وجد من الدراسات الاقتصادية في الدول المتقدمة أن كل دولار ينفق في صناعة المبيدات يعطي مردود حوالي 3 دولار، أي أن النسبة بين التكلفة والفائدة . 3:1
تعريف المبيدات:
تعرف المبيدات- حسب (هيئة الدستور الغذائي التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الفاو) – على أنها: أي مادة أو مخلوط من عدة مواد يقصد بها الوقاية من أية آفات وإعدامها واجتذابها، وطردها أو مكافحتها أو تقليل كفاءتها التناسبية بما في ذلك الأنواع غير المرغوبة من النباتات أو الحيوانات خلال إنتاج الأغذية وتخزينها ونقلها وتوزيعها وتجهيزها، والسلع الزراعية أو
الأعلاف الحيوانية أو التي قد تقدم للحيوانات لمكافحة الطفيليات.
ويشمل المصطلح المواد التي يقصد استخدامها كمنظم لنمو النباتات ومزيل للأوراق، ومجفف الأنسجة النباتية، أو مانع للتبرعم ومواد توضع على المحاصيل إما قبل الحصاد أو بعده لحماية السلعة من التلف خلال التخزين والنقل. ولا يشمل المصطلح عادة الأسمدة ومغذيات النبات والحيوان وإضافات الأغذية والعقاقير الحيوانية.
ويمكن تقسيم التسمم الناجم من جراء استخدام المبيدات إلى نوعين:

أ. تسمم حاد Acute poisoning وهو التسمم الذي يحدث في العادة لأولئك الذين يعملون في مجال تحضير وتصنيع واستخدام المبيدات؛ وغالباً ما يكفي في هذا النوع من التسمم جرعة واحدة لإحداث الضرر، ويظهر تأثيرها بشكل سريع جداً، كما أن خطورة الجرعة عالية جداً سواءً على الإنسان أو على الكائنات الحية الأخرى.
ب. تسمم مزمن Chronic poisoning وهو التسمم الذي يحدث نتيجة تعرض الإنسان للمبيدات لفترات طويلة أو ابتلاعه لكميات بسيطة متراكمة من تلك المبيدات، حيث أن تأثيرها بطيء ويجب أن يضعوه ضمن أولويات بحوثهم واهتماماتهم وذلك نظراً لاحتمال تلوث الأغذية والبيئة بشكل عام بمثل هذه الكميات القليلة من المبيدات الناتجة عن الاستخدام الدائم لها في مجال مكافحة الآفات.
كما تشير الدراسات في هذا المجال إلى أن نسبة حالات التسمم التي تسبب الموت والناجمة عن المبيدات تكاد تكون قليلة جداً عند الإنسان البالغ مقارنة بالأطفال وربما يعزى ذلك لقلة الإدراك بخطورة المبيدات لدى الأطفال.
علامات التسمم واعراض بالمبيدات:
نظراً لاختلاف أنواع المبيدات المستخدمة في عمليات المكافحة وطرق امتصاصها، فإن أعراض التسمم بالمبيدات يمكن كذلك أن يكون لها أشكال مختلفة. وبشكل عام فإن معظم أعراض التسمم بالمبيدات يمكن حصرها في التالي:
.1 ملاحظة الضعف الشديد والتعب لدى مستخدم المبيدات.
.2 وجود حرقان وظهور بقع على الجلد.
.3 سيلان دموع مستخدم المبيدات وتصبح الرؤية لديه غير واضحة، مع ملاحظة توسع أو تضييق في حدقة العين.
.4 الشعور بحرقة في الفم والبلعوم، سيلان لعاب شديد، غثيان، دوار، تقيؤ، بالإضافة إلى حدوث إسهال لدى مستخدم المبيدات.
.5 الإحساس بصداع، دوار، اضطراب، عدم راحة، ارتعاش في العضلات، فقدان الوعي وصعوبة في نطق الكلمات.
احتياطات تداول المبيدات وسوء استخدامها
أصبحت المبيدات اليوم جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان، ويمثل استخدامها أمراً لا مفر منه أمام المزارعين الذين تتعرض محاصيلهم الزراعية للعديد من الآفات التي تهدد إنتاجهم من تلك المحاصيل.
وإذا كان هناك أشخاص يتعرضون للموت نتيجة سوء استخدام المبيدات من قبل البعض من مستخدميها أو عن طريق الصدفة، فهناك الملايين الذين ينعمون بوافر الصحة والعافية نتيجة استهلاكهم لمنتجات زراعية تم معالجتها من الآفات الزراعية الخطيرة التي كانت تهددها.
كما يعتبر الاستخدام السليم والأمثل للمبيدات هو الحل الوحيد لتجنب الأضرار التي قد تحدث من جراء استخدامها، حيث أنه وبإساءة استخدامها تصبح المبيدات شديدة الخطورة على الشخص المستخدم لها.
وتؤدي المبيدات إلى حوادث مؤسفة إذا ما حدث إهمال أو خطأ لدى استخدامها، حيث تعتبر المبيدات مواد كيميائية خطرة تستخدم في مكافحة الآفات الزراعية المختلفة، ولها تأثير سام بدرجات متباينة. فعلى سبيل المثال تختلف التأثيرات السامة للمبيدات على الإنسان عن تأثيراتها على النبات والحيوان.
كما أن سوء استخدام المبيدات والاستخدام غير المرشد والمقنن والموصى به من قبل الشركات لمنتجة للمبيدات أو من الجهات البحثية المعنية بتجارب المبيدات وخاصة في الدول النامية أو الدول التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية حيث يسود عدم الوعي بمثل هذه الأمور بين مجتمعات المزارعين، يؤدي إلى حدوث العديد من الأضرار نتيجة لذلك.
ومن الأسباب التي تؤدي غالباً إلى أن يتعرض مستخدمو المبيدات في الدول النامية للأضرار الناتجة منها ما يلي:
.1 يستخدم الكثير من المزارعين غالباً مخاليط مستحضرات مبيدات أعلى من الموصى به وذلك بسبب عدم المعرفة التامة بإجراءات معايير الخلط الصحيح للمبيدات الأمر الذي يترتب عليه تأثر النباتات المعاملة.
.2 يلاحظ أن العديد من المزارعين لا يلبسون الملابس الواقية والمطلوبة عند قيامهم بعمليات المكافحة مما ينتج عن ذلك حدوث تسمم مباشر لهم ولذا فإنه من الأهمية بمكان ارتداء مستخدمي المبيدات الملابس الموصي بها.
3. يستخدم كثيرٌ من المزارعين مكائن ومعدات رش تختلف عن تلك الموصى بها للمبيدات، بالإضافة إلى تساهل الكثيرين منهم في مسألة صيانة المكائن والمعدات المستخدمة، الأمر الذي
يترتب عليه تعرضهم للتسمم المباشر والناتج من المبيدات.
.4 عدم اكتراث الكثير من مستخدمي المبيدات بالعبوات الفارغة للمبيدات بعد الانتهاء من استخدامها وذلك بسبب عدم إلمامهم بالطرق الصحيحة للتخلص من تلك العبوات، حيث تجد البعض منهم يستخدم العبوات في تخزين المواد الغذائية، وأحياناً يقومون بغسل العبوات في مجاري المياه..
أستاذ المبيدات والسموم المشارك
كلية العلوم الزراعية- جامعة الجزيرة