الشائعة.. الخطر المحدق بالفرد والمجتمع
تقرير : هبة بعشوم
نشر الإشاعات سلاح خطير يفتك بالأمة ويفرّق أهلها، ويسيء ظن بعضهم ببعض، ويفضي إلى عدم الثقة بينهم، وأسرع الأمم تصديقًا للإشاعات هي الأمم الجاهلة الفاشلة، بسذاجتها تصدّق ما يقال، وتردد الأخبار الكاذبة دون تمحيص ولا تفنيد، وأما الأمم الواعية فلا تلتفت إلى الإشاعات، قضية وضعتها “الجزيرة اليوم” تحت المجهر وطرحتها على طاولة النقاش.
** خنجر سام
ويعتبر د. ربيع أحمد محمد أسد بكلية هندسة وتكنولوجيا المنسوجات، كلية النسيج، جامعة الجزيرة، أن الشائعات أصبحت من أمراض عصرنا الحالي، ويراها ظاهرة قديمة متجددة، أي تظهر في أشكال وطرق متعددة، وتمسّ أشخاصاً أو جماعات خاصة أوعامة. وقال إن للشائعة أنواعاً متعددة وعوامل تسهم في إنتشارها، كما أنها تلعب دوراً كبيراً في التأثير على الروح المعنوية للشعب ونشر الفرقة والكراهية بين أفراد المجتمع خصوصاً في المجتمعات القليلة التعليم.
ويصف الإشاعة من حيث المبدأ بأنها: خنجر سام يوجه عادة بهدف القتل المعنوي للمجتمع، وتمزيق عناصر القوة والوحدة لأي أمة من خلال تمزيق أفكارها وعقيدتها، وزرع الشكوك، والرعب والهزيمة في أوساطها وقد يتنوع أهداف الإشاعة بحسب الموضوع والغرض الذي تدور حوله. وتابع: من أغراض الإشاعة مثلاً: الأغراض المعنوية، والأغراض السياسية، والأمنية، والأغراض الاجتماعية، والأغراض اللا أخلاقية.
ويمضي: لذلك الإشاعة من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للأشخاص والمجتمعات، وقد لجأ إليها الناس كوسيلة من وسائل الهدم، والتدمير للمجتمعات، فكم أقلقت الإشاعة من أبرياء، وحطمت عظماء، وتسببت في جرائم، وفككت من علاقات وصداقات، وكم هزمت من جيوش.
** ظاهرة قديمة

ويقول د. ربيع إن الإشاعة ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الجنس البشري، وهي موجودة في كل مكان وستظل موجودة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وذكر أن الإشاعة تلعب دوراً كبيراً في التأثير على الروح المعنوية للشعب، ونشر الفرقة والكراهية بين أفراد المجتمع. لافتاً إلى أن موقف الشريعة الإسلامية من الإشاعات، هو موقف واضح سليم، فهي تقف منها موقفا حازماً، ورافضاً، ومحذراً من نشرها بين صفوف المسلمين، كما يوجه الإسلام إلى أساليب التحصين والوقاية من الإشاعات، حتى لايتمكن أعداء الإسلام من تحقيق أهدافهم ونواياهم الخبيثة من وراء نشرها.
وشدد على ضرورة أن تقوم الجهات المعينة بمكافحة الإشاعات وذلك بتعريف الناس بخطرها، وتحذيرهم من أضرارها بشتى الوسائل والأساليب المتاحة مثل: وسائل الإعلام، والمحاضرات، والندوات، والكتيبات وضرورة الحرص على إيقاع العقاب على كل من يقوم بترويج الإشاعات داخل المجتمع، إضافة لضرورة إنشاء مركز علمي خاص لمكافحة الإشاعات وأنواعها وطرق الوقاية منها، وأن تقدم وسائل الإعلام المختلفة أخباراً، وأقوالاً، وأحداثاً صحيحة لأفراد المجتمع وعليها التثبت قبل نشر أي خبر، لأنه من الثابت أن الإشاعة تنتشر في وسط ينعدم فيه الخبر الصادق والتعليق الأمين.
** فن للدعاية والسلوك
وبالنسبة للأستاذ محمد عثمان حسن الناشط والباحث بجامعة الجزيرة، فإن الشائعة هي فن ودعاية وسلوك، وتنميق للشكل، وطريقة الإخراج، وسبك الموضوع ليكون جذاباً، ويرى أن ذلك يحتاج إلى موهبة في السرد، وتنظيم المعلومة بحيث تتماشى مع موضوع الساعة، سواءً دعاية وترويج لسلعة أو شخص ليكون حديث المجتمع في المجالس، فيطلق دعاية وترويج لشيء ماء وسط المجتمع، يعتمد في ذلك على الخيال، وإعادة سرد موضوع ظاهر في الساحة حتى يكسب الشخص مكانة اجتماعية في المجلس، وليكون محور اهتمام الناس.
ويمكن أن تكون الشائعة من وجهة نظره ظاهرة مرضية يعبر فيه الشخص عن أحلام وأمنية شخصية، غير أنها تعتبر ظاهرة سلبية لأن الخوض في أمورغير صحيحة يصيب المجتمع بالإحباط أو السعادة الزائفة، مطالباً المجتمع بأخذ الأخبار من المصادر الرسمية، ووسائط الإعلام ذات المصداقية العالية.
** مردود سالب

ويقول الأستاذ بابكر جابو موظف بالجامعة، إن الشائعة هي بث معلومة لمجتمع معين عبر قنوات متعددة منها المنقولة، والسمعية، مضيفاً أنه قد تختلف حدّة الاشاعة من خبر لآخر. ويرى أن الشائعة تنقسم إلى نوعين موجبة وأخرى سالبة. وفي اعتقاده أن الشائعة قد تساعد أحياناً في اتخاذ قرار معين بخصوص موضوع معين في علم الإدارة، بحيث يتم نشر شائعة من جهة متخذي القرار، ودراسة صداها ومردودها في المجتمع المعين، فإذا كانت النتيجة قبول تلك الشائعة فهي موجبة ويمكن لمتخذ القرار إصدار قراره بقوة، وعندما تكون نتيجة الشائعة عدم القبول وصداها سالب، يتراجع متخذ القرار للبحث عن بدائل مرضية للمجتمع.
ويعتبر أن الشائعة ذات مردود سالب على المجتمع الذي يمكن أن يتضرر منها كثيراً، وعلى سبيل المثال تسري شائعة عن زيادة مرتبات العاملين بالدولة، فتترتب عليها زيادة في أسعار السلع الاستهلاكية مما يشكل خطراً اقتصادياً على المجتمع من واقع تفاقم المشاكل وسط العاملين وتراجع مقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل ثبات للرواتب وتصاعد مضطرد للأسعار.
ويتابع: قديماً تضرر المجتمع المسلم من قصة الإفك وما أشاعه المنافقون حول السيدة عائشة رضي الله عنها قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) سورة النور الآية (11) . كما أن هنالك شائعات كثيرة مثال قصة سيدنا يوسف عليه السلام.
** من المحرر
الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع، وصاحبها مجرم في حق دينه ومجتمعه وأمته، مثيرٌ للاضطراب والفوضى في الأمة، وقد يكون شراً من مروّج المخدرات، فكلاهما يستهدف الإنسان، لكن الاستهداف المعنوي أخطر وأعتى. وإنك لتأسف أشد الأسف ممن يتلقى الشائعات المغرضة، وكأنها حقائق مسلّمة فيلطّخ سمعه وبصره من الشائعات الباطلة.
وأحذر عزيزي القارئ أن تكون أنت المصدر لانطلاقة الشائعة، أو مروجاً لهاً، فإذا ما سمعت بخبر ما سواءً سمعته في مجلس عام أو خاص، أو قرأته في مجلة أو جريدة، أو انترنت أو شاهدته في قناة فضائية أو سمعته في إذاعة، وكان ما سمعته يتعلق بجهة مسلمة، سواء كانت طائفة أو مجتمع أو شخص، وكان الذي سمعته لا يسُرّ، أو فيه تنقص أو تهمه، فلا تستعجل في تقبل الإشاعة دون استفهام أو اعتراض.
واحذر ترديد الإشاعة لأن في ترديدها زيادة انتشار لها مع إضفاء بعض بل كثير من الكذب عليها واحتفظ بالخبر لنفسك لا تنقله لغيرك، مع أن الذي ينبغي أن يبقى في نفسك هو عدم تصديق الخبر؛ وأخيراً إن القضية قضية دين والمسألة مسألة حسنات وسيئات، فليحافظ كل منا على دينه ووطنه وأمته.
