مدخل لتزكية النفس
د.الهادي ابراهيم مسكين
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
حرص الإسلام بتعاليمه وشرائعه على تنظيم علاقة الناس بربهم تبارك وتعالى، حتى ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة، وفي الوقت ذاته شرع لهم ما ينظم علاقتهم بعضهم ببعض؛ حتى تسود الألفة والمحبة في المجتمع، ولا يتحقق ذلك إلا إذا حرص كل فرد من أفراده على مصلحة غيره حرصه على مصلحته الشخصية، وبذلك ينشأ المجتمع قويّ الروابط ومتين الأساس .
وهذا بمثابة مدخل رئيسي لتزكية أنفسنا، فتزكية النفس تتطلب سمواً في التعامل، ورفعة في الأخلاق مع الغير، انطلاقاً من رغبتها في أن تُعامل بالمثل، وهذا يحتّم على صاحبها أن يصبر على أذى الناس، ويتغاضى عن هفواتهم ، ويعفو عمن أساء إليه. وان لا يألو جهداً في تقديم صنائع المعروف للآخرين، ببشاشةِ وجه، وسعة قلب، وسلامة صدر .
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أسوة في حب الخير للغير، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يدّخر جهداً في نصح الآخرين، وإرشادهم إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة.
وإذا تأملنا الحديث، لوجدنا أن تحقيق هذا الكمال الإيماني في النفس، فالعمل على تطهير النفس من أخلاقها غير الحميدة التي ذكرنا بعضها كالرياء والعجب والشح والبخل والحرص والطمع.. وتحليتها بالأخلاق الحميدة الفاضلة مثل: الإخلاص، الإنابة، والخوف من الله والشكر والتواضع، وأولها حب الخير للناس وكبح جماح النفس في إيذاء الآخرين.
إنَّ أهم ما ينبغي للناس أن يتعاهدوه تزكية نفوسهم. ولعل من مقتضيات هذا الحديث، أن يبغض المسلم لأخيه ما يبغضه لنفسه، وهذا يقوده إلى ترك جملة من الصفات الذميمة، كالحسد والحقد، والبغض للآخرين، والأنانية والجشع، وغيرها من الصفات الذميمة التي يكره أن يعامله الناس بها .
فإن من ثمرات العمل بهذا الحديث العظيم أن ينشأ في الأمة مجتمع فاضل، ينعم أفراده فيه بأواصر المحبة، وترتبط لبناته حتى تغدو قوية متماسكة، كالجسد الواحد القوي الذي لا تقهره الحوادث، ولا تغلبه النوائب، فتتحقق السعادة، وهذا هو غاية ما نتمنى أن نراه على أرض الواقع، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. .