الاغتراب.. بين الابتعاد عن الوطن وتحقيق الذات…

0 111

عسجد ابراهيم

مهما طالت سنين الغربة بالمغتربين، فإنهم يظلون يعتقدون أن غربتهم عن أوطانهم مؤقتة، ولا بد من العودة إلى مرابع الصبا والشباب يوماً ما للاستمتاع بالحياة، وكأنما أعوام الغربة جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب.

لاشك أنه شعور وطني جميل، لكنه أقرب إلى الكذب على النفس وتعليلها بالآمال الزائفة منه إلى الحقيقة. فكم من المغتربين قضوا نحبهم في بلاد الغربة وهم يرنون للعودة إلى قراهم وبلداتهم القديمة! وكم منهم ظل يؤجل العودة إلى مسقط الرأس حتى غزا الشيب رأسه دون أن يعود في النهاية، ودون أن يستمتع بحياة الاغتراب! وكم منهم قاسى وعانى الأمرّين، وحرم نفسه من ملذات الحياة خارج الوطن كي يوفر “الدريهمات” التي جمعها كي يتمتع بها بعد العودة إلى دياره، ثم طالت به الغربة، وانقضت السنين، وهو مستمر في تقتيره ومعاناته وانتظاره، على أمل التمتع مستقبلاً في ربوع الوطن، كما لو أنه قادر على تعويض الزمان!

كما أن الكثير من الشباب من الجنسين يبتعدون عن وطنهم تاركين خلفهم أحبة وأصدقاء، منهم من يعيش على أمل العودة، ومنهم من يترك ذلك لظروف الاغتراب والهدف الذي يهاجر لأجله، من هؤلاء يتغرّب طالباً العمل لعدم توفر فرصة تناسبه، وبعضهم من تقتضي ظروفهم الأسرية ذلك، ولا يعودون لوطنهم، الأمر الذي يقتضي تأقلمهم في بيئة وحياة ومجتمع وعادات اجتماعية جديدة لم يعتادوها من قبل، آخرون يعيشون بقسوة وآلام الواقع الذي وإن فُرض عليهم لا يطاق وينتظرون بلهفة وشوق شديدين للعودة إلى ديار الوطن الغالي، مفضّلين العيش على ثراه..‏‏

ويمكن أن نقول الغربة إحساس داخلي يختلف من إنسان لآخر، فمنهم من يجعله البعد عن الوطن رقيقاً في معاملته دون أن تذهب به الرقة إلى الضعف، وشديداً دون أن تذهب به الشدة إلى العنف، ومنهم من تجعله الغربة حريصاً يعرف معنى التعب والتحصيل والجهد، فيما قسم آخر من الناس تقودهم هذه الظاهرة إلى الإسراف وحب الترف واللهو، والتكبر والبغي ووضع أموالهم في طرقات وأماكن تسبب هلاكهم لكن بالنتيجة تترك الغربة بصمات مؤلمة وجراحاً صعبة الاندمال وتعجز العبارات أمامها عن توصيف الحالة التي يمر بها المغترب عن دياره…

asgedibrahim13@gmail.com

Leave A Reply

Your email address will not be published.