العلاج بالمزيكا
د. علي بلدو
*الارتفاع المبالغ فيه في أسعار الدواء، وارتفاع تكلفة العلاج عموماً هذه الأيام جعل الكثيرين؛ وقريباً سيجعل الباقين يلجأون لوسائل أخرى لشفاء أسقامهم وتسكين آلامهم والرضا من الغنيمة بالإياب!! كما أن البعض تساورهم الشكوك وينتباهم الظن في الآثار الجانبية لبعض الأدوية والعقاقير والمستحضرات الصيدلانية، وقد يثور التساؤل عن معايير الجودة والصلاحية وغيرها من تساؤلات المريض العادي وذووه!! ويكون العلاج الشعبي والعشبي والطب البديل أحد الخيارات بكل ما بها من محاذير وموارد كثيرة للضرر ووجود أشكال للدجل والشعوذة واستغلال البسطاء والذين هم مُسْتَغلون أصلاً، وهذا مما يزيد الطين بللاً فوق بلل!!
*ومع تزامن الغلاء الفاحش مع ظاهرة انتشار الفنانين و(الغنايات) والمد الغنائي والموسيقي الذي اجتاح الإذاعات والفضائيات والميديا وكذلك الفضاء الإسفيري وأصبحنا نرى ونسمع في كل حي وركن وناحية، عازفاً أو مطرباً أو فنانة وبالذات من عينة (الصفقة مالها تعبانة)، حتى يخيل لنا أننا نعيش في فيينا القديمة أو (فينيسيا) والحي اللاتيني في باريس! ولكن ما أن نرى جيوش الذباب وهي تسلم (الوردية) لجحافل البعوض ونرى وحل الأمطار متطايراً في الأرجاء، إلا وندرك أننا لازلنا في المدينة المثلثة بأضلاعها الثلاثة الفقر، والجهل، والمرض!!
*والعلاج بالموسيقى ظهر منذ سنوات طويلة ومارسه كبار الأطباء والموسيقيون، وذلك لما أثبته العلم الحديث من التأثيرات العلاجية الطبية للموسيقى على النفس والجسد، بل وأيضاً على النبات والحيوان! فمنها أن الاستماع للمقطوعات الهادئة يريح النفس ويساعد على الاسترخاء والتغلب على القلق والتوتر والخوف والإنزعاج، وكذلك تنظيم ضربات القلب، وخفض ضغط الدم الانقباضي والانبساطي، وإراحة عضلة القلب، وكذلك زيادة معدل الاستقلاب وتنشيط الدورة الدموية وهذا يساعد مرضى القلب والجلطات والسكتات على سرعة التعافي والاستجابة للعلاج.
*وكما تبرز الموسيقى كعلاج ومسكن للألم والأوجاع المزمنة مثل آلام الظهر والتهاب المفاصل والروماتيزم والقاوت والتهابات المفاصل الرثيوية والخمجية، وكما تساعد مرضى الشلل على الحركة وكذلك تحسن مرضى الثعلبة الحمراء وغيرها من أمراض الأنسجة الضامة والحركية.
*ومن الأشياء المعروفة لدى العامة أن الموسيقى ترفع الروح المعنوية وتزيد الهمة والنشاط وفق الإيقاع ولذا فهي علاج للاكتئاب النفسي و(الدبرسة) وتم استعمالها في الحروب والجيوش كسلاح مثل باقي الأسلحة ويتم ترديد أنغامها في الجلالات وطوابير السير والتي تجعل المجند يسير من (عطبرة) إلى (الخرطوم) دون أن يشعر بالتعب.
ولعل هذا ما عناه السيد الشيخ (عبد الغني النابلسي) رحمه الله عندما قال:
هب لراعي الدير يفتح** نوره الشعشاع باهي
واسمع النغمة ترتح** واغتنم صوت الملاهي
وقتنا أنغام مزهر** وغناء العندليب
*ومن اللطيف أن نعرف أنه حتى الجنين في بطن أمه يستجيب للأنغام، ويساعد إستماع الأم الحامل للموسيقى أثناء الحمل في صحة الأم والجنين وسرعة الولادة وكذلك حجم الجنين عند الولادة وعدم حدوث المضاعفات اللاحقة للوضوع بما يقلل من نسبة الوفيات للأم والجنين والتي تعتبر إحدى مقاييس تطور وتقدم البلدان.
*كما أن تشغيل بعض المقطوعات المختارة والمتوافقة مع بيئة المريض أثناء سير العمليات الجراحية وزراعة الكلى يساعد في نجاح العملية واسترخاء العضلات وقوة الإستجابة للتخدير، بل يمكن إجراء بعض العمليات الصغيرة دون تخدير إذا كان المريض (سِمّيع) ومتفاعل مع النغمة مثل خلع الأسنان وغيار الجروح والخياطة.
*والموسيقى تستخدم أيضاً لعلاج الإدمان والتمتمة وفرط الحركة وأعراض المصران العصبي وعسر الهضم والأرق الليلي ومجموعة كبيرة من الأمراض والاضطرابات التي لا يسع المجال لذكرها.
*كما اشتهر الكثير من ظرفاء المدينة ممن يعرفون بـ(الواثقين في رحمة الله) بأنهم أهل طرب و(مغنى) وتجدهم دائماً في روح معنوية عالية ويشيعون الفرح في من حولهم، وينثرون روح التفاؤل والأمل على الأخير دون ضجر أو ملل، وينداحون كذلك في المنتديات والتجمعات والأماكن العامة ليمتصوا روح الغضب وانفعال البعض والتوتر والعصبية والنرفزة وكأنهم (فلاتر) لتنقية الأجواء المزاجية والنفسية، وبذا يكونوا قد سعدوا وأسعدوا!!
*ولعلنا نحلم باليوم الذي نذهب فيه إلى الصيدلية الموسيقية ونطلب مقطوعة أو مدحة معينة لعلاج آفة معينة، ويكون لسان الحال كما قال شاعر الشعب:
لو مشفى الناس إتعذر بأي طريقة
الناس ممكن تتعالج شعراً وموسيقى
ويبدو أننا مقبلون على ذلك في مقبل الأيام !!
وإلى لقاء،،،