رمزية الكنداكة في رواية “شاخيتو”.. بوابة بوهين الضائعة

0 189

قرأ معهم/ ود أبو حامد

لم تكن “الزغرودة” في الساعة الواحدة بتوقيت الثورة؛ فعلاً هامشياً يشجع الناس على الخروج بينما تبقى صاحبته في الخلف، بل كانت تقدماً في ساحة المعركة؛ تلك المعركة الشرسة التي ما زالت تتدثر بالدهشة من ثبات وشجاعة ثائرات قُدْن الجحافل للانتصار؛ إنهن “كنداكات” ثورة ديسمبر المجيدة.

ثورة أعادت رمزية “الكنداكة” التي لا تقود فقط إلى التاريخ القديم، بل إلى التاريخ الذي كانت فيه المرأة فاعلة ومسيطرة وحاكمة لا تكتفي بأدوار مُساعِدة، تاريخ “شاخيتو” المقاتلة والقائدة التي دحرت الرومان وتقدمت بجيوشها لتحتل بلاداً ذات حضارة عريقة.

وبحسب نادر السماني عضو اتحاد الكتاب السودانيين فإن “شاخيتو” عادت من بوابة رواية دارت أحداثها حول شخصيتها كعنوان رئيس؛ مع ارتباط جانبي ببناء حضاري عظيم اتخذ رمزية “بوابة بوهين الضائعة” حيث أُريد بذلك- حسب نقاد- أن هنالك حضارة اهتمت ببناءٍ جُعلت له بوابة ما يشير لعظمته غير أنه يفتح الباب أمام مزيد من الأسئلة حول ضياع هذه البوابة وما خلفها.

كاتب الرواية “ممدوح أبارو” يضعك ببنائه السردي أمام مشهد لبناء هرم “خوفو” بفصول روايته الأربعة التي تتسع في بدايتها عند “وهم الحقيقة” ثم تبدأ تضيق صفحاتها رويداً رويداً بـ”ألوان قشيبة” و”الوجه الآخر للخديعة” قبل أن تنتهي بـ”أصل الحكاية ومنتهاها”.

رواية “شاخيتو”.. بوابة بوهين الضائعة؛ أُعيدت قراءتها بقصر الثقافة بود مدني في وقت سابق؛ في رحاب التجمع الثقافي الإعلامي المنضوي تحت تجمع المهنيين السودانيين، وفي حضرة كُتّاب، ونقادٍ، وشعراء، ولفيف من المهتمين بالشأن الثقافي ورموز الثورة من الشفاتة والكنداكات.

*بِتّات حارسة

“شاخيتو” تعتبر الرواية الثانية للكاتب ممدوح أبّارو، إذ سبقتها “بِتّات حارسة” سردية صغرى؛ والتي خصّها الناقد صلاح محمد الحسن بقراءاته؛ ومع أنها بدت غامضة بالنسبة إليه في بداياتها وما قبل الثورة، إلا أن ما سجله من ملاحظات حول ما أسماه “الإدارة الإسفيرية” سرعان ما تكشفت معالمه، فهذه الإدارة في مجال السياسة، والأدب، والثقافة، والفنون، والاجتماع، والعمل الطوعي، مثّلت المكونات الأساسية للثورة.

فبيانات، ودعوات، وتنسيقات الحراك الثوري، لم تكن سوى “بِتّات” وهي وحدة مشتقة من “البايت” في لغة “الزيرو ون”؛ حيث استطاعت اجتذاب غالبية الشعب السوداني وحققت مفهوم “الكتلة الحرجة” التي أطاحت بنظام الإسلامويين الذي استمر لنحو “30” عاماً وعجزت عن إسقاطه كل حركات المقاومة السابقة.

إذاً فالبِتّات قد جسدت أداة العمل التي اتخذها هؤلاء الشباب للتواصل الإسفيري في ظل عجز برامجي، وفكري، وتنظيمي، ورؤيوي لكل القوى السياسية السودانية القديمة، ولولاها لم يكن ليتحقق هذا الانتصار ولما تمكنت “الكتلة الحرجة” من الإطاحة بالنظام وحماية هذا الإنجاز الثوري.

هذا العمل وإن كان فردياً؛ إنما يأتي في سياق منظومة كاملة شارك فيها مئات الألوف من الشباب وغيرهم، ومع أن ثورة ديسمبر لم تأتِ مباشرة من هذه الأعمال الروائية وغيرها بحسب “الحسن” إلا أنه من المؤكد أن الكتلة الأساسية للثوار كانت تستوحي هذه الكتابات الإسفيرية، ويجدون فيها التعبير عن أنفسهم كأداة فعل سياسي، وثقافي، واجتماعي؛ استطاعت أن تُعوِّض الضعف السياسي والبنيوي، والرؤيوي، والتنظيمي للقوى السياسية.

*سهم ود مدني

مكونات أخرى ممن حضروا تدشين رواية “شاخيتو” ومن بينهم اللجنة الثقافية بالتجمع الثقافي والإعلامي بولاية الجزيرة التي بعث رئيسها إبراهيم عابدين بإشارات عن مخزونات ود مدني الإبداعية وكيف كان لها تربية المكان بالنسبة لممدوح أبارو، أما التجمع الثقافي الإعلامي الداعي للفعالية فقد ألمح ممثله الفاتح عُلَما لدوره في تجميع الكيانات تحت مسمى واحد يحمل هم الثقافة والإعلام. وبالنسبة لإدارة الثقافة والإعلام فقد ناب عنها في الترحيب بالحضور حمد عبدالقادر الذي ألمح إلى أن الفعالية هي وجه للشراكة بين التجمع الثقافي والإعلامي وإدارة الثقافة والإعلام في سياق توجه مشترك نحو تقديم وعي وثقافة جديدة في ظل تعافي ثقافي من قيود الماضي.

ممدوح أبارو

*عريس الأمسية

وتبقى القراءات النقدية المختلفة التي تسهم في تطوير العمل الأدبي؛ على درجة من الأهمية في نظر “ممدوح أبارو” فبعد خروج الكلمات من الكاتب لا تعود ملكاً له؛ ويرى أن روايته قد وضعت مفاتيح لقراءة التاريخ ولم تستدعه كما ذهب بعض نقاده، وعبر عن أمله في أن تجد روايته حظها من القراءة والنقد من جانب المهتمين بالشأن الثقافي بود مدني.

Leave A Reply

Your email address will not be published.