في دائرة الضوء.. “الانتحار”
باحث اجتماعي: الانتحار ظاهرة تؤرق الأسر وأكثرهن من الفتيات
الفشل والمشاكل الاجتماعية والفقر أهم أسباب الانتحار والوازع الديني والسلوك القويم هما العاصم منه
الانتحار من الظواهر السالبة في مجتمعنا، وقد نهى عنها الدين الإسلامي، وتحدث هذه الظاهرة نتيجة لبعض القرارات، والتصرفات الخاطئة، والأسباب، والدوافع، ولمعرفة الأسباب والدوافع المؤدية للوقوع في هذه الجريمة، قامت صحيفة الجامعة بإجراء هذا التحقيق.
أجرته: هبة بعشوم

** الشابات فى المقدمة :
وقال د. الريح حمد علي حمد كبير الاختصاصيين الاجتماعيين بمستشفى ودمدني التعليمي، إن ظاهرة الانتحار تعتبر من الظواهر الاجتماعية التي بدأت تؤرق العديد من الأسر بغض النظر عن نوع المادة المستخدمة في الانتحار، وقد انتشرت بصورة واضحة ظاهرة الانتحار بالصبغة ويرجع ذلك لسهولة الحصول عليها، وإمكانية إخفائها، وقلة سعرها، وقوة فاعليتها، فالبعض يدسها في بعض المشروبات كالقهوة، والمشروبات الغازية.
ويرجع الريح إلى توصيف الانتحار بحسب تعريف “كابي” في كتابة قواعد المنهج في علم الاجتماع (النظريات السسيولوجية) بأن الانتحار يرجع لمجموعة من العوامل سواء النفسية، أو الاجتماعية، والاقتصادية، فالمنتحر غالباً ما يصل إلى حد الاكتئاب النفسي فينظر للحياة ككفة اليد، والانتحار يتنافى مع ديننا الإسلامي، وأكثر الفئات العمرية المعرضة للانتحار تتركز في سن 18-25 وهن من فئة الشابات لعدم مقدرتهن على تحمل الظروف المحيطة بهن.
** انتشار النار في الهشيم :
وكشفت الأستاذة أمل عوض عبدالقادر– إدارة المراجعة الداخلية، أن السودان يأتي في المركز الأول بمعدل2/7 في كل مائة ألف شخص، وتشير أمل إلى أن أغلبية المنتحرات هن من الفتيات في أعمار لا تتجاوز 18-25 عاماً، وأضافت: يلجأ الكثيرون منهم للانتحار بالسم، أو الشنق، أو إطلاق النار لإنهاء حياتهم. وأكدت أن الانتحار صار مشكلة حقيقية تفوق عدد ضحايا الحرب. والانتحار في السودان وليس كما تقول وزارة الصحة مراراً وتكراراً إنتشر بصوره واسعة كانتشار النار في الهشيم وخاصة بين النساء.
تقول أمل: إن الأسباب الرئيسة للانتحار هي حالات الاكتئاب، والإدمان، والقلق، ومرض الفصام (الشزوفرينيا)، وكل هذه اضطرابات نفسية، وضغوط اجتماعية، واقتصادية، بجانب تفشي روح العطالة، وعدم الاستقرار الأسري، وأيضاً التفكك الأسري، وكل هذه الأسباب لعبت دوراً بارزاً في ظاهرة الانتحار. وألمحت إلى أن ظاهرة الانتحار هذه لم تكن وليدة اليوم، بل هي موجودة، ولكن ظهرت بصورة أكثر في العام 2003م.

** عوامل عديدة :
وترى الأستاذة هند محمد أحمد اختصاصي نفسي- مركز زيدان للخدمات الصحية، أن ظاهرة الانتحار، هي من الظواهر التي انتشرت في المجتمع في الآونة الأخيرة، وتزايدت أعدادها بصورة كبيرة، وبالرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد حرّم قتل النفس إلا بالحق في قوله تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ“ الأنعام، الآية 151، إلاّ أنه بسبب نقص الوازع الديني، وتؤكد الباحثة النفسية أن أكثر الفئات العمرية عرضة لهذه الظاهرة، هم الشباب لأنهم ليس لديهم خبرة أو تجربة في الحياة لحل مشكلاتهم بشكل طبيعي، ولأنهم يتخذون الأمور والقرارات على عجل دون دراسة جدوى للأمور، فتتم أمورهم بسرعة دون انتظار أو تردد. وتقول إن أسباب الانتحار عديدة منها التفكك الأسري، والطلاق، والفشل الدراسي، وفشل العلاقات الزوجية، وغيرها، وأيضاً الأسباب الاقتصادية ونقص العائد المادي وقلته لدى العديد من الناس بحيث أنه لا يغطي ولا يتناسب مع احتياجاتهم الحياتية، وهنالك من يتطلعون إلى أشياء تفوق مستواهم المادي مما يسبب لهم الإحباط ومن ثم يشرعون في الانتحار.
وأيضاً الضغوط النفسية، والاضطرابات النفسية كالاكتئاب النفسي، وبالرغم من الأسباب سابقة الذكر، إلاّ أنه ليست هنالك أي مبرر لإنهاء حياة الفرد بسهوله لأن الله عزّ وجلّ كرّم الإنسان وسمي إنساناً لينسى.
وأوجه نصيحتي للجميع يجب على الإنسان أن يتحلى بالصبر، وألا يفقد ثقته بنفسه، وأن يكون قادراً على المثابرة والاجتهاد والقدرة على التحمل حتى لا يكون عرضةً للانتحار.
** الرجوع إلى الدين:
ويقول الطالب ربيع البدري إبراهيم الدفعة (34) قسم الهندسة المدنية، إن ظاهرة الانتحار تعتبر من أخطر المشاكل التي يواجهها المجتمع، ونجدها متعددة الأسباب خاصة وسط الشباب، ومن بينها الأسباب العاطفية، وتتم هذه الجريمة بطرق مختلفة عن طريق القفز في البحار، أو الأنهار (الغرق)، أو عن طريق التسمم بواسطة السميات المختلفة، أو عن طريق الحبل (الشنق) أو عن طريق السكين (قطع الأوردة والشرايين)، أو الانتحار بالتسمم والذي نجده بكثرة عند البنات، وسببه غالباً ما يكون هو الزواج من شخص غير الذي تريده (زواج الإجبار)، ويقول تنحصر ظاهرة الانتحار عند الشباب سواء من الأولاد أو البنات.
وأيضاً توجد المشاكل الاقتصادية، والرغبة في الحصول على متطلبات الحياة، ولكن للأسف نجد أن الشباب اليوم بعيدون جداً عن شرائع ديننا الحنيف الذي يحرم هذه الظاهرة، ولذا علينا الرجوع إلى الصراط المستقيم وإلى ديننا حيث أمرنا ربنا، وأسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى ما يحب ويرضى.
** لا يقبلن النصائح :

وتقول المواطنة نادية سعد من منطقة الشدايدة محلية مدني الكبرى، إن الانتحار يتم في عمر20-40 سنة، وأن أكثر الفئات انتحاراً هم النساء لأنهن لا يعشن واقعهن ولا يتقبلن النصائح، وأيضاً الظواهر الاجتماعية سبب كبير في انتحارهن.
وترى ضرورة محاربة العادات الضارة في المجتمع، وعدم مصادقة أصحاب السوء، ومتابعة الأسر لأبنائهم، وإرشادهم، وتوجههم إلى الطريق السليم، ولابد أن تكون هنالك شفافية تامة بينهما.
** جريمة بشعة :
وتصف الأستاذة منى آدم الرماش من سنجة: الحياة بأنها حلوة، وما بتستاهل الانتحار مهما كانت الأسباب والظروف. وتعتبر الانتحار جريمة بشعة في حق النفس والمجتمع. وتعتقد أن على كل واحدة أن تحب نفسها لكي تتغلب على العقبات التي تواجهها. وترى أن الانتحار يتركز بين شابات أعمارهن دون العشرين، وترجع أسبابه للضغوط الأسرية. ووجهت رسالة لكل أم وأب، بأن يحبوا أبناءهم، ويكونوا قريبين منهم، وإذا واجهوا مشكلة يجب عليهم حلها ومعاملتهم برفق دون عصبية وقسوة وتوجيه النصائح والإرشاد لهم.
** التربية السليمة :
وتشير الأستاذة آمال محمد نور مصممة أزياء نسائية، إلى أن الإنسان الذي يفكر في الانتحار ناقص عقل ودين، ويعتبر قد مات كافراً، وليس هنالك دواعي تجعله يغضب الله، وأحياناً الانتحار يتم عند شابات أعمارهن تتراوح بين 16-20 عاماً لعدم اكتمال نضجهن، وعدم قدرتهن على حل المشكلات التى تواجههن في المجتمع.
وتذهب إلى أن هنالك أسباب عديدة للانتحار منها ارتباط الشابة بشخص للزواج، وأحياناً المسائل الخاطئة مثال العلاقات الغير شرعية. وأوجه نصيحتي لكل الشباب بضرورة الالتزام بالدين الحنيف، والابتعاد عن القنوات العربية الفاضحة التي لا تشبه عاداتنا، وتقاليدنا الإسلامية، فلابد من التربية السليمة.
** مشكلة أساسية :
وتقول الطالبة هاجر إبراهيم الطيب من جامعة وادي النيل– كلية التجارة- قسم إدارة الاعمال، إن الانتحار ظاهرة سلبية ظهرت في الآونة الأخيرة، وهو أحد المشاكل الأساسية في المجتمع، وإن أسبابها عديدة منها عدم تحقيق الأحلام للخريج، وعدم إيجاد الوظائف، والعلاقات العاطفية، والضغوط الأسرية، والضغوط الاقتصادية، وأن أكثر الأعمار بين 18- 45 عاماً لدى الشابات اللائي لم يجدن فرصاً للعمل، وغيرها من المشاكل السلبية في المجتمع، ومواجهة الصعوبات في الحياة الاجتماعية، وعدم المساواة في الطبقات بين الفقراء والأغنياء، وكثرة العطالة، وغيرها من هذه المشاكل التي تؤدي للانتحار. وتناشد الطالبة هاجر جميع الطلاب بالإكثار من الاستغفار، والتحلي بالدين الإسلامي. وتقول: (الأرزاق من عند الله عزّ وجلّ).
** تقليد أعمي :
وترى الخريجة مروة عبدالمحسن محمد خريجة العلوم الرياضية والحاسوب الدفعة (35)، أن حالات الانتحار تتركز في الأعمار من سن (12) فما فوق، وأغلب حالات الانتحار وسط الشابات لأنهن ضعيفات، ويملن للتهور، ويفقدن الأمل في كثير من الأمور. وتعتقد أن أكثر الأسباب تتمثل في الطموحات التي لم تتحقق لهن، ولم تجد النور، إضافة للتقليد الأعمى للأفلام، والمسلسلات، والقنوات الفضائية. وتذهب إلى أن الانتحار ليس هو الحل الأفضل، فلابد من مواجهة الأمور بقوة وصلابة، ولينتظر كل منا أجله المحتوم. وتعتبر أن الانتحار ينتج عن ضعف الإيمان، ويجب أن نتذكر الله في كل صغيرة وكبيرة.
** آلة انتحار :
وتقول الخريجة إخلاص بله حماد الطيب جامعة أم درمان الإسلامية كلية الشريعة والقانون، إن الانتحار هو حالة يصل إليها الفرد عندما يفقد الرغبة في الحياة، أو فشل في تحقيق طموحاته، فيكون فشله، وعدم سعادته، سبباً في اللجوء لإنهاء الحياة بأحد الوسائل المتعارف عليها من آلات الانتحار مثل قتل النفس بالسم (الصبغة)، الشنق، الوقوف أمام عربة مسرعة، الحرق، أو الوقوع من مكان مرتفع وغيرها.
ونجد أن أغلب المنتحرين من الشباب في أعمار لاتتجاوز (18)، ويرجع ذلك للضغوط النفسية، والأسرية، والاقتصادية، والاجتماعية، وهنالك أسباب شائعة في المجتمع مثل الفشل بأنواعه من فشل في وظيفة، أو تحصيل لقمة العيش الحلال، والعلاقات العاطفية، وكل هذه الأسباب تدمر، وتهدم حياة الشباب، وتعتبر عائقاً في طريق حياتهم العملية، وأيضاً البُعد من الله سبحانه وتعالى، وترك الصلاة، وقراءة القرآن، وغير ذلك من الأعمال المقربة إلى الله عزّ وجلّ.

** رأي الدين :
يقول الأستاذ عبد الله عيسى أحمد – الهيئة الشبابية للحفظة والأئمة- ولاية الجزيرة، إن الآيات والأحاديث الواردة في هذا الشأن كثيرة منها قول الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) النساء.
وقال القرطبي: أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضاً، ثم أن لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا، وطلب المال بأن يحمل نفسه على القرار المؤدي إلى التلف، ويحتمل أن يقال: (ولاتقتلوا أنفسكم) في ضجر أو غضب فهذا كله يتناوله النهي تفسير القرطبي.
أما عن الأحاديث النبوية التي تنهى عن قتل المسلم نفسه فهي كثيرة نذكر منها: ما رواه البخاريُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ ” مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار) رواه البخاري..