تشجيع الصادرات ومزاولة التصدير.. هل تنجحُ جهود التدارك
تقرير: راشد حامد عبدالله
لا يزال الاقتصاد السوداني يعتمد اعتماداً كبيراً على المواد المستوردة، مما يعني استمرار مشكلة عجز الحساب الجاري للبلاد على الرغم من الزيادة القياسية في بعض المنتجات القابلة للتصدير والمطلوبة عالمياً، ولكن ثمة عقبات في الطريق..
كان الارتفاع الكبير في الصادرات محركاً رئيساً لمعدل نمو الاقتصاد في كثيرٍ من البلدان، ولكن مدى قدرة السودان على ارتياد هذه الآفاق والحفاظ على هذا الاتجاه مفتوح للتساؤل، حيث لا يزال منتجوه يعتمدون بشدة على أنماطٍ تقليدية لا ترقى لمستوى ثقافة المستهلك وإرضاء طموحاته..
وباستمرار؛ ينكمش الاقتصاد السوداني، وتتزايد وتيرة الاستهلاك مقابل تراجع مخيف في الصادرات رغم توفر المقومات لذلك، وما تُظهره المؤشرات الأولية من استمرار الأثر الإيجابي للصادرات على النمو وميزان المدفوعات التجاري، وفي النهاية التحسن الكبير للاقتصاد..
وفي كلتا الحالتين، تحتاج البلاد؛ والجزيرة بما تملكه من مقومات إلى تحفيز الصادرات، والتركيز على الإنتاج الصناعي الموجّه نحو التصدير وذي القيمة المضافة العالية، لتجنب أزمات عجز اقتصادي خطيرة في المستقبل. وهذا يتطلب سياسة حوافز منتظمة وثابتة وجهود علمية؛ وإرادة سياسية من شأنها أن تمنح الثقة للمنتجين، ورغم التأخر الشديد فعل ذلك، لكنه يبقى هو المخرج من هذه الدائرة التي تضيق باستمرار على المواطن..
*محاولات التدراك
الوضع المتأزم للاقتصاد، وما تلاحظ من تضاؤل رأته هيئة المواصفات والمقاييس نسبياً في حجم الصادرات وفقاً لتحليلات إحصائية، فرض البحث عن تدخلاتٍ فنية وعلمية تأتي في سياق حملة مزمعة لتشجيع الصادرات، قادت في النهاية إلى تبني فرع الهيئة بالجزيرة ورشة لدعم جهود ترقية وتشجيع الصادرات، والإسهام في زيادتها، علاوة عن بحث تحديات صادرات الولاية في المستقبل؛ ليطرح الأمر على طاولة جامعة الجزيرة، وهيئة البحوث الزراعية، ووزارت التجارة، والمالية الاقتصاد والقوى العاملة، والإنتاج والموارد الاقتصادية، والمصارف، وشرطة الجمارك، وأصحاب العمل، وغيرها من الجهات ذات الصلة..
وللإجابة عن تساؤل لماذا نُصدِّر؟ طرحت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس فرع الجزيرة، ورقة عمل بهذا الشأن أعدها المهندس عبدالحي أحمد إدريس الخبير بالهيئة في مجال الرقابة..
وتتصدر رقابة الصادرات البستانية أولويات الهيئة؛ فهي تعتبر جهة رقابية إجرائية لعملية الصادر لأهميتها وما تنطوي عليه من ميزات، وتمارس الرقابة الأولية، والوسطية، والنهائية قبل إصدار قرارها النهائي الذي يتطلب سلسلة إجراءاتٍ ومستندات تتضمن العقد التجاري بين المُصِّدر والمستورد والسعر المتفق عليه، والدفع بالعقد لوزارة التجارة لمراجعته والتحقق من السلعة..
وتستخرج وزارة التجارة استمارة عقد صادر بناءً على العقد التجاري المقدم من المُصدِّر بعد مراجعة الكمية المنصوص عليها في العقد والسعر ومطابقتها، كما تستخرج استمارة صادر بناءً على مطابقات فنية..
*أهمية التصدير
ويشجع التصدير الاستثمار المحلي والخارجي، كما أنه يوفر معلومات كافية عن السلع والمواصفات الوطنية، ويفتح أسواقاً دولية، ويتيح المشاركة في المعارض الخارجية، والبعثات التسويقية، والاستفادة القصوى من الثورة المعلوماتية في جانب التجارة الإلكترونية..
كما يسهم التصدير في إنشاء قرى مركزية للصادرات؛ وهو الأمر الذي يفتقده السودان، إذ يمثل ذلك ماعوناً تجارياً يتيح الحصول على أعلى سعر في الصادر، ويسهم التصدير كذلك في الاستفادة من التمثيل التجاري السوداني والتقنيات الحديثة..
وتستفيد الدولة المنتجة من عائدات الإجراءات التسويقية لمواعين الصادر إن كانت مطاراتٍ، أو موانئ، أو طرقاً برية دولية، لتشكل ميزة إضافية للتصدير.. ونجد أن السودان يتمتع بعلاقات جوارٍ حميدة مع دولٍ لديها صادرات برية..
وتعمل تجارة الحدود على تبسيط العمل التجاري بين البلدن، وتحسين الميزان التجاري عن طريق زيادة الصادرات، وخلق فرص تبادل تجاري، غير أن خبراء الهيئة ينزعون إلى عدم السماح باستيراد المواد من الخارج في موسم إنتاجها بالداخل..
*التجارة المشروعة
ويجزم خبير الهيئة بأن تشجيع التجارة المشروعة؛ يؤدي لتقليص التهريب، والاستفادة من العائدات التجارية.. وتعاني البلاد من تَنَامٍ كبير لعمليات التصدير والاستيراد غير المشروعة، ما يفقدها ميزة تنافسية مهمة، وسمعة المنتج، والعائد الذي يمكن أن تتحصله..
ولا يقتصر التصدير في كثيرٍ من البلدان على ما تنتجه؛ حيث تجري عملية إعادة تصنيع لمنتجات دول أخرى وفق المواصفات المُلبية لاحتياجات المستهلك، وقد تميزت دول كثيرة بتصديرها منتجاتٍ سودانية أكثر من دولة المنشأ ذاتها.. ويُعرض “زيت السمسم” السوداني- كما أكد خبير الهيئة- في أمريكا، وأوربا بمسمياتٍ لا تعكس اسم السودان.. يساعد في هذا الأمر تصدير أغلب المنتجات السودانية كمواد خام..
*ثقافة المستهلك
وتبرز الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس كجهة مساعدة في جانب المواصفة السودانية فيما يلي تطوير عملية التصدير الذي يجد اهتماماً أكثر من الوارد كونه يخاطب جمهور مستهلكين يتمتعون بثقافة إستهلاكية أعلى من ثقافة السودانين ما يحتم رفع الوعي الاستهلاكي المعرفي بالمنتجات، وتوفير احتياجات، واشتراطات المستورد ورغبته لضمان التنافس.
وتشدد الهيئة على أهمية ثقافة المستهلك، والوعي، والموجات العامة، والاشتراطات الفنية للمواصفات القياسية للمنتجات كافة وضرورة أن يتعرف عليها المستهلك ليساعد الهيئة في أداء دورها بصورة مُرضية..
وللتصدير فوائد اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وأمنية، فهو مصدر هام للعملات الأجنبية، ومن أهم أركان الموازنة العامة للدولة، ويعمل على تشغيل الناتج الوطني، وتوفير فرص العمل، بجانب تبادل الخبرات، ونقل التقانات الحديثة في هذا المجال..
كما أنه يتيح فرصاً للعمل الجماعي بين أجهزة الدولة ممثلة في الجمارك، وبنك السودان، والتجارة، لتسهيل عملية الاستيراد والتصدير لأصحاب العمل عبر نافذة واحدة.. كما يساعد على التخلص من العزلة الدولية، وإبرام الاتفاقيات الثنائية المتبادلة..
ويتحقق عبره التبادل التجاري، والمصالح العليا، واستراتيجية الدولة، والمحافظة على الملكية الإنتاجية للدولة، والحقوق الأدبية على نحو الصمغ العربي الموزع بين “الهشاب والطلح”.. حيث تقول الملكية الفكرية السودانية: “أن الصمغ العربي من المنتجات التي ينتجها السودان بنسبة 80% عالمياً”.. ويأتي الطلح منتجاً مرافقاً للصمغ في المسمى، والتشابه، والنوعية مع فرق الاستخدام بينهما..
*مشاكل التصدير
وبرزت من خلال إجراءات الهيئة في عمليات التصدير، إشكالات تخص المنتج، والمستهلك، والمُصِّدر، وعملية إعداد الصادر.. وتنظر الهيئة للجهات ذات الصلة من المُصِّدرين، والموردين، كمساندين لها في تحقيق تطور تنموي، واقتصادي للبلاد، وليجد المُنتج، والمُصدّر فرصته التنافسية العالية بين الدول..
أولى الإشكالات التي طرحتها الهيئة من واقع ممارستها العمليات الإجرائية لإعداد التصدير؛ هي أن معظم المصدرين يفتقرون الإلمام باشتراطات ولوائح التصدير؛ فالمصدرين لا ينظرون للاشتراطات الفنية المفترض توافرها في المنتج، ويركزون فقط على جزئية استجلاب العملة الحرة..
يضاف إلى ذلك عدم امتلاك نسخة من مواصفات السلع المراد تصديرها، ورداءة التعبئة والتغليف التي تعتبرها الهيئة مهدداً أساسياً لعمليات التصدير، وأكبرها عوامل هزيمته..
ويتحدث خبير الهيئة عن دولٍ خليجية أوقفت تصدير “مانجو سوداني” معبأ في جوالات، ومصاب بالدودة.. في حين تعمل دول عربية على تغليف منتجات سودانية بصورة جاذبة للمستهلك الخارجي ومتوافقة مع ثقافته، ما يوفر لها مخزونات كبيرة من العملة الحرة..
وتؤكد الهيئة عدم الالتزام، والتقيد بالطرق العلمية والاشتراطات الفنية فيما يلي التقاوى، والزراعة، والحصاد، والتخزين، والترحيل، والتعبئة، والشحن، رغم توافر مواصفات الاشتراطات الفنية المطلوبة في كل هذه المراحل، فضلاً عن تكرار اسم العمل الواحد للشركات، وضعف رأس المال الوطني، والمساعدة في عملية التصدير..
وفي التقدير الشخصي لخبير الهيئة؛ فإن معظم رأس المال العالمي في تصدير الصمغ العربي هو غير سوداني، ويؤكد أن نظام النافذة الواحدة يُسهِّلُ العمليات الإجرائية..
ويضاف لسلسلة الإشكالات، التلاعب بحصائل الصادر، والاعتماد على الطرق والأسواق العالمية التقليدية، ودخول رأس المال الأجنبي لعملية التصدير عبر وكلاء وطنيين بحسب واقع الممارسة الشخصية لخبير الهيئة في الرقابة على التصدير في السودان..

