إخراج السياسة من الدواوين الحكومية بالجزيرة.. كيف سيبدو المشهد
تقرير/ راشد حامد عبدالله
أخرجت سُلطات ولاية الجزيرة، السياسة من بين ظهراني دواوين الدولة، ومنعت الإفضاء إليها أثناء ساعات العمل الرسمية، ومن أرادها فليصِبها ويقضِ وطره منها ولكن خارج مضارب ومَوَاطِن المسؤولية عن الناس، وتقديم الخدمة إليهم؛ فهم ليسوا معنين بشكل أو بآخر بأي توجه سياسي تتعطل به مصالحهم..
ونص القرار الإداري رقم (1) لسنة 2022م على منع جميع الأعمال السياسية والنقابية داخل الأمانة العامة لحكومة الولاية..
ترافق ذلك؛ مع صدور توجيهات للمديرين العامين بالوزارات، والمديرين التنفيذين بالمحليات، والمؤسسات العامة، ومدير الشؤون الإدارية بالأمانة؛ إضافة للمدير التنفيذي لمكتب الوالي، تفعيل لوائح الخدمة المدنية في الحضور والإنصراف، والإلتزام بالتوقيع على الدفاتر الخاصة بذلك..
قراران تعددت زوايا النظر إليهما، وقرأهما كثيرون في سياقات مختلفة أملتها ظروف التقلبات والأزمات السياسية بالبلاد؛ ورفض القوى الثورية للتشكيل الحكومي بعد تداعي جدار الثقة في المكون العسكري..
وفي الاجتماع التنويري لوالي الجزيرة مع مراسلي الصحف القومية والإلكترونية والفضائيات والإذاعات؛ شدد عبدالهادي عبدالله عدلان: بأنهم لن يسمحوا لأي شخصٍ بممارسة العمل السياسي داخل دوواين الدولة ومواقع المسؤولية عن الناس أثناء ساعات العمل الرسمي. يقول عدلان: “أي زول داير يمارس سياسة على عينا وراسنا؛ بس خارج المكاتب”..
ويرفض الرجل السياسة بمعناها الإجرائي، وينأى بمعرفة عن الشكل الإجرائي الذي تتم حالياً.. ويضيف: “نريد التحدث عن السياسة من باب التعليم، والصحة، والخدمات المُقدمة للناس لخلق وضع سياسي مستقر، وتقديم نموذج للإنسجام المجتمعي، والحياة اللطيفة بين الناس من خلال ممارسة سياسة رشيدة..
وفيما يلي تعقيدات المشهد السياسي، والقضايا والمشاكل التي تواجههم قال عدلان: “ألعب بعيداً عن الضغط النفسي، وأتمتع بروحٍ رياضية في الفوز أو الخسارة.. وعودي في السياسة أقل من عود المرأة..
وفي الوقت الذي رحب فيه “عدلان” بالآراء المخالفة، وقبول التوجيه بمختلف مستوياته، والنقد البناء، رفض- دون مواربة- النقد الشخصي، فالمسائل الشخصية في نظره لا تدفع في اتجاه التأسيس لدولة مهنية..
والي الولاية الذي قال إنه يجد نفسه أحياناً في وضعٍ يشبه السير على المسامير، ليس في وسعه الحجر على أحد، أو توجيه الناس في طريق معين، ولكنه يظل على موقفه بعدم السماح لأي شخص بممارسة العمل السياسي بمكاتب الدولة..
وقصد “عدلان” حسب إشارته أن يقول لصحافة يرى فيها سُلطة أولى ومرآة تعكس نبض الشارع، وهم المواطن ومعيشته، أنهم ينشدون مهنية عالية جداً تتأسس على الاستبصار بالرأي، وتسليط الضوء على ما هو خافٍ عن أعين السُلطة، ومواطن الخلل في ظل إخفاقات، وإشكالاتٍ خدمية تعترف بها السلطة..
فمدينة كود مدني رغم احتياطاتها الكبيرة ورصيدها الإعلامي، والثقافي الذاخر بالأسماء الثقافية كأحمد الفضل، ومبارك الصادق، وعمر السنوسي، وصالح علي صالح، ورانيا مأمون وغيرهم إلا أنها من أكثر المدن فقراً وبؤساً، والأسوأ حضوراً في المشهد الثقافي..
والعديد من القامات الثقافية الكبيرة والأفذاذ كالفاضل السنوسي صاحب البصمة في الثقافة، والتعليم، والموسيقى، طواهم النسيان وأصبحوا نهباً للمرض، ومعظم رموز الساحة الثقافية الحالية هم تلاميذ في مدارسهم.. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل تعكس الولاية هذا الرصيد الإعلامي الهائل؟..
وبدى الرجل منزعجاً من خروج موجهات من السُلطة التنفيذية يكون لها صدى سالب ناتج عن عدم الوعي والإدارك بقضية وطن تتطلب التأسيس لعمل كبير؛ في إشارة لموجهات منع العمل السياسي داخل مكاتب أمانة الحكومة ليكون مهنياً خالصاً..
وفي حديث سابق له؛ أكد “عدلان” احترامه لوجهات نظر أصحاب الفكر والتوجهات السياسية، غير أنه ينادي بضرورة خلع جلباب الحزب لصالح الوطن بحثاً عن تقديم النموذج، وهو يثق بتحقق ذلك باتحاد الهمم..
ونفى أن تكون موجهاتهم إعلاناً للحرب على الممارسة السياسية من قريب أو بعيد، وإنما هي ضوابط لتجويد العمل، مطالباً الصحافة والإعلام والشق الثقافي بأخذ هذه المسائل من مظانها الحقيقية فذلك نهج كما ذكر ينير لهم الدرب..
إذاً ستخرج السياسة من الأبواب المتفرقة للدواوين الحكومية بحسب تلويح أمانة الحكومة وتوجهاتها لفرض الإلتزام بساعات العمل وفق الوصف الوظيفي، والابتعاد عن العمل السياسي أثناء ساعات العمل الرسمية، ويبقى المشهد مفتوحاً على كافة الاحتمالات في ظل تنامي التجاذبات والتشاكس على الساحة السياسية والإعلامية واتساع الهوة بين مختلف الأطراف..
