اِمْتِحَانُ نِصْفِ الفَتْرَةِ الدِّرَاسِيِّ (رُؤْيَةٌ نَقْدِيَّةٌ)

0 191

مُصْطَفَى آَدَمُ سُلَيْمَانُ أَحْمَدُ

على مر التأريخ تمثل دور الجامعة الجوهري في تخريج أجيال مؤهلة علمياً، ثقافيا وفكرياً. بل يعتقد البعض أن دورها الرئيس يتمحور حول تعليم الدارس كيف يفكر، أي إجتراح طرائق جديدة للتفكير وذلك بصقل مهارته الشخصية لتحقيق التكامل بين العملية الأكاديمية والذهنية/النفسية للطالب. اعتمدت عدد من الجامعات أو بعض كلياتها نظام امتحان نصف الفترة/الفصل الدراسي(Mid-term exam) كآلية لشحذ فاعلية الطلاب الأكاديمية. بل المُلاحظ عن كثب لهذا النظام يجد فيه عدداً من المساوي التي قد تضر بالعملية التعليمية برمتها على المدى البعيد، يمكن تناولها في عددٍ من المحاور وهي:

المِحْوَرُ الأَوَّلُ: المَهَارَاتُ الشَّخْصِيَّةُ: الجامعة مرجوء منها خلق التكامل بين العملية الأكاديمية والمهارات الشخصية والتي لا تقل أهمية عن الأولى، بل أثبتت بعض الدراسات أن الجانب المهاري الشخصي عنصر رئيس في نجاح الفرد المستقبل، و لكن نجد بعض الجامعات أو الكليات أعتمدت نظام امتحان نصف الفترة، التركيز الغالب لطُلابها ينحصر بصورة رئيسة على الامتحانات لضيق الوقت بين امتحان الفترة والامتحان النهائي، ينتج عنه انحسار زمن تنمية المهارات الشخصية، فيقضي الدارس أغلب وقته بين دهاليز المكتبات والقاعات ومكاتب الأساتذة مهموماً بالامتحانات، فتجعل الطالب في حالة استنفار شبه تام للامتحانات، وفي خِضم هذا الجو يضيع حظ الطالب في تنمية مهاراته الشخصية (اللاصفية) لاسيما الأنشطة الثقافية، الاجتماعية، والفكرية، من ندوات ومنتديات وأنشطة أكاديمية مصاحبة. فيخرج طالب ضعيف الفكر والتفكير، أشبه بآلة أكاديمية (Academic Machine)، يفتقد المهارات الضرورية للحياة وإن تميز أكاديمياً. عكس الجامعات التي تعطي فرصة لطُلابها أن يجولوا خارج إطار المنظومة الأكاديمية، فتخرّج مبدعين ومفكرين وفلاسفة، و قادة بجانب تفوقهم الأكاديمي.

المِحْوَرُ الثَّانِي: الفَزَعُ النَّفْسِي: أجواء الامتحانات المُطّردة والمتقاربة الزمن قد تصيب الطالب بحالة من التوتر المستمر، لحالة الأهبة الدائمة. وقبل أن يخرج الطالب من جو امتحان نصف الفترة يفاجأ بقرب أو وصول زمن الامتحان النهائي الذي يحتاج إلي إِعداد أكثر من امتحان نصف الفترة، فتستمر الدائرة التي لانهاية لها من شدّ الذهن، إلا بنهاية الجامعة. وهذا قد يتسبب في حالة من الفزع/الهلع النفسي- أكاديمي (Academic Panic) لبعضهم مصحوب بأعراض قلق الامتحان (سوء هضم، اضطراب النوم مصحوب بكوابيس وغيره من الأعراض) والكآبة، التي قد تضر بالأداء الأكاديمي (الأداء المنخفض) أو تفسد الاستقرار الذهني والنفسي للطالب الجامعي، فكثرة التوتر، قد تتحول من أعراض عرضية لأعراض دائمة ك نمط للشخصية المتوترة.

المِحْوَرُ الثَّالِثُ: شَلَّ قُدْرَةَ الأُسْتَاذِ البَحْثِيَّةَ: تتابع الامتحانات، لا تضر بالمنظومة التعليمية للطالب فقط، بل بالأستاذ الجامعي نفسه أكثر من غيره. الأستاذ الجامعي هو باحث بالدرجة الأولى، وظيفته الأولى البحث والتحرّي المعرفي، إضافة إلى النشاطات العلمية، من مؤتمرات وندوات وقراءات وغيره؛ بغرض رفد المعرفة، وذلك بإضافات حقيقية للمعرفة، لكن في ظل الانشغال المُستمر له بوضع وتصحيح الامتحانات والمُراقبات الطويلة، ثم تليها رصد النتائج، قد يستهلك جُل وقت الأستاذ إذا لم يكن كلهُ، فيضيع الهدف السامي للأستاذ الجامعي الباحث في خِضم سباق الامتحانات الذي لا نهاية له إلا بالتقاعد.

    كل المحاور آنفة الذكر، قد تؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على تكامل شخصية الطالب الجامعي، الذي يُفترض أن يكون مؤهل في شخصهِ، إضافة إلى الجانب الأكاديمي، لتحقيق الريادة المنشودة للطالب الجامعي، والأستاذ المبدع الرافد للمعرفة باستمرار.

مُحَاضِرٌ – قَسْمُ عِلْمِ النَّفْسِ التَّطْبِيقِيِّ. 

كُلِّيَّةُ التَّرْبِيَةِ حنَتُوبُ

Mustafa.suliman33@gmail.com

Leave A Reply

Your email address will not be published.