ثورة الفجر الجديد
د. إيهاب السر محمد إلياس
تغيرت عاداتنا الجميلة وتغيرت معها الكثير من الأشياء. بالأمس القريب كانت جيوش النعاس والوسن تغزو أعيننا مبكراً وننام بعمق، تزاورنا الأحلام السعيدة منذ العاشرة مساء.
نصحوا مع صيحات الديكة ومع تنفس الصبح مع نسمات الفجر الهينات الرائعات، نصحوا ونحن في كامل لياقتنا البدنية وفي عنفوان الشباب، لم نكن نعرف أمراض ارتفاع الضغط والسكري والمصران العصبي.. حياتنا كانت رائعة ومشرقة بالأمل والتفاؤل.
تبدل الحال الآن وصار السهر هادم الأجساد عادة ذميمة وكريهة وهرب النوم من العيون، إنما هي بضع ساعات قبل الفجر وأضيعت الصلوات المباركات وقل الإيمان في القلوب. يضيع معظمنا الوقت سارحاً في الواتس آب أما السيدات والنساء فمعظمهن ينمن على نغمات المسلسلات الهندية التي تحمل ماركة الرياضيات المعروفة إلى مالا نهاية.
قديما كانت الأسرة كلها تبحلق في مسلسل واحد تنتظر حلقاته يومياً بكل لهفة وشوق ويكتمل أقصاها في ثلاثة عشر حلقة، أما هذا الهندي فحدث ولا حرج يستمر عبر الأيام والشهور بل السنوات.
صارت الأجساد منهكة ومرهقة وغزت الأمراض المزمنة أجسادنا، ومما يزيد الطين بلة تناول الوجبات السريعة الجاهزة (التيك اوي) والدلفري، هذه الوجبات المليئة بالدهون المشبعة مع التناول والإستهلاك العالي للسكر الصناعي والمشروبات الغازية والسجاير والتمباك.
تهاوت الأجساد تحت معاول السموم اليومية من متبقيات مبيدات وسموم فطرية في الدكوة والدايوكسينات في المواد البلاستيكية الساخنة بالإضافة إلى السموم البكتيرية في الأغذية ومياه الشرب المختلفة، ضرب التلوث بأطنابه كل بقاع الوطن الحبيب وزاد حجم النفايات الصلبة مع ارتفاع نمط ومستوى المعيشة اليومية.
صار الإنسان في هذا الوطن الغالي خائر القوى ومنهك البنيان وكم حزنت طويلا عندما علمت أن هنالك أكثر من 3500 حالة مرض سكر بين الأطفال في ولاية الخرطوم وحدها؛ إنهم الأطفال أحباب الله وعماد المستقبل.
عجلة الإنتاج صارت واهنة كالحة ترهقها قترة، فلو حسبناها بحساب الساعات والعمل الذي نؤديه إنما هي دقائق قليلة تتخللها ساعات طوال لتناول وجبة الإفطار أثناء الدوام اليومي فتضيع معها مصالح المواطنين والطلاب مع قصر ساعات العمل اليومية في الأساس.
حقيقة لقد زرت الكثير من الجامعات الإفريقية في زامبيا وكينيا مثلاً، فالطلاب والموظفون لا يغادرون الجامعة إلا مساء، أما القاعات والمعامل والمكتبات فأبوابها مشرعة طوال اليوم ما عدا في (الويك اند) حيث يستمتع الجميع بإجازتهم لا قصى حد.
الحديث ذو شجون لكن حقيقة اذا أردنا أن نلحق بركب الدول الكبرى والمتقدمة فنحن حقيقة نحتاج لثورة تصحيحية ثورة لفجر جديد ضد كل هذه العادات والمفاهيم المهلكة ورفع سقف الإنتاج وساعات العمل وإراحة أجسادنا والتوكل على الله بعد صلاة فجر مبروكة نحمل معاول البناء في الطريق نحو الغد المشرق وأمل جديد تبرق بروقه في دواخلنا في انتظار خريف يسقي أرضنا وطموحاتنا الجدباء هذا وكل عام وأنتم بخير.