عسجد إبراهيم
ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻷﺏ ﻭﺍﻷﻡّ ﻭﻗﻴﺎﻣﻬﻤﺎ ﺑﺎﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟَّﺬﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻄَّﺒﻴﻌﻲ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻣﺎ ﺑﻪ، ﺃﻻ ﻭﻫﻮ ﺗﻨﺸﺌﺔ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ ﻭﺗﺮﺑﻴﺘﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺤﻤﻴﺪﺓ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ، ﻭﻟﻜﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻷﺏ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺸﻜﻞ ﺩﺍﺋﻢ، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻇﺮﻭﻑ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﺳﻮﺍﺀً ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﺁﺧﺮ، ﺇﺫ ﻧﺠﺪ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻷﺏ ﺍﻟﻤﻐﺘﺮﺏ ﻋﻦ ﺃﺳﺮﺗﻪ ﻓﺘﺮﺓً ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﻳﺸﻜّﻞ ﻋﺒﺌﺎً ﺛﻘﻴﻼً ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻡّ ﻓﻲ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ .
ﻭﺗﺤﺘّﻢ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺍﻟﻈّﺮﻭﻑ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻙ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻤﻐﺘﺮﺑﻴﻦ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴّﺔ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ ﻟﻸﻡّ، ﺍﻟَّﺘﻲ ﻳﺘﻌﺎﻇﻢ ﺩﻭﺭﻫﺎ ﻓﻲ ﻇﻞّ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻷﺏ، ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺍﻟﻤﺮﺑّﻲ ﻭﺍﻟﻤﺮﺷﺪ ﺍﻟّﺬﻱ ﻳﻔﺮﺽ ﺳﻴﻄﺮﺗﻪ ﺍﻟﺘﺎﻣّﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ، ﻭﺑﻤﺸﺎﺭﻛﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺏ ﻋﻦ ﺑﻌﺪ، ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ، ﻳﻨﻄﻠﻖ ﺍﻟﺴّﺆﺍﻝ: ﻫﻞ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻷﻣّﻬﺎﺕ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻷﺳﻄﻮﻝ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﺧﺎﺭﺟﻪ؟ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ ﻭﺭﻋﺎﻳﺘﻬﻢ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴّﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻭﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﺑﻮﻳﻦ، ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﺎﻭﻧﻬﻤﺎ ﻣﻌﺎً، ﻓﻼ ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ ﺍﻷﺏ ﺑﻤﻔﺮﺩﻩ، ﻭﻻ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻖ ﺍﻷﻡّ ﺑﻤﻔﺮﺩﻫﺎ، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻧﺸﻐﺎﻻﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻓﻠﻜﻞّ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺩﻭﺭﻩ ﺍﻟﻤﻜﻤّﻞ ﻟﻶﺧﺮ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ، ﻭﻏﻴﺎﺏ ﺃﻱّ ﻃﺮﻑ ﺳﻴﻨﻌﻜﺲ ﺳﻠﺒﺎً ﻋﻠﻴﻬﻢ .
اما ﻋﻦ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴّﺔ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﺍﻟﺘّﺮﺑﻮﻳّﺔ: ﺇﻧّﻨﺎ ﻧﻌﺘﻘﺪ ﺃﻥَّ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴَّﺔ ﺍﻵﺑﺎﺀ ﻭﺍﻷﻣّﻬﺎﺕ ﻋﻦ ﺃﻭﻻﺩﻫﻢ، ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﻢ ﻭﺗﻨﻤﻴﺘﻬﻢ ﺟﺴﺪﻳّﺎً، ﺑﻞ ﻻ ﺑﺪَّ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻣﻮﺍ ﺑﻌﻤﻠﻴّﺔ ﺍﻟﺮّﻋﺎﻳﺔ ﻋﻘﻠﻴّﺎً ﻭﺭﻭﺣﻴّﺎً ﻭﻋﺎﻃﻔﻴّﺎً ﻭﺣﺮﻛﻴّﺎً ﻭﻣﺎ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﻻ ﺑﺪَّ ﻟﻸﻫﻞ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻔﺮّﻏﻮﺍ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﻭﻗﺘﻬﻢ ﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﺃﻭﻻﺩﻫﻢ، ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺄﺧﺬﻭﺍ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻣﻦ ﻣﺆﺛّﺮﺍﺕ ﺳﻠﺒﻴَّﺔ ﺃﻭ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴَّﺔ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧّﻨﺎ ﻧﺘﺼﻮّﺭ ﺃﻥّ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻘﺪﻭﺓ ﻫﻮ ﺩﻭﺭ ﻣﻬﻢّ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ، ﻷﻥَّ ﺍﻷﺏ ﻭﺍﻷﻡّ ﻳﻤﺜّﻼﻥ ﻓﻲ ﺍﻧﻔﺘﺎﺡ ﺃﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ ﺍﻟﻘﺪﻭﺓ ﺍﻟّﺘﻲ ﻳﺘﺄﺛّﺮ ﺑﻬﺎ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ ﺳﻠﺒﺎً ﺃﻭ ﺇﻳﺠﺎﺑﺎً، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟّﺬﻱ ﻳﻔﺮﺽ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺑﻮﻳﻦ ﺍﻻﻧﻀﺒﺎﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ، ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺘﻤﺜّﻞ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ ﺇﻻ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻄﻴّﺐ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲّ ﻓﻲ ﻛﻞّ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴّﺔ ﺍﻟّﺘﻲ ﻻ ﺑﺪَّ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺘَّﺼﻒ ﺑﻬﺎ .
ﻭﻓﻲ جانب آخر لا نجهل دور الأم: ﺇﻥَّ ﺩﻭﺭ ﺍﻷﻡّ ﻣﻬﻢّ ﺟﺪّﺍً، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﺏ ﻣﻮﺟﻮﺩﺍً ﺃﻭ ﻻ، ﻷﻥّ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺘّﻌﻘﻴﺪﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺗﻴّﺔ ﺗﻀﻄﺮّ ﺍﻷﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻴﺎﺏ ﺍﻟﻘﺴﺮﻱّ ﻃﻮﻳﻼً ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻴﺖ، ﻓﺎﻟﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻃﻔﻮﻟﺘﻪ ﻭﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻊ ﺃﻣّﻪ، ﻟﺬﺍ ﺗﺘﺤﻤّﻞ ﺍﻷﻡّ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴّﺔ ﺍﻟﺘّﺮﺑﻴﺔ ﻭﻣﻮﺍﻛﺒﺔ ﺣﺎﺟﺎﺕ ﺍﻷﻭﻻﺩ، ﻭﻻ ﺳﻴّﻤﺎ ﺍﻹﻧﺎﺙ ﻣﻨﻬﻢ، ﺇﺫ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﻴﺶ ﻣﻌﻬﻦَّ ﺍﻟﺼّﺮﺍﺣﺔ ﻭﺍﻟﻮﺿﻮﺡ ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻛﻞّ ﺍﻟﻈَّﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟَّﺘﻲ ﺗﻄﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻮّﻫﻢ، ﻭﺧﺼﻮﺻﺎً ﺍﻟﺒﻨﺖ، ﻭﻛﻴﻔﻴّﺔ ﺍﻟﺘّﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻪ ﺑﺎﻷﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟّﺬﻱ ﻳﻘﻴﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﻭﺍﻻﻧﺤﺮﺍﻓﺎﺕ.
