حاضنة للنباتات الطبية والعطرية بالمعهد القومي لتنمية الصادرات البستانية
إعداد/ راشد حامد

توقعت دراسة جدوى أعدها المعهد القومي لتنمية الصادرات البستانية؛ تحقيق عائد مادي يقدر بأكثر من (243) مليون جنيه خلال ثلاثة أعوام وذلك نظير زراعة محاصيل طبية وعطرية قوامها (السنمكة، والريحان، والشيح، والحرجل، وحشيش الليمون) في مساحة (100) فدان.
وتقدر الكلفة التشغيلية للدراسة بحسب د. عبدالله عوض سيد أحمد عميد المعهد؛ بما يزيد عن (13) مليون جنيه، ومن المنتظر أن توفر فرص تشغيل لنحو (50) خريجاً، فضلاً عن أعداد مقدرة من العمال والخريجين، وتدريب (150) من الخريجين والمنتجين، بجانب جذب المستثمرين للانخراط في مجال النباتات الطبية والعطرية.
**احتضان الابتكارات
وتأتي هذه الجهود ضمن حاضنة لإنتاج النباتات الطبية والعطرية للصادر يعتزم المعهد الدفع بها لهيئة البحث العلمي والابتكار بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي لغرض التمويل؛ وقد تم إنشاءها منذ العام 2018م بهدف تطوير أصناف هذا النوع من المحاصيل لتتواكب مع متطلبات الصادر، والترويج لإنتاجها وسط المنتجين والمزارعين من خلال المزارع الإيضاحية والنماذج الناجحة وتطوير أفكار جديدة لخلق وإيجاد مشروعات إبداعية جديدة أو المساعدة في توسعة مشروعات قائمة في هذا المجال.
يضاف إلى ذلك احتضان الابتكارات المقدمة وتحويلها لمنتج قابل للتسويق، وتوطين التقانات الجديدة والمستحدثة، وإنشاء قاعدة بيانات لإدارة مشاريع البحث العلمي، بالإضافة لتقديم الخدمات الداعمة في مجال الحاضنة، حيث تتوفر للحاضنة مساحة (150) فدان بنظام ري مستديم، ومعمل مجهز بأحدث الأجهزة لاستخلاص الزيوت العطرية، والطيَّارة، والدهنية، والثابتة.
**الدعم الاقتصادي
ويجسد إنشاء الحاضنات العلمية نتائج البحث العلمي للمجتمع؛ وهو ما اعتبره عوض السيد اتساق يجسد العديد من أهداف المعهد الذي ينطلق من فلسفة جامعة الجزيرة في خدمة المجتمع، ويعزز إسهامه الفاعل في دعم الاقتصاد القومي وذلك من خلال توفير المعلومة المتكاملة، والدراسات الاقتصادية التي تُمكِّن من بناء إستراتيجية للإنتاج بغرض الصادر.
ويستند المعهد على قاعدة راسخة عمادها مزرعة لإنتاج الخضر في مساحة (16) فدان، ومزرعة لإنتاج النباتات الطبية والعطرية في مساحة (20) فدان بمجمع النشيشيبة، بالإضافة لمزرعة لإنتاج الحمضيات في مساحة (6) فدان بمنطقة قنب الحلاوين، وكذلك مزرعة لإنتاج الموز في مساحة (7) فدان بحنتوب، علاوة على مواعين للتخزين، وغرفة لإنضاج وتعبئة الفاكهة، ومعامل مجهزة بأحدث الوسائل لاستخلاص المواد الفعالة والزيوت الطيارة.
وللمعهد كما ذكر عوض السيد مئتا بحثٍ علمي في مجال الصادرات البستانية منشورة في مجلات علمية محكمة، بجانب إسهامه في تأهيل (145) من طلاب الماجستير والدكتوراه في مجال تنمية الصادرات البستانية، وإقامة العديد من أيام الحقل من بينها تقويم إنتاج محاصيل الشمام والفاصوليا الخضراء للصادر بالخرطوم، وإنتاج وتخزين وتسويق البصل بالجزيرة، وإنتاج وتصدير البطيخ بالقضارف ونهر الرهد، وعقد (10) ورش عمل في مجال إنتاج وتصدير المحاصيل البستانية المختلفة، و(5) دورات لتدريب الكوادر العاملة في هذا المجال.
**آفاق تصنيعية
وينظر عميد المعهد القومي للصادرات البستانية إلى أهمية النباتات الطبية والعطرية من زاوية تأقلمها مع أجواء السودان، بالإضافة للبنيات التحتية، وتوفر المياه والأراضي التي تلائم وتواكب هذا النوع من النباتات، بجانب دخولها كمكوِّن أساسي في الصناعات الغذائية والدوائية والعديد من الصناعات المحلية كالصابون، والمعاجين، ومستحضرات التجميل، والصناعات الطبية، والطب الشعبي.
ولهذه المحاصيل كما أكد عميد المعهد أفضلية نسبية من ناحية تصديرها جافة، وميزات أخرى تجعلها من أهم محاصيل الإنتاج لأغراض الصادر في السودان، ولكل ذلك كان التركيز لعمل حاضنة تستوعب الجهود لإقامة إطار فني معرفي متكامل يقوده الشباب من الخريجين وطلاب الدراسات العليا، وبغطاء فني من جامعة الجزيرة، والمعهد، ووزارة التعليم العالي.
*تقييم وتقويم
وأوفدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رئيس لجنة الحاضنات في معية آخرين لجامعة الجزيرة ممثلاً لهيئة البحث العلمي والابتكار في زيارة هي الأولى من نوعها لمؤسسة أكاديمية وبحثية خارج العاصمة الخرطوم؛ بهدف الاطلاع عن كثب على مشاريع الحاضنات وتقييمها وتقويمها بعد أن أرجأت الظروف العامة للبلاد النظر في أمر الحاضنات.
وعرضت جامعة الجزيرة في لقاء مشترك بالقاعة الدولية بود مدني؛ حاضنتها للزيوت الطبية والعطرية على وفد هيئة البحث العلمي والابتكار؛ حيث أكد بروفيسور شريف فضل رئيس لجنة الحاضنات ضرورة مشاركة صغار المزارعين وتعزيز دورهم في المراحل الأولى للحاضنة والمتعلق بالتصنيع، والعمل على تحويل الحاضنة إلى جهة إنتاجية، والعمل وفق الأولويات البحثية والإنتاجية.
في حين رأى بروفيسور محمد محجوب عضو لجنة الحاضنات؛ في مشاركة إدارة الجامعة في مستواها الأعلى في دعم الحاضنات؛ أمر إيجابي يعزز فرص مُضِيها للأمام حال إجازتها من وزارة التعليم العالي؛ وذهب في اتجاه توسيع قاعدة البيانات الخاصة بالحاضنة لتشمل جهات بحثية على مستوى السودان والعالم الخارجي؛ علاوة على توحيد لائحة العمل، مُفضِّلاً قصر الجهود على محصول واحد والتركيز عليه، ودعا لاستصحاب البنك الزراعي، وتحديد جدول الأعمال لتحديد شكل التنفيذ خلال العامين الأولين من عمر الحاضنة، لافتاً النظر إلى أن الوزارة حدد ثمانِ أولويات ضمّنتها مصفوفة شاركت في إعدادها وزارات، ومنظمات، وقطاع خاص، بجانب هيئة البحوث الزراعية.
**العودة للتصدير
وعبر باحثون عن أسفهم لتوقف تصدير السنمكة، والكركدي، والشطة التي كانت تتم عبر السودان كمصدرٍ رئيس منذ السبعينيات، مبدين أملهم في أن تسهم حاضنة النباتات الطبية والعطرية في إعادة البلاد إلى موقعها في تصدير هذه النباتات التي تقدر عائداتها بملايين الدولارات عالمياً. واعتبروا أن السودان قد فقد مكانته تماماً لأي نبات طبي أو عطري باستثناء (الكركدي) بدرجة نسبية رغم البحوث التي أجريت على مستوى الكيمياء، والصيدلة، والمجلس القومي للبحوث، والبحوث الزراعية.
**القيمة المضافة
ونوه بروفيسور محمد الحاج الكاشف الباحث بقسم علوم البساتين بكلية العلوم الزراعية جامعة الجزيرة، إلى أن النباتات الطبية والعطرية في السودان لم تجد مكانها في مجال البحوث العلمية والإنتاج، واعتبر أن الذي يُصدّرُ الآن من هذه النباتات يجري جمعه من المناطق الخلوية والوديان وتصديره في شكل مواد خام ما يضاعف من دور الحاضنة في الارتقاء بهذا المجال. ودعا لاستصحاب نباتات أخرى كالحبة السوداء، والريحان، واليانسون، والمحريب لجهة أن لها أسواقاً رائجة بالخارج، كما دعا للاهتمام بالقيمة المضافة التي تؤمنها الجوانب التصنيعية، مستشهداً بمحصول الكركدي الذي يتم تصديره في شكل خام حيث يخضع للمعالجة والتصنيع بالخارج قبل أن يعود للبلاد في شكل عبوات شاي صغيرة بسعر أعلى. ويشدد الكاشف على ضرورة المعالجة للنباتات عبر الحاضنة وإجراء بحوث خاصة بذلك لاستخلاص المواد الفعالة منها وتصديرها لإضافة القيمة لهذه المحاصيل.
**دعم وإسناد
وفي السياق؛ أعلنت كلية الصيدلة جامعة الجزيرة دعمها للحاضنة في الجوانب البحثية، والتدريب لاسيما وأن المحاصيل المنتخبة تحتاج لبحوث متخصصة، بجانب كونها منتجات زراعية ذات عائدٍ مجزي. كما أعلنت وزارة الموارد الطبيعية الولائية على لسان د. عرفة محمود أحمد مديرة الإدارة العامة للزراعة والثروة الحيوانية دعمها للحاضنة وذلك من خلال اصطاف متكامل منتشر بأنحاء الولاية، بجانب الدعم بنشر الوعي، والإكثار عبر المشاتل، والعمل على تطبيق التقانة الناتجة عن الحاضنة، وانتخاب مزارعين مميزين للمشاركة في الحقول الإيضاحية.

