الفحل: إنجاح مبادرة الكتاب المدرسي سيشكل نقطة بيضاء في تاريخ ولاية الجزيرة

“خير جليس في الزمان كتاب” .. مُجالسة على أهميتها كغذاء للعقل والروح، إلا أنها وفي ظل ظروف اقتصادية تلتقم مدخرات الإنسان ولا تكاد تفي بسد رمقه، لم تعد في متناول الجميع؛ لعجزٍ مَرَدُه ضيق ذات اليد؛ أو حوجة ماسة تُقصيه عن قائمة الأولويات..
همٌ استدعى إطلاق مبادرة مجتمعية إنسانية “تجعل كتابك القديم.. هو كتابي الجديد”.. وتكتسب المبادرة أهميتها من أهمية الكتاب المدرسي في العملية التعليمية والتربوية..
وشهد الثامن من نوفمبر ٢٠٢٠م، إطلاق المبادرة بهدف حث التلاميذ والطلاب على المُحافظة على الكِتاب، وإذكاء روح المجتمع، وخلق صلات اجتماعية فاعلة، علاوة عن تقليل الصرف على الكتاب..
بدأت المبادرة بآليات “مجتمعية مجتمعية” قوامها المجتمع نفسه وذلك بتداول الكتب بين التلاميذ.. قبل أن يتم الانتقال لمرحلة “مجتمعية مدرسية” بتجميع الكتب في منطقة معينة وتسليمها لأقرب مدرسة؛ حيث تم تدشين ذلك بمدرسة مدني الثانوية بنين..
المرحلة الثالثة تبناها تشكيليون وجاءت تحت عنوان: “حَسِنْوا” لتحسين الكتاب بإعادة ترميمه وتأهيله وتغليفه وتقرر انطلاقها بقصر الثقافة بود مدني برعاية من الوزارة.. سبق ذلك مرحلة “اجمعوا” لجمع الكتب، و”حثوا” للمحافظة عليها..

*الفحل يدعم المسيرة
المبادرة التي حملت شعار: “كتابك القديم هو كتابي الجديد” وجدت في بواكير عمرها الدعم والمساندة من أستاذ الأجيال عبدالمطلب الفحل الذي سجل إعجابه بالفكرة، وتحدث عنها بإعجاب شديد وتنبأ لها بمستقبل يمكن من خلاله صناعة تحولٍ كبير، بانتقال الكتاب المدرسي بين التلاميذ ليكون منهلاً تتردد عليه أجيال عِدّة وتتركه ببهائه ورونقه لآخرين من السيارة في قوافل العلم غير المنقطعة..
“الفحل” الذي عاش تجارب طويلة مع الكتاب المدرسي في محطات حياته المختلفة ومن بينها عمله “مدير مطبعة” في يوم من الأيام، يُدرك تماماً الكُلفة العالية للطباعة، ما جعل من بين وصاياهـ: “أن الكتب أمانة في أيدينا، فكل عام تتم طباعة كتب جديدة بملايين الجنيهات؛ ما يفرض المحافظة عليها وصونها لإعادة توزيعها للطلاب.. ويشرح فكرته ببساطة: “عايزين كتاب أولى نختو لي أولى الجاية، وتانية لي تانية الجاية، وهكذا”..
ورأى “الفحل” أن المبادرة في مراحل تطورها المختلفة تقتضي أكثر من نقطة؛ تبدأ بتعليم الأبناء والبنات المحافظة على الكتاب، وعدم “شخبيطه وتوسيخه” والحفاظ عليه من التمزيق.. وتلك مهمة المدرسة والمنزل. يقول: “نريد من ناس المدرسة عمل تنوير للناس و”الأولاد والبنات” بالمحافظة على الكتب وتجليدها..
ويضيف: “أنا الآن عمري 78 عاماً، وكراساتي بتاعة الأولية، والوسطى، والثانوي، والجامعة، ما زالت موجودة في البيت، وذلك بفضل الاهتمام بها. ويجب على الأسرة مع الأبناء المحافظة على الكتاب.. ويستكمل هذا الدور بتعليم المدرسة الأبناء كيفية المحافظة على الكتاب، ونظافته، وسلامته..
أما المرحلة الثانية كما ذكر “الفحل” يأتي فيها الإعلام والترويج لهذه الفكرة التي وصفها بـ”الجميلة”.. كما أن على الجهات التنفيذية المسؤولة بدءاً من الوالي، ووزارتي التربية والتعليم، والثقافة والإعلام، وغيرها من الجهات التعاون مع المنظمة. يقول: “أتمنى من أي جهة تصلها المنظمة، أن تتعامل معها بوعي، وعلى حكومة الولاية المحافظة على المبادرة، ودعمها بشتى السبل مادياً ومعنوياً”..
شبّه الراحل ذلك بـ”عنقريب الجنازة” الذي يتطلب حمله كثرة الأيادي، فهو يريد من الجميع أن: “يشيلو الشيلة مع بعض”.. ويضيف “الفحل” لهذه الزمرة المجتمع المدني كضلعٍ رابعٍ مهم جداً، وفي قناعته: ” ما ممكن نَتْكِل كل حاجة على الحكومة”.. ويمثل لذلك بقصة الرجل الذي هم بالذهاب للسوق، ولاحقه أحفاده بطلباتٍ لإحضار “زُمبارة” ولكنها فيما يبدو كانت أمنيات بعيدة التحقق، إلا واحداً منهم كان طلبه مختلفاً: “هاك يا جدي جيب معاك زمبارة” ليطمئنه الجد: ” إنت الزنبرت”.. فالمبادرة كما أوصى “الفحل” في حديثه يجب أن تستند على مبدأ المشاركة، والثابت أن اليد الواحدة لا تصفق..
يقول “الفحل”: هذه المبادرة إن تمكن الناس من إنجاحها، يمكن أن تكون نقطة بيضاء في تاريخ ولاية الجزيرة، ونهجاً تتبناه كل ولايات السودان.. ويجزم بأن نجاح المبادرة في الجزيرة، يمكن أن يُعمم على جميع السودان.. ووعد من خلال تواجده في الجامعات، والوسائط الإعلامية بالترويج للمبادرة التي ظل يصفها طول حديثه بـ”الجميلة”..
ولم يفت على الرجل بأن يحذر ويوصي أصحاب المبادرة: “أعملوا حسابكم من الإحباط”.. ويردف: “في ناس حيحبطوكم ويقولوا ليكم إنتو في شنو والناس في شنو!!؟”.. ويؤكد أن مثل هذه الأشياء تحتاج للصبر، وطول البال، فالرسل من قديم الزمان تعرضوا لمعاكسة أهلهم، كما وقع الاختلاف على الدين، والرسل، والقرآن، فهكذا هم البشر..
ويختم حديثه برسالة في بريد المسؤولين في أعلى هرمهم وإلى كل شخص بأن: “يشيلو الشيلة لإنجاح المبادرة، عشان تكون قدمت مشروع كبير جداً يمكن أن تستفيد منه كل الولايات”..
بروفايل

عبد المطلب الفحل من مواليد 1942 بمنطقة الزومة محلية مروي، درس المراحل الأولية والوسطى بالزومة، ثم المعهد العلمي بنوري، ثم الثانوي ببورتسودان، تخرّج في جامعة القاهرة فرع الخرطوم بكلية الآداب من قسم اللغة العربية.. الدراسات العليا الماجستير من جامعة القرآن الكريم عن رسالته: (الأداء اللغوي في نشرات الأخبار في الإذاعة السودانية).. والدكتوراة من جامعة أم درمان الإسلامية عن رسالته: (اللغة العربية ما بين الفصحى والعامية في الإذاعة السودانية).. تطبيقاً على برنامج لسان العرب للأديب الراحل فراج الطيب، ودراسات في القرآن للدكتور عبد الله الطيب.
جاء دخوله للإذاعة في عام 1978م عندما تم نقله لمدرسة عطار الثانوية بنين بأعالي النيل، ورفضه الذهاب نسبة لموهبته في كتابة الدراما للمسرح والإذاعة وحبه للمسرح وإجادته التمثيل منذ الصغر.. حيث أصرت وزارة التربية والتعليم على نقله، ليتدخل الأستاذ بابكر أحمد كابوس- وهو عضو في مجلس الآباء بالمدرسة في بحري ويعمل بوزارة الثقافة والإعلام- ويوجهه بأن ينتقل لوزارة الثقافة والإعلام، وقد تمت إجراءات نقله وتعيينه في الإذاعة السودانية..
“الفحل” من الذين لم يخضعوا لاختبارات الصوت، وقدّم برامج صغيرة ومسلسلات للإذاعة في بداية السبعينيات، وأول مسلسل إذاعي (منو الكتل صديق)، وآخر يتكون من خمس عشرة حلقة (حكاية النعمة بت وراق)، ثم برنامج (دكان ود البصير) كبرنامج كبير، وقد بلغت عدد حلقاته ألف وثلائماثة، وهو من البرامج الدرامية وبرنامج (أهلاً وسهلاً) و(الهجرة إلى الله) استمر (12) عاماً، وبرنامج (على الخط) الذي قدمه للجمهور، وأكسبه محبة الناس، ومن خلاله زار معظم ولايات السودان، بعدها عَمِل محاضراً بجامعة أم درمان الإسلامية وأحيل للمعاش في عام 2003م، وعمِل محاضراً بجامعة المشرق ببحري، ومتعاوناً في الإذاعة ببرنامج (دكان ود البصير).
وقبل دخوله الإذاعة؛ عمِل بالحقل التعليمي لأكثر من (14) عاماً في مدارس البنات، مما أتاح لي التعرف على المرأة عن قرب، والتعامل معها: “طالبة، ومعلمة، وعاملة” ومعرفتها بكل تفاصيلها، وفهمها من النظرة الأولى.