كأنها … هي !!

0 171

                                   علي عبد الله بابكر

من بلاد الواق واق …

من فاس الماوراها   ناس …

من بلاد  الهند والسند …

ومن  كل المنافى القصية  ،  فى  أرجاء  الدنيا  الوسيعة …

بعد أعوام كثيرة جداً جداً  … تائباً .. خائباً ..  تكركرت  عائداً … أبحث عن  البلدة …

جئت … أُفتش  عن  وطن  يأوينى  …

 أبحث  عن  تربة رطبة باردة … ترم عظامى فى استراحة نومتي السرمدية …

               فى رحلة أوبتي الميمونة للبلدة …  أنا كنت  قد  رضيت  من الغنيمة بالإياب …

               رجعت إليها … كما ولدتني أمي .. أتدثر أثواب  فقري المدقع .. الذي أبى  التداوي في كل  مطافاتي .. القصية في  أرجاء المعمورة …

               كهلاً عجوزاً  عُدت  … أتوكأ  عصا  ترحالي  المنخورة  … أشعث  أغبر… رأسي مثل قطن منفوش  … أعمش العينين ،  من رهق مشاهدات  الدنيوات العجيبة … أتأبط شيخوختى … وأمتطى  هرم  كهولتى العرجاء …

             ياسبحان … عُدت للمكان ذاته … مسقط رأسي … مدفن صُرتى ومرتع صباي …   

           من هنا كانت البداية … ومن هنا  ربما  تكون  مخموشة  تربتى الأزلية الموعودة …

        أتأمل المكان …

          فى هدوئها المريب … بدت لى البلدة فى سكونها الخامل … كأنها  هي ..

         أشم  عبق رائحة المكان … كأنه  هو …

    أحك عيناي … كأننى فى  حلم  قديم …

       أحدق فى وجوه المارة … من سابلة الطريق  حولي…

   أتأملهم بحذر … ثمة  خوف عظيم  كان ينتابنى منهم  … أنا كنت غريبا عليهم … كانوا  يشبهون  وجوه أناس  كنت أعرفهم فى الزمان القديم …

       بحذر شديد  أستوقف بعضهم  … بخفوت جداً  … كنت أسألهم عن معالم كثيرة كنت أعرفها  …

   عن  موردة الحطب …عند مقابر  ود أزرق  …فى شارع سنكات جبرونا

   وعن فريق البحيرية …

 و دكان زلفو …  جنب كبرى خور ود أبو شنب …

  وعن سوق أم سويقو …

 ودكان طير البقر… وطاحونة سيفين …

 وعن ود الفتلي.. وصافيات السمينة …

وعن أبو جبل … وكبرى حجة عشة …

وقبة السني … وقباني …

و جامع الحكومة وشعيبو الدرويش …  

وعن حي المدنين وفريق الحلبة …

وعن حلقة رفع الأثقال وكمال الاجسام في نادي النيل  …

 وعن ملاكمات خدورى  وحرفنات حمورى …

وعن الكاشف وقهوة ود العود …

وعم عيسى والمكتبة الوطنية …

وجنينة كعكاتي والبوستة وشيخ حمد النيل وقططه الخمسمائة …

 وعن ناس الرسالة بت خادم الله …

 وعن أولاد  خلف الله وحسن جاد الله …

 وعن كثيرين كنت أعرفهم …

          لكنهم  كانوا ينظرون إليّ شذراً … يبتسمون فى بلاهة عجيبة … ثم بعجلةٍ سريعةٍ …  فى سخريةٍ متهكمة يغمغمون …

طفشوا …  طفشووو

راحوا …  رآآآآآحو

فاتوا … فآآآآآتو

ماتوا … مآآآآآآتو

       أغرقُ فى الأسى  …  لا حول  ولا قوة  إلا بالله …

           أحوقل وأسترجع …

            وعلى طريقة  أهلنا  الطيبين … فى زمان ذاك  … أنا  كنت أفكر …

          أن  أخط  بيان  حضورى  على  بوابة  المدينة  ،  على  طريقتنا القديمة …

          أن  أكتب  على الباب  … عبارتنا  التقليدية  المأثورة …

                    … (حضرنا  ولم  نجد كم ) …

                  لكننى  لما  حدقت  فى  الأرض  … المصمتة  بالأسمنت  والخرصانة المسلحة تحتي  …  ما وجدت  قطعة  الفحم  المرمية  … وما وجدت  حتى  بعرة  عنزة  قديمة  …  لأ نفذ  بها خاطرتى  الحزينة  …

                فى  أسىً  ، رفعت  رأسى  …

           بلا  عينين  كُنت  أحدق  …  فما رأيت بوابة أمامى  …

 وما رأيت  حوائط  الجالوص  الطينية  …  وما وجدت  حتى   عبق  رائحة  البيوت  القديمة ..

          تحسرتُ  … بكيت …  وفى  نفسى  تساءلت …

           يا إلهّى  …  ترى … أين  ذهبت  البلدة ؟؟؟

                             ود مدني  23 مارس 2014م

Leave A Reply

Your email address will not be published.