الضبط الاجتماعي والحداثة

0 328

د. هبة سيد أحمد

قبل أن نبحر إلى لب الموضوع يتحتم علينا أن نفصل معنى الضبط الاجتماعي بعض الشيء، فهو يعني ضبط المجتمع لأفراده دون عقوبات مباشرة ولكي نبسط الفهم نعطي بعض النماذج.

 المرأة في مجتمعنا لا تُدخن خوفاً من نظرة المجتمع السالبة لها وهذا فيه حفاظ على صحتها وصحة من حولها وهو ما يسمى بالضبط الاجتماعي الموجب.

 والرجل لا يفعل بعض الأمور التي لا يعاقب عليها القانون ولكنه يتخوف من نظرة المجتمع بأن الذي يفعلها “ما راجل”.. وأهلنا قالوا “أرجى سفيه ما ترجى عاطل” ودي حقيقة السفه علاجه أسهل من التعود على عدم العمل عشان كده الولد من صغره بعلموهو شيل الحمل والمسؤولية.

 وأدوات هذا الضبط متعددة تبدأ بالأسرة النووية ثم الممتدة، الجيران، المدرسة، الجامعة وزملاء العمل… الخ.. ولكن السؤال هل الحداثة أثرت سلباً على هذا الضبط الاجتماعي أم دعمته؟.

الحداثة نعني بها التطور الاجتماعي– الاقتصادي والتكنولوجي الذي أثر على حياة مجتمعنا بصورة كبيرة وسريعة ونؤمن على أن الأثر سالب تارة وموجب تارة أخرى.

أولاً نبدأ بالسلبيات فقديماً كان الناس يتقبلون النصح والإرشاد من الأغراب، أما الآن فالخال والعم لا يُقبل نصحه، بل يعتبر تدخلاً فى الخصوصيات علماً بأن ديننا يأمر بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف.

 وأيضاً كان المجتمع لا يغفر قلة الاحترام للأكبر سناً بالذات الوالدين الذين أعلى الله قدرهما بذكرهما بعد الأمر بعدم الشرك بالله الذي هو أعظم الكبائر فأين نحن اليوم من كل هذا بعيدين وأحياناً مستنكرين للطاعة الكبيرة لهما ناهيك عن الرحمة التي كانت تخلق مع المولود تجاه أقاربه والجيران منذ ميلاده وعبر سنوات نشأته ولا يستطيع محوها مهما طال عمره وكبر شأنه، هل محاه التطور والإيقاع السريع للحياة أم تغيرت القلوب النقية الصادقة الأمينة التي يملؤها التسامح والمحبة للجميع التي تجلب رحمة الرحمن ومحبته.

 وفي ذات الحين لا ننسى الإيجابيات المتمثلة في أدوات التواصل الاجتماعي التي تساعد على رقابة الأهل وهم بعيدين وفيها النصح بطرق جاذبة وجميلة لكن قليلون هم من يستخدمونها بصورة مفيدة بالذات المراهقين الذين هم فى حوجة للمتابعة والتقويم لأنهم فى طور تشكيل الشخصية، بل تستخدم لتضييع الزمن وملأ الفراغ بغض النظر عن الفائدة التي تجني من ذلك.

من الغريب أن العالم المتقدم يبحث عن هذا الضبط الذي يؤكد على أهمية ترابط الأسرة ودورها فى خلق مجتمع سليم ويظهر ذلك بوضوح في أغلب الأعمال السينمائية التي تعرض فى القرن الحالي، ونحن نتخلى عنه دون تقدير للدور الكبير الذي يلعبه.

 فعندما سئلت الأمهات عن التربية تحدثن عن الأثر السالب للفضائيات الذي لا ننكره ولكنهن لم يذكرن دور الجدة والخالة والعمة بل الجارة أحياناً الذي نفتقده اليوم، ونسينا أنه الخالة والدة والأهل عزوة والجار أقرب منهم إذا بعدوا مكاناً.

 وبأمانة صلاح المجتمع فى الترابط والتراحم وقول النصيحة وتقبلها واحترام الكبير وتوقير الصغير وعون الضعيف وإرجاع الظالم عن ظلمه لمصلحته قبل مصلحة المظلوم فعلى النصيحة والقدوة الصالحة تبنى الأمم.  

Leave A Reply

Your email address will not be published.