المرأة السودانية تعتلي منصة القضاء
بقلم/ حامد محمد حامد
ليس هذا على التحقيق دفاعاً عن المرأة السودانية رغم أننا ما زلنا بحاجة إلى الدفاع عنها نسبة لما تعرضت له خلال ربع القرن الأخير حين انطلق تيار العودة إلى الماضي والقديم وتقديس ذلك الماضي، وجعل هذا التيار المرأة هدفاً وميداناً لمعتقداته الدينية فانطلقت الفتاوى التي تجعل من المرأة كلها عورة.
وكانت المرأة كما هو معلوم في المشروع الوطني النهضوي إنساناً له قيمة إنسانية لما للمرأة من واجبات وحقوق، ولكنها في المشروع السلفي صارت مجرد (موضوع) يفتي فيه بالتحليل والتحريم، وإنساناً ناقص الأهلية مع أن الإسلام- مع محدودية معرفتي المتواضعة- أنصف المرأة، وكانت دعوة النبي صل الله عليه وسلم غاية في الإنسانية والتقدمية فقد منع وأد البنات، ومن ثم منع اعتبارهن عورة فقد جعلها الإسلام إنساناً مكتمل الإنسانية ولذا: فإن ما تنادي به التيارات الظلامية هو إهدار حقيقي لروح الإسلام وهذه مجرد إطلالة قصيرة.
وددت أن أقول أن المراة السودانية حققت نجاحات كثيرة مهمة، ولعبت أدواراً عليا بعد أن صارت أستاذة جامعية وطبيبة وبرلمانية ومهندسة ومعلمة وباحثة في شتى الميادين المعرفية بل تبوأت حقيبة الوزيرة. وجاء ما حققته نتيجة جهد حقيقي ونضال مستمر ومتواصل قامت به القوى المستنيرة في هذا المجتمع.
ولم تكن ما حصلت عليه المراة السودانية منحة من أحد أو هبة أو بقشيش وطني قدمه لها أحد الكرماء، بل إن ما تحقق للمرأة كان متضافراً مع المشروع الوطني السوداني الذي له مواقف مشرفة عبر التاريخ الحديث.
وقد تحقق التصويت دستورياً للمرأة في جميع الانتخابات التي أجريت في السودان وعددها ثماني منذ بداية الترشيح للمجلس النيابي بعد اتفاقية الحكم الذاتي للتصويت في الانتخابات العامة البرلمانية التي جرت في العام 1953م، وفي الانتخابات الأخرى التي جاءت في الديمقراطية الثانية عقب ثورة أكتوبر 1964م؛ حيث ترشحت فقيدة الوطن المناضلة فاطمة أحمد ابراهيم في دوائر الخريجين الخمسة عشر وفازت بعضوية البرلمان، إلا أن الطائفية قامت بحل الحزب الشيوعي وهي من أعضائه وحدث هذا رغم ما يتمتع به الزعيم اسماعيل الأزهري من تاريخ ناصع في الحركة الوطنية إلا أنه وافق على حل الحزب الشيوعي وكان يومها رئيساً لمجلس السيادة.
أردت بهذه الواقعة المريرة أن أتعرض لاعتلاء المرأة السودانية منصة القضاء محرزة سبقاً على مستوى عشرة دول عربية سمحت بذلك للنساء بكرسي القضاء أولها دولة المغرب، وآخرها عمان وفلسطين وكان السودان البلد الثاني.
*إعتلاء المرأة السودانية كرسي القضاء
وإليكم تفاصيل قصة إعتلاء المرأة العربية ومن بينها السودان، منصة القضاء وبالنسبة لمصر وبالتحديد في عام 1951م عندما احتجت الدكتورة عائشة راتب السفيرة والوزيرة فيما بعد.. بعد أن قبل سلك القضاء من هم أقل من المرأة تفوقاً في الدراسة وطالبت الدكتورة عائشة بحق المرأة القانوني والدستوري أمام مجلس الدولة، كما أصدر الدكتور العلامة الشهير عبدالرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة في ذلك الوقت حكماً أكد فيه أنه لا مانع دستوري أو شرعي أو قانوني يحول دون تعيين المرأة في سلك القضاء إلا أن المرأة المصرية حصلت على حقوقها السياسية بعد ذلك والتي أقرت في الدستور المصري عام 1956م ولم تكن قد إعتلت بعض أعلى المناصب القيادية ورغم هذا وحسب معلومات موثقة فإن المرأة المصرية استمرت طيلة العقود السابقة حتى مطلع الألفية الثالثة في عام 2001م بعيدة عن منصة القضاء المصري حتى بعد أن حصلت على حقوقها السياسية التي سبق إقرارها في الدستور المصري عام 1956م إبان شباب ثورة يوليو 1952م وكذلك بالمثل الدول العربية ومن بينها السودان كانت لا تسمح للنساء باعتلاء منصة القضاء إلا أن المراة المصرية عينت مستشارة قانونية.
*منصة القضاء
أما اليوم وحسب المعلومات التي توافرت عبر الأجهزة الدولية والقضائية فإن أكثر من ألف إمرأة عربية تعتلي حالياً كرسي القضاء في 10 دول عربية ومن بينها السودان، إلا أن المغرب تعد أول دولة عربية عملت فيها النساء بالقضاء لأول مرة في عام 1959م وقد كشفت معلومات أن القاضيات بالمغرب حالياً ربما يفوق أكثر من خمسمائة قاضية ومن بينهن رئيسة للمحكمة الإبتدائية وأخرى للمحكمة التجارية.
*السودان البلد الثاني
أما السودان فهو البلد الثاني بعد المغرب فقد عينت أول قاضية بعد ثورة أكتوبر بسنة واحدة أي في عام 1965م عينت إحسان فخري أول قاضية، وأيضاً في نفس العام تم تعيين فريدة إبراهيم حسين، واستمرت التعيينات بعد ذلك. ومن الرائدات في السلك القضائي السوداني رباب أبو قصيصة واستمر التدفق بعد ذلك حتى فاق أكثر من مائة وخمسين قاضية أيضاً من المستجدات تقلدت القاضية سنية الرشيد رئاسة المكتب الفني بالقضائية.
وأنتهز هذه الفرصة الفريدة والشيء بالشيء يذكر أنه بعد 19 يوماً من الإنقلاب المايوي بالتحديد التاريخي أي في اليوم الرابع عشر من شهر يونيو 1969م أقام النظام المايوي ما سميت آنذاك بمذبحة القضاة فقد أقال النظام “14” قاضياً معظمهم قضاة محاكم عليا وجاء هذا نتيجة مذكرة قدمها أمين الشبلي وزير العدل وأوضح فيها أن هؤلاء القضاة الـ(14) غير موالين للنظام.
*لبنان البلد الثالث
كان لبنان القطر العربي الثالث بعد السودان، وتولت المراة اللبنانية كرسي القضاء في العام 1966م وأخذ العدد يزداد. وتقول تقارير إخبارية إن عدد اللبنانيات القضاة وصل قبل سنوات إلى أكثر من أربعمائة وكان حتى عام 2006م (327) قاضية وشغلت قبل عشر سنوات أي في 2007م قاضية منصب رئيس المحكمة الأولى بالعاصمة اللبنانية بيروت.
وجاءت تونس في عام 1968م وبعضهن تقلدن مناصب عليا في القضاء والنيابة التونسية ثم جاءت سوريا البلد الخامس في عام 1975م حيث دخلت المرأة السورية سلك القضاء وبلغ عددهن أكثر من مائتين ثم بعد هذا المرأة اليمينة بعد خمسة عشر سنة أي في 1990م.
أما في الأردن فقد عينت المرأة الأردنية بقرار سياسي في عام 1995م رغم أنه حسب معلوماتي لا يوجد قبل ذلك قانون أو لائحة تمنع المراة الأردنية كرسي القضاء إلا أن المجتمع الأردني له نظرة في هذا الشأن وفي عام 1996م تم تعيين أول قاضية في فلسطين.
*دول الخليج
أما عمان فهي الدولة الوحيدة في دول الخليج التي شاركت فيها المرأة العمانية في ولاية القضاء وحدث هذا في عام 1997م كما تم تعيين نساء في عضوية مجلس الدولة العمانية.
*السودان مرة أخرى
وبلمحة تاريخية لتسلسل المسيرة العدلية في السودان يتضح أن كافة محاكم القطر كانت تدار مركزياً برئاسة الهيئة القضائية بالخرطوم – وفي عام 1938م عند تقسيم السودان إلي مديريات قامت الهيئة القضائية بتقصير الظل القضائي فأنشات أجهزة قضائية بالمديريات بهدف تحقيق العدالة للمواطنين حتى يتم حل لنزاعاتهم في مواقعهم فكان تكوين الجهاز القضائي بالإقليم الأوسط وتمشياً مع توجهات الدولة بالسودان لتحقيق الحكم الفيدرالي بتقسم البلاد إلى “26” ولاية، وفي عام 1992م قلصت الولايات إلى ثمانية عشر ولاية. وفي 1/1/1994م تم تقسيم الجهاز القضائي بالولاية الوسطى التي تضم الجزيرة والقضارف والنيل الابيض إلى أربعة أجهزة قضائية.
وهنالك معلومات أخرى جديرة بالإفصاح أن أول محكمة عليا تم إنشاؤها بمديرية النيل الأزرق ورئاستها آنذاك كانت مدينة ود مدني فقد عين مولانا عبدالرحمن النور بعد إجراء السودنة في عام 1955م تم تعيينه قاضياً للمحكمة العليا وكان من قبله القاضي الإنجليزي بودلي وإن أول قاضي رئيساً للقضاء بالسودان كان هو مولانا محمد أحمد أبو رنات بعد سودنة السكرتير القضائي وعمل أبو رنات رئيساً للقضاء في الفترة من 1956م-1964م وغادر بعدها إلى نيجيريا وأعد للدستور النيجيري وخلفه بعد ذلك برئاسة القضاء السوداني بابكر عوض الله الذي تحول بعدها إلي سياسي تاركاً القضاء حيث انضم إلى النظام المايوي في 1969م.