“نيفين حيدر”.. نوافذ وآفاق وإطلالة

إعداد/ راشد حامد عبدالله
ها أنا معكم.. في نوافذ وآفاق وإطلالة على مشاهد من الحياة.. ورغم المشهد الأخير المتربص بالإنسان في آخر المطاف.. فإن على جنبات الطريق ما يملأ الحياة بالجمال وشيء من الأفراح خلف النوافذ والأبواب.. وفيما يبعث الأمل للنهوض من جديد، والوقوف أمام تحدياتها مهما صعُبت.. إن كنت لا أُحسنُ التعبير؛ لكني أحاول جاهدة تعبيراً صامتاً بريشتي المتواضعة راجية أن تنال القبول والاستحسان”.. توقيع ملون خطته أنامل برعت في الفن المعماري والتشكيل كعنوان بارز لأنثى ولوحة..
*بروفايل

التشكيلية نيفين حيدر الوسيلة محمد أحمد من مواليد ود مدني؛ نشأت بالمملكة العربية السعودية؛ ودرست فيها مراحلها الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية.. شغفها بالرسم والتلوين بدأ منذ مراحل الطفولة، وشكل أفضل هواياتها، وشغل حيزاً كبيراً من حياتها لدرجة ممارسته أثناء الحصص الدراسية؛ حيث تظل كراسة الرسم بشكل دائم تحت “الدرج” ما أثار حفيظة معلماتها تجاه حالة الانشغال المتزايدة بالرسم على حساب الانتباه في الحصص الدراسية..
*بدايات
وجدت مسيرتها الفنية دعماً، ومساندة، وتشجيعاً كبيراً من الأسرة منذ مراحل الطفولة..
تقول نيفين: “بداياتي كانت برسم الشخصيات الكرتونية البسيطة، والقصص القصيرة، وقصص الأطفال، حيث استخدمت ألواناً مختلفة- خشب- أقلام رصاص- شمع- طباشير”. وتضيف: “في المرحلة التالية بدأت باستخدام الفرشاة؛ والألوان المائية، ورسم وجوه من المجلات والصحف”..
ولاقت مادة “التربية الفنية” منها اهتماماً كبيراً، وحرصت على المشاركة بأعمال فنية ويدوية في المسابقات الفنية التي تنظمها المدرسة، ودائماً ما كانت تحقق فيها أعلى الدرجات..
أما المرحلة الجامعية؛ فكانت الوجهة “هندسة العمارة” بجامعة جوبا؛ حيث نالت درجة البكالوريوس بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف وذلك في العام ٢٠٠٨م..
*فن العِمارة
وتصِفُ نيفين العمارة بأنها: “فن” في المقام الأول. يُقالُ: “الفن المعماري” وليس “الهندسة المعمارية”، حيث هنالك علاقة قوية بين الفن المعماري، والفنون التشكيلية.. والعمارة عندها ليست فناً خالصاً، أو فناً يهدف للإمتاع فقط؛ فهي فن تطبيقي وظيفي يبحث ويجمع ويوظف آخر ما توصلت إليه العلوم والفنون المعاصرة..
وترى أن العمل والناتج المعماري في كل زمان ومكان، جاء نتيجة تفاعل وتمازج مجموعة من العلوم والفنون؛ انصهرت معاً لتُنتج فن العمارة..
*التغذية البصرية
تغذية العين بكل ما هو جميل ويوحي للإبداع، تزيد من أفكارنا ابتكاراً وخيالنا تصوراً؛ فالعين تحب الألوان و كل شي جميل في الحياة.. وتظل التغذية البصرية عنصراً أساسياً لأي عمل يتشبع بالفن والجمال ويمتزج بالألوان والحيوية، وبعض الفنانيين والمصممين يفضلون الطبيعة في أعمالهم، والبعض الآخر الخيال، و تختلف بتنوع مجالاتهم..
وفيما بعد المرحلة الجامعية؛ بدأت “نيفين” رحلة التعرف على مفهوم: “التغذية البصرية” بمتابعة مختلف أعمال الفنانيين العالميين؛ تقول: “كل ما أشوف عمل ويشدني، يزداد طموحي أكثر في أن أكون بمستوى أفضل”.. وبدأت رحلة تجريب خامات مختلفة بتقنيات، وأساليب، وأفكار مختلفة؛ من بينها الرسم على القماش بالألوان الزيتية في العام ٢٠٠٨م..
*بِضْعة مني
تعتبر “نيفين” لوحاتها بضعة منها، ومن كل إنسان، لوحات تُطل على نوافذ من الحياة، متنوعة ومختلفة بقدر التنوع الموجود في الحياة.. ودائماً ما تترك الباب مُشرعاً للمتلقي؛ فله حرية الملاحظة والاستدلال والغوص في فضاء اللوحة الواسع بقدر سعة النفوس..
*شكر وتقدير
وشكرت “نيفين” إدارة مطبعة الجزيرة، وكل العاملين لإنجاح وتنظيم المعرض التشكيلي، وخصّت بالشكر مديرها العام(ود عبدالنبي) على البادرة الطيبة، وما يوليه من اهتمام بالفنون التشكيلية والنهوض بروح الفنان التشكيلي لما هو أسمى في ظل كثيرٍ من الظروف التي ما زالت تجعل الجمهور بعيداً عن تلقي الفن التشكيلي..
**الشق النسائي

وراهن التشكيلي نادر مصطفى أبوبكر غداة قصه شريط افتتاح المعرض، على الثقافة والفنون في إحداث الأثر، والإسهام في تغيير المجتمع..
وأبدى سعادته بتحويل المطبعة الحكومية إلى مركز إشعاع ثقافي مؤثر يلعب دوراً في تطوير المجتمع؛ عوضاً عن الاقتصار على جزئية معينة..
يقول: “سمعنا بافتتاح معارض كثيرة، وهذا فيما يبدو عمل مبرمج ومرتب، وخطوة مفرحة ومشجعة في بلدٍ تنقصه قاعات للعرض، حيث ظلت معاناة الفنانين التشكيليين مع صالات العرض تراوح مكانها لزمن ليس بالقصير..
وعدّها واحدة من الأسباب التي جعلت الولاية الغنية بالمواهب، لا تبدي زينتها على النحو المأمول الذي يبرز هذا الثراء، والاحتياطات الفنية الكبيرة..
ورأى ضرورة كبيرة في التركيز على الشق النسائي، وأبدى سعادته بافتتاح معرض لفنانة تشكيلية، وقال: “هذا دور المرأة لأن الفن التشكيلي أو إعادة تشكيل الأشياء أو إعادة صياغة الموجودات بشكل جمالي أمر فيه رِقة ويشبه بناتنا السودانيات الكنداكات في الحروب، وفنانات في الإبداع وفي تطوير المجتمع، وألمح إلى إمكانية أن يكون بداية لفنانات كبار..
** توازن اللوحات

التشكيلي د. حامد صبار الذي زار المعرض اعتبر أن “نيفين” أظهرت ملامح تشكيلية واضحة في معرضها التشكيلي.. وبحكم أنها مهندسة معمارية رأى أنه لم يفت عليها التوازن والبناء التصميمي داخل إطار اللوحة.. كما يرى أن لديها تكنيكاً وتجربة أو أسلوباً باستخدام المواد والأدوات لتوضيح الألوان على اللوحة بطريقة وصفها صبّار بالناجحة جداً..
ويضيف: توازن اللوحات يخلو من أي خلل تصميمي؛ فهي وفق إشارته شخصية معمارية بارعة بحكم الزمالة التي جمعتهما في كلية الهندسة والعمارة. كما أن لديها لوحات مميزة جداً من حيث اللون والشكل والمساحة والموضوع، حيث طوّفت وحاولت التوثيق من التراث الشعبي بمفاتيح ومداخل مقروءة عن التراث والفلكور الشعبي السوداني.
أما في مجال التشكيل والتلوين، وعلاقات الألوان، فهنالك حاجة في نظره لمجهود منها، فتراكيب الألوان في مجموعة من اللوحات تحتاج معالجاتٍ، وتوازناً لونياً نوعاً ما، واصفاً معرضها بالناجح.
ويضم المعرض في نظره لوحات مميزة تصلح لأن تكون قطعاً أساسية يمكن المشاركة بها في منافسات دولية لتوضيح أن هذا العمل هو سوداني وذلك عبر المضمون، والموضوع التراثي والثقافي المحلي..
وهذا كما ذكر يفتح مجالاً لعالمية الفنان، كما يؤرخ ويوثق تراثه وحضارته، وثقافته تكون هي مفاتيح للعالمية، وتوضيح للثقافة المحلية للمستقبل الآخر للعمل التشكيلي..
نيفين كما يقول صبّار: “عملها مقروء واضح، وفيه تفكير عالٍ، وتنظيم لنسق وإيقاعات موسيقية تحسها في العمل..
**أخيراً
يظل الفن كما يرى- ستيفن جامبارديلا- أمراً مهماً لأنه جزء من القصة التي نرويها عن أنفسنا. وفي اعتقاد الروائي البريطاني فيليب بولمان ينبغي أن نعي تماما أنه بدون القصص والقصائد والفنون والموسيقى سيتضور الأطفال جوعاً. ولكي نصل إلى تحديد دقيق للفن كما يذكر ليو تولستوي، يجب علينا أولا أن نكف عن النظر إليه بصفته وسيلة للمتعة، وأن ننظر إليه باعتباره شرطاً من شروط الحياة الإنسانية. إن هذه الرؤية للفن ستجعلنا ندرك أن الفن هو إحدى وسائل الاتصال بين الناس..




