البعد التنموي الغائب
د. صفية إبراهيم محمد
ظل الإنسان ولعقود طويلة يعتقد أن تطوره وارتقاء حياته مرهون فقط بالأمور المادية- تراكم الأموال والثروات- أدت به هذه النظرة إلى أن يغتر بما حققه فأصبحت عقيدته أنه يمكن النمو بلا حدود، وأن فهمه المادي لرأس المال هو سر هذا الوجود.
ليس هناك تنمية بلا حدود وإنما هناك إمكانية لتنمية مستدامة تشترط التوظيف الكلي للإنسان (نفسه- عقله- فكره- روحه وبدنه وأن يحترم الآخرينالإنسان وسائر المكونات البيئية من حوله).
لعل هذه النظرة الشمولية للتنمية من جانب وضرورة استدامتها من جانب آخر فرضت على الإنسان أن يعدل من فهمه لمتطلباتها، فبجانب رأس المال المادي الذي يندرج في إطاره كل من رأس المال المادي (الطبيعي، المالي والإنتاجي) ورأس المال البشري الذي يشمل كل المهارات الفنية والتكنولوجية والشهادات والدرجات العلمية وكل مقدرة تمكن الأفراد، من خلال استخدامها وتطويرها، من تحقيق مكاسب مادية أو أدبية..
ويوجد هنالك بعد ثالث لا يقل أهمية عن غيره، إلا أنه ظل غائباً باعتبار أنه أقل تجسداً، وأكثر غموضاً وهو رأس المال الاجتماعي الذي لا يوجد في الأفراد ولا في الواقع المادي، وإنما في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، فهو مجموعة من العلاقات والروابط الاجتماعية التي يكونها وينضم إليها مجموعة من الأفراد في إطار بناء اجتماعي ولخدمة أهداف مشتركة.
يتمثل رأس المال الاجتماعي في أداء المجتمع الأهلي، طبيعة الروابط الأسرية، مدى التمسك بالقيم الاجتماعية، درجة متانة النسيج الاجتماعي، تنوع البنى الاجتماعية وما يشبهها من عوامل. ويعد تراكم هذا الصنف من رأس المال مفتاحاً لنمط جديد من التنمية هي الأكثر إنسانية واستدامة في نفس الوقت.
وعليه فإن الوقوف على واقع التنمية بسوداننا يستوجب البدء بتشريح الواقع الاجتماعي وذلك بغرض التأكد من مدى استعداد مكوناته (النظم، العلاقات، القيم والعمليات) للدفع بعملية التنمية، والحاجة الآن ماسة لمثل هذه الجهود خاصة وأن النسيج الاجتماعي أصبح عرضة لآثار الحداثة وما بعدها.