الطب البديل.. فاجع أم ناجع ؟!
متابعة: الريح جكسا
انتشرت في الآونة الأخيرة كالنار في الهشيم في المدن؛ وشملت الأحياء الراقية بعد أن كانت محصورة في المناطق الشعبية، نساء من مختلف الأعمار وحتى الرجال يأتون إلى هذه المحال التي أصبحت متأنقة في عرض بضائعتها..
“العشابون” أو “الطب البديل” محور يثير أكثر من علامة استفهام بالسؤال عن الأسباب التي أدت لانتشار تلك المهنة بصورة قانونية وغير قانونية، بجانب الكثير من اللغط؛ أرجعه الكثيرون إلى أن ذلك يعود لارتفاع أجور الأطباء إضافة إلى أسعار الأدوية التي تختلف في صناعتها وتأثيرها والعامل الأساس يتمثل في هجرة الأطباء.
وبحسب رأي الكثيرين؛ فإن الأعشاب هي دواء أفضل من الأدوية الكيميائية وتأثيراتها قليلة على الجسم، بينما سخر آخرون منها معللين ذلك بأنها أضحت تجارة سهلة لمن يعلم أو لا يعلم بها، إلى جانب أنها باب سهل لاصطياد الضحايا وممارسة النصب والإحتيال، ونفى على إثره عدد من العشابين ما تم رميهم به من اتهامات.
*تراكم خبرات
وفي جولة وسط سوق العشابين إلتقينا بـ”يعقوب صالح” الذي أشار في حديثه إلى أنه يبلغ من العمر 53 عاماً، ومن ثم بدأ يُفصِّل الكثير حول عوالم الأعشاب.. يقول: إحترفت مهنة الطب البديل من عهد بعيد، ذلك اكتسبته خلال عملي إبان فترة الشباب بالصيد، ونسبة لعملي ذلك تكونت لدي وفرة من المعلومات عن العلاج بالأعشاب نظراً لجولاتي حول ضفاف البحار، فكل من يعيش في البحر ويعرك الصحاري يعرف أشياء كثيرة من هذه المسائل..
مثلاً: طعنة الشوك أو الجرح الغائر، أو عضة حية أو عقرب، وأردف: خلال ذلك كان لازماً أن أعرف كيفية العلاج، ومن هنا بدأت رحلتي، لأن المناطق التي أذهب إليها صادف أن لدغت بثعبان وعقارب خلفت جروحاً وغيرها من الأمراض، وشيئاً فشيئاً زادت خبرتي ومعرفتي بعوالم الأعشاب.
يضيف: بعد أن كبرت ونسبة لمعرفتي السابقة تعطنت الخبرة، ومع تقدم العمر وتقدم السن في مقاومة شباك الصيد امتهنتها، مبيناً أنه خلال ذلك اكتشف أن السودانيين يتعاملون بالفطرة.. ويمضي: يمكن فى بعض الأحيان تجده داخل الأسرة، مثلاً في حالات الفكك وكسر العضم أو الورم تجد كثيرين يعرفون ذلك في العلاج بالروب والسمن أو الصمغ العربي، وكذلك العسل وحتى النيم وكل ما في متناول اليد، لذلك الناس يفضلون العلاج بالأعشاب.
*تكسب سريع

ومن جهته كشف “آدم حامدين” أن مجال الأعشاب ليس كما يشاع عنه أنها مجرد “شجيرات” تقطع وتعرض في الأسواق وغيرها من الأماكن التي تباع فيها؛ بل كل ذلك يستصحبه خبرة سابقة عنها، فليس كل عشّاب يعي ويدرك ما يمكن أو لا يمكن، لافتاً إلى أن الأماكن التي تجلب منها تلك الأعشاب متوفرة لكن غفلة الناس عن استخدامها جعلتها غريبة بعض الشيء، فمثلاً الكمون الأسود “أنا ماشفت محل يخلو منه”؛ موضحاً أنه وبشكل عام من أغلب المناطق، وعلى وجه الخصوص ضفاف النيل التي تختزن أعشاباً كثيرة، بالإضافة للدمازين وغرب كردفان، وجهة المصب وقرضاية كل تلك الأمكان غنية بالأعشاب تجد فيها الصمغ العربي والهشاب واللبان والخروب، كذلك في جبال النوبة وأعالي النيل والشمالية..
ويفند ما يحيط بالأعشاب بقوله: ما يعتقده الناس بأن الأعشاب والتداوي بها كذب يرجع في الأساس لعدم الإلمام بالشيء.. ويستدرك: لكن بالنظر في السياسات العالمية عامة نجد أن هنالك خصخصة وفبركة منعاً لسقوط سوق الطب والأدوية، لذلك التعمد ظاهر في تجاهل فائدة الأعشاب.. ويضيف: لن نستطيع التخلي عن الأعشاب مهما كلف وأنتج من العلم الحديث..
وأكد استهانة الناس بشكل الجلسة في الأسواق العامة والعرض الرخيص، لكنهم لا يعلمون كيف وصل الواحد منا لهذا المكان؟! ويتابع: الواحد بجي هنا لعدم وجود فرص عمل ويكابد بخبرته من أجل البقاء، والعرض الزهيد يرجع لأن هنالك اختصاصيين في أعشاب، وهنالك من لا يعرف عنها شيئاً ومن لا يعرف عنها شيء والخلط هو سبب تلك النظرة، رغم أنهم لا يعرفون عن عوالم الأعشاب إلا أنهم أضروا بسمعتها كثيراً للتكسب السريع..
وأردف: قد تجد من شاكلتهم أن الواحد يفترش أكثر من 100 صنف أمامه لكنه لايفقه شيئاً عنها؛ وفوق كل ذلك العلاج من الله، فبالقياس معالجة الطبيب ومهارته هي زوال الألم ولا يستطيع أن يمد في الأيام أو العمر، ورغماً عن ذلك لا يمكن إن وصلت للعلاج أن تجد الشفاء الكامل دى حاجة من عند الله؛ لذا كطبيب أو عشّاب يجب أن يكون لديك سبب كافٍ للعلاج، والواحد بشتغل أعشاب لعدم الشغل والعلاج من الله.
*سحر وشعوذة
بالمقابل نفى العشاب “محمد إدريس” أن يكون هنالك مسحة سحر أو شعوذة، وقال: الإنسان تكويناته عجيبة جداً.. والسر الذي بين الإنسان وربه ما في زول بعرفه لأن العلم الباطن أوسع من العلم الظاهر، ونحن لسنا أطباء نفسيين، وبكل صراحة وجدت أناساً كثيرين بدون أعشاب كأن تأتي مريضاً بوجع رأس أو آلام بطن أو غيرها بقرأ ليك الفاتحة فقط وإنت تَخِف، أي أن السحر والشعوذة كلام وتنظير مما لا يعلمون بالشيء..
وأردف: إن كتب لك أن تجد العافية بالأعشاب بتلقاها وإن لم تكتب؛ فبتلقي محل ربنا يكتب ليك حكمتك، فالناس ما تفتكر دا دجل ولا غيره أبداً، في أولياء صالحين زجت بهم الحاجة والضرورة لذلك، وحكمة رب العالمين وخصه لبعض البشر أساساً لا تستطيع أن تحددها، وأي شخص كان لقيت من أعطاك العلاج هذا هو المعالج ومن لا يوفر لك ذلك إن شئت تقول كذب وإن شئت تقول علاج، وزاد في حديثه: اعتقاد الناس بالأعشاب يختلف من إنسان لآخر، فمن ترعرعوا في المناطق غير المتطورة والبعيدة عن المدن دائماً وأبداً تجدهم يهتمون بالأعشاب والرُقية أكثر من المشافي العريقة، وهنالك من يجد علاجه ويجد العافية، وهنالك من لا يجد بعد ذلك يذهب للمشفى، فتلاحظ أن أغلب تلك المناطق تعج بالمشائخ والأولياء أصحاب الصيت والشهرة وممكن الناس تسافر ليهو وتقطع مئات الكيلومترات، لذا ماضروري إلا تتعالج..
لكن ما تمشي لشيخ وتقول كذاب ولا دجال، فهي تعالج الأمراض السرطانية والفشل الكلوي والعقم عند الرجال والنساء والصلع والرأس المشقوق، وأدواتها غاية في البساطة.
علامة إستفهام
أما “ايمان” قالت إنها غير مقتنعة بما يعرف بالمعالجة بالأعشاب، وأرجعت ذلك لأنها إن كانت ذات فائدة وبشكل قاطع للأمراض لكانت تباع في الصيدليات وبأسعار باهظة، خاصة أن الكثيرين يبحثون الآن عن المعالجات في المشافي، بل يضطرون للسفر للخارج، لذا لا تعتقد أن الاعشاب معالجة..
وشاركها الرأي الطالب “محمد سليمان” بقوله: انتشار محال بيع الأعشاب في الآونة الأخيرة في أغلب مناطق العاصمة، بعد أن كان محصوراً في المناطق الشعبية، يثير أكثر من علامة استفهام وسؤال عن الأسباب التي تقف وراء ذلك لعل منها ارتفاع أجور الأطباء إضافة إلى أسعار الأدوية.
