رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان.. الواقع والمآلات

0 212

د. الزين عبدالله يوسف أحمد

في عام 1997م؛ أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات اقتصادية على السودان بحجة أنها وسيلة ضغط على الحكومة السودانية لإجبارها على الاستجابة لبعض المطالب. كيف أثرت تلك العقوبات على السودان؟ وماذا يمكن أن يستشرف من رفعها الآن (2017م) وكيف يمكن الاستفادة من رفعها؟ وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة هنالك بعض الحقائق التي ينبغي الإشارة إليها.

أولاً: أن السودان غني بالموارد الطبيعية من أراضٍ خصبة للزراعة، وثروة حيوانية، ومعادن، وبترول، وغاز، بالإضافة إلى الموارد البشرية الشابة. والشاهد أنه على الرغم من تلك الموارد الاقتصادية؛ إلا أن عدم استغلالها البتة، أو استغلالها غير الأمثل لم يُمكِّن من إنعكاسها على التنمية الاقتصادية، والاجتماعية بشكل عام خاصة من حيث رفاهية المواطن.

ثانياً: أن السودان ليس له شراكة تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية لا قبل العقوبات ولا بعدها؛ حيث كانت نسبة وارداته من أمريكا لا تتعدى 10% من جملة الواردات في المتوسط، ولم تكن صادراته إليها تتعدى 4.5% في المتوسط من جملة الصادرات في الفترة من بداية الثمانينيات وحتى بداية فرض العقوبات، ولكن ما ينبغي ملاحظته أن واردات السودان من أمريكا؛ هي واردات نوعية كالمعدات الطبية، والمواد الصيدلانية؛ في حين أن السودان لا يُصدِّر للولايات المتحدة الأمريكية غير الصمغ العربي، ورغم تلك العقوبات إلا أن التبادل التجاري بين السودان والولايات المتحدة ظل قائماً ولكن في حدود ضيقة جداً.

ثالثاً: أن السودان لحقت به أضرار عديدة نتيجة لتلك العقوبات منها:

أ. تم عزل السودان من النظام المصرفي الدولي؛ وكان ذلك بمثابة حالة اختناق للنشاط الاقتصادي خاصة فيما يتعلق بحركة رؤوس الأموال للداخل، فالمعروف أن الدول النامية بصفة عامة تحتاج لتدفقات رؤوس الأموال لتنشيط الاستثمار وبالتالي استغلال الموارد، والواقع أن تدفقات رؤوس الأموال التي تقلصت بسبب العقوبات الاقتصادية شملت أموال الاستثمار المباشر وغير المباشر.

ب. حرمان  السودان من استغلال ميزته النسبية في الإنتاج الزراعي وذلك لارتفاع تكاليف الإنتاج نسبة لاعتماد السودان على المقومات الزراعية المستوردة (في ظل ندرة في الصرف الأجنبي المطلوب)؛ بالإضافة إلى حرمانه من الحصول على التقنيات الزراعية المتطورة التي تساعد على التحول المطلوب للقطاع الزراعي من حيث تعظيم الإنتاجية، والتغلب على سمة الذبذبات الموسمية في الإنتاج.

ج. ارتفاع فاتورة الواردات من الاحتياجات الأساسية وذلك نسبة للجوء إلى الوسطاء الماليين لتسهيل حركة التدفقات المالية المطلوبة للخارج؛ وذلك أدى بدوره لتفاقم العجز في ميزان المدفوعات. وفي ظل صادرات السودان من الموارد الأولية وقلة قيمتها بالصرف الأجنبي، انخفضت قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية مما أدى إلى ظاهرة ما يعرف بالتضخم الراكض (Galloping Inflation)؛  أي المتصاعد بسرعة.

د. تحول السودان إلى دولة مثقلة بالديون نتيجة الحاجة الماسة لتمويل مشروعات التنمية وذلك في ظل ارتفاع المخاطر القطرية، وأدى ذلك بدوره إلى ارتفاع فوائد الديون وخدمتها. بالإضافة إلى ذلك حرمت العقوبات الاقتصادية السودان من التمتع بمبادرة إعفاء ديون الدول الفقيرة المثقلة بتلك الديون (Highly- Indebted Poor Countries) ولذلك لا يزال السودان يواجه عبئاً ثقيلاً من خدمة تلك الديون.

هـ. حرمان السودان من التقنيات الحديثة عالية الدقة في استكشاف وصناعة النفط، والغاز، والمعادن، مما حدا به إلى السماح بالتعدين الأهلي العشوائي، وتهريب المعادن وتصديرها في شكل خام خاصة معدن الذهب.

و. حرمان السودان من تعدد خيارات الشركات العالمية للتنافس في الفرص الاستثمارية المتوفرة؛ وبالتالي الاعتماد على شركات ربما لا تملك القدرات والكفاءات المطلوبة لتنفيذ المشروعات بناءً على ما هو متعارف عليه من المواصفات العالمية، وخير مثال لذلك الاعتماد على الشركات الآسيوية في غالب الأحيان.  

ز. حرمان السودان من الدعم والمنح التي تقدمها الهيئات والمنظمات العالمية (حكومية وغير حكومية) أدى ذلك بدوره إلى تدهور قطاعي الصحة والتعليم نسبة لاحتياج هذين القطاعين لميزانية عالية؛ وعليه فقد ارتفعت تكلفة خدمات هذين القطاعين ليؤثر ذلك تأثيراً مباشراً على قطاعات الفقراء الذين يشكلون غالبية السكان؛ أي يمكن القول أن الحرمان من المنح والدعم الخارجي قد أدى لإبطاء التنمية البشرية في السودان.

ي. كل ما ذكر أعلاه أدى إلى ارتفاع متسارع في تكاليف المعيشة أدى بدوره إلى اضمحلال الدخول الحقيقية للمواطنين خاصة في الفترة بعد انفصال جنوب السودان وفقدان ميزانية الدولة لأكثر من 70% من إيراداتها التي كان يشكلها  النفط. وعليه فقد قاد ذلك إلى تضاؤل الطبقة الوسطى من السكان والتي ينبغي أن تشكل السواد الأعظم حتى يتسنى الحفاظ على تماسك المجتمع، وهويته، ومنظومته القيمية.

الآن وقد تم رفع العقوبات؛ ماذا نستشرف؟ الإجابة عن هذا السؤال: ينبغي التأكيد على أن رفع العقوبات شرط ضروري نحو تحسن أداء الاقتصاد؛ وربما إحداث تحول هيكلي على مستوى كبير، ولكن بكل تأكيد ليس شرطاً كافياً لإحداث التحول المتوقع. إن الشرط الكافي (الأساس) للاستفادة من رفع العقوبات هو الجدية والإخلاص من قبل السلطات الحكومية في اتخاذ الإجراءات اللازمة من خطط، وبرامج، وسياسات في ضوء الآثار الناجمة عن فرض العقوبات ووفقاً لأولويات موضوعية؛ ومن خلال الاستغلال الأمثل للموارد التي يتمتع بها السودان. عليه يمكن وضع إطار لتلك الإجراءات كالآتي:

1. وضع برنامج تركيز اقتصادي طارئ وذلك لكبح جماح التدهور الحادث في الاقتصاد كارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، وترهل الطبقة المتطفلة من الوسطاء، والسماسرة، وتجار العملة في السوق غير الرسمية.

2. وضع برنامج لإصلاح الزراعة في الجزيرة خاصة، وفي السودان بصفة عامة، وينبغي لهذا البرنامج أن يكون متكاملاً وشاملاً من حيث:  

أ. استخدام التقنيات الزراعية المتطورة والمستندة على البحوث والتجارب العلمية.

ب. توطين صناعة المدخلات الزراعية الاستهلاكية كالمخصبات، والمبيدات الحشرية، والتقاوى الزراعية المحسنة، وذلك لتخفيض تكاليف الإنتاج والسيطرة على نوعيات من تلك المدخلات تساعد على توفير منتج زراعي قادر على كسب ثقة المستهلك داخلياً وخارجياً.

ج. توطين الصناعة التحويلية الزراعية وذلك للاستفادة من سلسلة القيمة المضافة.

د. سن تشريعات وقوانين تأخذ في الحسبان الأهمية الإستراتيجية للزراعة وصناعتها.

هـ. توجيه المؤسسات المصرفية لتوجيه الائتمان المصرفي للقطاع الزراعي وفقاً لسياسات تشجيعية.

و. الاهتمام بالاستثمار البشري لقطاع العاملين في الزراعة من خلال تحسين خدمات الصحة، والتعليم، والتدريب، والإرشاد المقدمة له.

3. مراجعة قوانين الاستثمار ومناهج العمل في المؤسسات الحكومية ذات الصلة وذلك لجذب المؤسسات العالمية للاستثمار في القطاعات الحيوية كالزراعة، والتعدين، والطاقة، والطرق، والبناء.

4. إصلاح الجهاز المصرفي ليتواءم مع التطورات الحادثة في المصرفية العالمية من حيث التشريعات، والأنظمة والتقنيات، والأطر العاملة.

5. وضع برنامج للتحول من النشاط العشوائي لتعدين الذهب إلى نشاط رسمي يكفل للدولة السيطرة الكاملة على هذا المنتج الإستراتيجي.

6. تنفيذ خطة متكاملة لتطوير سوق الخرطوم للأوراق المالية وذلك لحشد الموارد المالية اللازمة للتوسع في الاستثمار.

7. وضع خطة لجعل الخرطوم سوقاً عالمية للسلع الإستراتيجية (الذهب، السمسم، القطن، الصمغ العربي).

8. إنشاء وحدة اقتصادية تابعة لمكتب رئاسة الوزراء يناط بها متابعة تنفيذ البرامج، والخطط الإصلاحية، والهيئات الحكومية دون تعارض وتجاذب.

وعليه فإن الاستفادة من رفع العقوبات الاقتصادية يتوقف على جدية المؤسسات الحكومية في اتخاذ الإجراءات المناسبة وفق المعطيات الحالية للاقتصاد السوداني، ومن ثم الإخلاص في إنزال الإجراءات المناسبة منزلة التنفيذ على أرض الواقع.

مركز بحوث ودراسات التمويل الأصغر

قسم الاقتصاد

كلية الاقتصاد والتنمية الريفية

Leave A Reply

Your email address will not be published.