ابن منظور السوداني !!
أ.د/ علي بلدو
تمثل القواميس والمعاجم رافداً أساسياً معيناً لكل من أراد معرفة لغة من اللغات، و كما تتميز بصعوبة إنتاجها وجمعها حتى قيل أن كل من يؤلف كتاباً يتمنى الحصول على الإعجاب، والثناء بعده، أما من يُخرج قاموساً فحسبه أن يتعرض لأعلى درجات النقد والامتعاض مما ذهب إليه في معجمه..
والطبيب السوداني يجد نفسه اليوم محاطاً بكثير من اللغات واللهجات في أثناء عمله، حيث تمثل المستشفيات، والعمل في أماكن مختلفة من السودان الذي (فضّل) الكثير من الإندماج والتعامل المباشر مع تللك المفردات، والكلمات التي يتطلب الإلمام بها قدراً عالياً من معرفة الثقافة المحلية، وطبيعة عيش الناس، والطرق المختلفة للتعبير اللفظي عندهم..
هذا إن أخذنا في الاعتبار انحدار مستوى الثقافة، والاستنارة عموماً في الأجيال الحالية والتي التقى جيل البطولات فيها بجيل التضحيات حتى أنتج أفراداً لا يعلمون متى استقل السودان (هو فعلا استقل)؟؟ ولا يعلمون عن عثمان دقنة إلا مقدار علمهم عن النانوتكنولوجي، و ما خفي كان أعظم.
لذا تجد طبيب اليوم من أصحاب (المصارين البيضاء) التي تسر الناظرين، والطبيبات الفاقع لونهن اللائي لمن (يقشن) الأرض ولم (يسقن) الزرع، تجدهم وهم فاغري أفواههم عندما يسمعون شكوى إحدى الخالات والتي قدمت من (الضهاري) للعاصمة طلباً للعلاج و هي تقول:
والله يا ولدي عندى وجع في (نافوخي) وعيوني (مطششة) و(خشمي جردقة) و(استلهابات في جسمي كلو) و(شحة) في صدري) والليل كلو (عيني لاجة) والنهار كلو الوجع مخليني (أزوزي) وكرعيني (ينتحو) و(بطني) ماشة، و(راسي يقول دل دل) وغيرها.. وهنا لا يجد من يعجز عن تفسير تلك المفردات المحلية إلا أن يطلب المساعدة من (أهل الذكر؛ لو لاقاهم طبعاً) أو أن يجتهد في معرفة أقرب المعاني وفي هذا خطورة في التشخيص الخاطئ وبالتالي الأخطاء الطبية والتي قد تؤدي بالمريض أو المريضة (في خبر كان)..!!
و كما قد يندهش الطبيب من جيل (الجلاكسي) عندما يصرخ في وجهه أحد الأعمام وهو يقول: (النار باقة في جتتي، وعندي فاق ودايماً حاسي بغنطسة وزي التقول بطني متوربة، أو كما قال) وكلها من لسان المرضى في السودان.
ومن هنا تنبع أهمية طب المجتمع والإقامة الريفية لطلاب الطب في مختلف البقاع للتعرف عن قرب على تلك الاتجاهات اللغوية والتعامل معها بحرفية مستقبلاً، كذلك إعطاء الأسئلة للمريض والمرافق بلغة مبسطة وسهلة الفهم حسب الواقع والظروف المحيطة بكل حالة على حدا.
ولاينطبق هذا القول على المرافق المريض فقط، بل يمتد ليشمل الأطباء أنفسهم عند الحديث في أوقات الراحة إن وجدت والتي تشمل الكثير من المصطلحات العلمية المعتمدة والتي تم تعريبها وسودنتها والتي قد تثير استغراب الشخص العادي، ويظن بالأطباء والطبيبات الظنونا، ومنها ما يحضرني عندما كان بعض الأطباء يتاولون في الاستراحة حالة أحد المرضى الذين توفاهم الله بعد إحدى العمليات الجراحية (الضاربة) حيث قال أحدهم:
أمبارح الـ(بيشنت) (باصا) بعد ما (كتس) بينا لأنو فلان داك (هبلس)… (11)..
فما كان من أحد المرافقين إلا أن علق بعفوية (أنا ما قلت ليكم الدكاترة ديل جنووا عديييل وبقوا ينضموا كتر1)..
ونتمنى للجميع حياة طيبة، وإن شاء الله ما فيها (انكرابات) ولا (اندرابات) وأن لا (تنشل) الأجسام فيها من العرق.. ولا تقول الأعضاء (تح تح) من التعب، وأن لا تكون فيها (وردة) باليل من الحمى، ولا (فرة) بالنهار من الألم، وأن تكون السخانة في الجيوب فقط ولا تمتد لتشمل الأجساد والتي تكفلت شمسنا والتى أصبحت شمسين وثلاث وأربع، تكفلت بإنضاجها وعمل (ساونا) مجانية لها فكنا كصلاح:
حرقتني بالحرارات الشموس
و شوتني كقرابين
على نار المجوس
فإنها منها
مثل عود الأبنوس!!