السقوط الوشيك
مجدي ميرغني النضيف
سريعاً ما ظهر للعيان كذبُ إدعاء التصحيح إثر الاستخدام المفرط للقوة من قبل المسلحين تجاه الثوار، فتساقط القتلى كل يوم يدلل على التشبث بالسلطة وعدم التنازل عنها لأي جهة أخرى سواءً شركاء الأمس من الحرية والتغيير، أو آخرين من المكون العسكري.
شباب في مقتبل العمر يقدمون أرواحهم في سبيل التحول الديمقراطي وتكوين حكومة مدنية، ذات المطالب التي تشكلت أثناء الحراك الثوري في العام ٢٠١٨م وتوجت بإسقاط نظام البشير الشمولي الذي ترنح في أيامه الأخيرة وبطش ببنات وأبناء السودان وتساقط الشهداء والجرحى في سبيل قضيتهم.
نفس السيناريو يتكرر الان استخدام الرصاص الحي تجاه المواطنين العزل من أجل التشبث بالحكم.
يعلم الجميع أنه ليس من حق القوات النظامية في الدولة استخدام القوة المفرطة تجاه المواطنين إلا في حالات محددة، فالقوات النظامية لا يمكن أن تستعمل القوة إلا استثنائياً وبشرط احترام مبدأين اثنين: الضرورة القصوى ومبدأ التناسبية.
هل استعمال القوة ضد المتظاهرين كان أمراً ضرورياً؟ وهل تحقق احترم مبدأ النسبية؟ هل يستدعي الرشق بالحجارة أو الهتاف ضد رأس الدولة أو قفل الشوارع الرد بالقنابل المسيلة للدموع والضرب بالرصاص؟
لا يجوز استعمال الأسلحة النارية إلا “عندما يبدي الشخص المشتبه به في ارتكابه جرماً، مقاومة مسلحة أو يعرض حياة الآخرين للخطر بطريقة أو بأخرى وتكون التدابير الأقل تطرفاً غير كافية لكبح المشتبه به أو إلقاء القبض عليه وفي هذه الحالة يتطلب الأمر توجيهها مكتوب أو إذناً خطياً من وكيل النائب العام المرافق للقوة المسلحة..
ومن البديهي أن كل فرد نظامي يتحصل على سلاح وذخيرة عبر تصريح خاص موضح فيه نوع السلاح وعدد الذخيرة التي يتم إرجاعها عند الانتهاء من المهمة وحساب عددها وتوضيح أين ومتى تم استخدامها قبل إيداع المتبقي المخزن.
منذ بداية الحراك استلهم الثوار الحراك السلمي عاملاً أساساً لانتصارهم، وأثبتت التجارب جدوى الثورة السلمية التي يتم التعبير عنها عبر اللافتات والهتافات والأهازيج الثورية؛ فلماذا استخدام العنف تجاه الثوار وكل المواثيق والقوانين الدولية تعطي الاحتفاظ بالحياة الأولوية في حقوق الإنسان؟ كما تحرم كل الأديان السماوية القتل والحرمان من الحياة.
الاستخدام الغير مبرر والعنيف للقوة يوضح بجلاء ترنح الحكومة وسقوطها الوشيك أمام حركة الرفض الواسعة من كل القوى السياسية والمواطنيين العاديين من عامة الشعب بعد أن اتضح لهم كذب إدعاءات التصحيح بعدم توفير أبسط مقومات الحياة، والارتفاع الجنوني في تكاليف المعيشة.
إذاً من الذي يقتل الثوار؟ قد لا نجد رداً واضحاً على هذا السؤال المباشر؛ فإلى الآن لم يتم تقديم جناة للمحاكمة، ولكن ضمنياً فإن السلاح بيد القوات العسكرية النظامية وشبه النظامية (الحركات الموقعة)، وإن كان خارج هذه الدائرة فمسؤولية السلطة الحاكمة تحتم منع أي جهة غير نظامية من ارتداء الزي العسكري وحمل السلاح، وتتعدى ذلك لمسؤليتها المباشرة عن أرواح المواطنيين وأمنهم وامانهم.
تحرك بعض وكلاء النيابة وتقديمهم مذكرة تندد بالقتل، وتنظيمهم وقفاتٍ احتجاجية أتبعها المتقاعدون من ضباط الجيش ببيان يطالب بوقف القتل، وتصريحات ضابط عظيم بسلاح المدرعات يوجه بعدم الاحتكاك بالمواطنيين،ونشوء نظرية الطرف الثالث في عمليات القتل، بجانب الإصرار على مجابهة الثوار بالمزيد من العنف، كلها مؤشرات تدلل على ترنح السلطة الحاكمة وقرب السقوط الداوي.