محنة المعرفة (4)
أ. د. عبدالله محمد الأمين
أزمة المعرفة الإسلامية :
_التصور الإسلامي يقوم على :
1_التوحيد هو الدعامة الأساسية للتصور الإسلامي.
2_الانسان والكون مخلوقان لله.
3_الانسان مكلف ومسئول عن أعماله ومحاسب عليها في اليوم الآخر وعلى هذا فالوجود ليس محصورا في عالم الشهادة وإنما هنالك عالم غيب.
_ الأزمة هي أزمة في فكر الأمة ظهرت واضحة وجلية في علم الكلام والعلوم الفقهية بسبب التعصب للمذهب وكذلك في انحراف قطاع كبير من علماء التصوف الذين دعوا للعزلة والانصراف للقضايا الفردية واهمال قضايا المجتمع بدعوى عدم الانغماس في دنيا الناس مما أدى إلى شلل قطاع عريض من أبناء الأمة.
_ جوهر الأزمة تبلور في نظام التعليم الإسلامي حيث انكفأت جماعة من الأمة على التراث دون تطوير واجتهاد واهملوا علوم الطبيعة مما أدى إلى الأعراض عن عمارة الكون، أما باقي الأمة فقد رأى في المشروع التغريبي حلولا لمشكلات الأمة فتبنوه بحذافيره على الرغم من أنه وليد ظروف تاريخية تخص الفكر الغربي، وهذه الظروف لا تنطبق على الدين الإسلامي ولا العقل المسلم. ومصدر الخلل في كلا المنظومتين أن الممارسة العملية أدت إلى عدم تكامل المصادر المعرفية في كلا النموذجين.
_هناك إجماع بين المهتمين بإصلاح العلوم واعادة صياغتها وفق التصور الإسلامي على ثلاثة أمور :
1_مناهج العلوم الحديثة ونظرياتها ومسلماتها الأساسية التي تقوم عليها تتضمن كثيرا مما يتعارض ويتناقض مع التصور الإسلامي للإنسان والمجتمع والوجود.
2_ترتب على هذا القصور والاختلال المعرفي عجز تلك العلوم عن التوصل إلى تفسيرات مرضية للسلوك الفردي أو الظواهر الاجتماعية.
3_ان هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في تلك المناهج والنظريات والمسلمات بطريقة جذرية في ضوء التصور الإسلامي.
معالجة اشكالية العلوم وفق التصور الإسلامي تتمثل في الآتي:
1_الظواهر الإنسانية ليست في حقيقتها وواقعها مظاهر حسية وغياب هذا الإدراك الواعي جعل المنهجية الوضعية تقدس الطريقة التجريبية كأسلوب وحيد للمعرفة. والمذهبية الإسلامية تقرر أن الحقيقة العلمية ليست حكرا على التجربة وأن الوجود الواقعي ليس حكرا على الوجود المادي. كذلك ليس من الضروري أن نتحدث عن شكل واحد من أشكال العلمية.
2_الوجود لا ينحصر في العالم المشاهد وحده وانما هنالك وجود عالم غيبي تخرج معرفته عن نطاق الحواس، ولمعرفة ذلك العالم لابد من اعتماد الوحي مصدرا معرفيا إذ أن المعلومات التي يمدنا بها الوحي معلومات يقينية وقطعية، والمصادر الأخرى مهما كانت أهميتها فهي ليست مصادر يقينية ولا يمكن أن تقدم لنا إجابات واضحة ودقيقة للتساؤلات المطروحة.
3_الوحي المطلوب اضافته مصدرا معرفيا هو الوحي الاسلامي المرتكز إلى عقيدة التوحيد وذلك حتى تتمايز الفواصل بين عالم التنزيه وعالم الخلق وتتمايز تبعا لذلك الحدود بين المعرفة الإلهية والمعرفة الإنسانية.
4_لابد من التكامل بين المصادر المعرفية ووسائلها وبين عالمي الغيب والشهادة وإن وجود أي تعارض أو تناقض لابد أن يكون عجزا في الأداة.
ختاماً:
إن جوهر الإشكالية في النموذجين العلماني والإسلامي ينبع من المنهجية في المقام الأول حيث إن التقدم في أي جانب هو رهين بتحقيق التقدم في مسألة المنهج ومن هنا ظهرت دعوى اسلامية المعرفة باعتبارها قضية منهجية تقوم على اكتشاف العلاقة المنهجية بين الوحي والكون وهي علاقة تداخل وتكامل تكشف عن استيعاب منهجية القرآن الكريم وسننه وقوانين حركته. وتتلخص محاور إسلامية المعرفة في:
1_بناء النظام المعرفي الإسلامي من حيث تفعيل العقيدة الاسلامية للإجابة على التساؤلات النهائية أو الكلية وكشف النماذج المعرفية التي سادت في تاريخ الإسلام بغرض تقويم التراث الفكري وتبيين معالم النموذج المعرفي التراثي.
2_بناء المنهجية المعرفية القرآنية.
3_بناء منهج للتعامل مع القرآن الكريم باعتباره مصدراً معرفيا للعلوم الاجتماعية والطبيعية.
4_بناء منهج للتعامل مع السنة النبوية باعتبارها المصدر الثاني بعد القرآن الكريم.
5_قراءة التراث الاسلامي قراءة سليمة وذلك بتمحيصه وغربلته وترك الأوجه المغلوطة في التعامل معه.
6_التعامل مع التراث الغربي بأخذ ما يوافق العقيدة الاسلامية وبحيث لا يحدث الانكفاء على الذات أو الركون اليه بسبب الضعف والهوان.
الخلاصة:
خلاصة القول هي أن الازمة المعرفية نشأت بسبب مصادر المعرفة. وأن المهمة التي ينبغي أن يقوم بها العلماء المسلمين لتصحيح الوضع تتمثل في التوصل إلى صيغة منهجية ملائمة يمكن بها الجمع بين معطيات الوحي ومعطيات الحس والعقل في وحدة وتكامل وانسجام.
ودمدني 26/1/2022