وزير الزراعة الاتحادي لمزارعي الرهد: ” كان ما ملصتو السياسية وجدعتوها الشغل ما بمش”
تقرير/ راشد حامد عبدالله
مشروع الرهد الزراعي على أهميته الاقتصادية الوطنية بحصيلة الصادر من العملات الأجنبية؛ إلا أن إشكالاتٍ أساسية على رأسها “الري” القضية الأعقد من نوعها تظل حاضرة بقوة، وتشكل العامل الأبرز في خروج مساحات كبيرة عن دائرة الإنتاج..
قضية وباستمرار تظل طافية على السطح؛ عصية على الحل بسبب تعقيدات كبيرة على الأرض حال استقر الرأي على الحل الأقل صعوبة وهو صيانة الطلمبات؛ في ظل إحلال يتطلب عملات أجنبية، وتصنيع وفق معايير وقياسات تجعله بعيد المنال في بلدٍ أعياها التضخم والانهيار الاقتصادي برغم ما تذخر به من إمكانيات وموارد..
ويعتمد الرهد على نظام ري تكميلي مزدوج من نهر الرهد، ومجموعة طلمبات خرج أكثرها من الخدمة عدا أربعة وذلك من أصل أحد عشرة طلمبة، حيث لا تفي المجموعة الحالية بحاجة المشروع لري المحاصيل، وسقيا السكان..
رؤية مزارعي الرهد بشأن المشروع وإدارة نظام الري بأقصى إمكانية تتحق بإحلال وإبدال طلمبات جديدة ويعنون هنا إحلال سبع طلمبات، وتوفير الكهرباء اللازمة لتشغيلها، بجانب تطهير القنوات، والمصارف، يترافق مع ذلك إلتزام إدارة الري؛ بري جميع المساحات المزروعة في الوقت المناسب..

رؤية طرحها مزارعو الرهد بين يدي وزير الزراعة الاتحادي المكلف د. أبوبكر عمر البشرى، ومدير عام هيئة الرهد الزراعية، ومدير الري؛ خلال جولته التفقدية للمشروع، وطالبوا من خلالها بدمج إدارتي الري والزراعة للاطلاع بمسؤولياتهم..
المذكرة التي استعرضها المزارع عبدالعظيم القوم رئيس جمعيات تنظيمات المهن الزراعية، لفتت لأهمية مساهمة الحكومة الولائية والمحلية في تكاليف الري، وإلغاء الضرائب والرسوم المفروضة على المزارعين مقابل سقيا مواطنيها، وثروتها الحيوانية..
كما نبهت لضرورة توضيح العلاقة الإنتاجية بين المزارعين وإدارة الري ليتحمل كل طرفٍ مسؤوليته، مشيراً إلى قيام مشاريع- دون تسميتها- أصبحت خصماً على مياه ري المشروع..
وفي جانب الإدارة الزراعية، أشارت المذكرة إلى تكامل إدارة هيئة الرهد الزراعية؛ حيث تضم جميع الأقسام التي ينبغى أن تساهم في العملية الإنتاجية، تشمل الهندسة الزراعية، الإرشاد الزراعي، الاستثمار والغابات، إكثار البذور، والتي قامت بإمكانيات ضعيفة لا تفي بالغرض، ما يحتم العمل على دعمها بميزانيات خاصة تمكنها من تقديم الخدمات المطلوبة..

المذكرة وبدون مواربة دعت لإلغاء قانون الهيئات، وإعادة قانون مؤسسة الرهد الزراعية حتى تطلع الدولة بدورها وتتحمل مسؤولياتها، ويشتري المزارع الخدمة المطلوبة بقيمتها..
وحتى تستقيم العلاقة بين الهيئة والمزارعين؛ يجب العمل وفق المذكرة على إلغاء قانون الهيئات وإعادة قانون المؤسسة، أو أي شكل تراه الدولة مناسباً، بجانب تفعيل الضوابط القانونية في علاقة الإنتاج، وتوزيع المدخلات الزراعية بعدالة عبر الإدارة في الوقت المناسب، وعدم التدخل الإداري في شؤون المزارعين، وإحكام الرقابة وضبط المخالفين..
كما ينبغي العمل على تعظيم استفادة المزارع من الأموال التي يدفعها نظير خدمات إنتاجية نحو الحماية، والري، والخدمات التي يدفعها قسراً دون الاستفادة من سياسة فرضها.. وعلى المستوى العام؛ هنالك مشاكل لا تحل إلا مركزياً..
وتبرز معوقات أخرى من قبيل غلاء المدخلات، تدني أسعار المحاصيل، الضرائب الولائية خاصة القضارف، عدم توفر الوقود للزراعة.. وينتظر المزارعون توجيهاً من الوزارة الاتحادية للقطاع المصرفي لتمويل الجمعيات الزراعية..
وانتقد المزارعون في مذكرتهم لوزير الزراعة التأمين الزراعي في السودان، ورأوه قاصراً ولا يرقى لمفاهيم التكافل، وطالبوا بمراجعته ليكون عادلاً وشفافاً يحقق إنتاجاً ملموساً ويجبر الضرر..
وفي جانب الزراعة التعاقدية؛ فإن المزارعين يرون فيها مخرجاً مهماً استناداً على شركاء الإنتاج بالرهد.. وقد بدأت كفكرة وانتشرت على مستوى السودان، غير أن بعض الشركات فشلت في سداد استحقاقات المزارعين، وأرباحهم.
ولما كانت الدولة هي الراعي للمزارعين؛ فإنهم يرون في عدم إيفائها باستحقاقاتهم؛ إجهاض لهذه التجربة الرائدة – حد وصفهم- مما يترتب عليه خلل في المستقبل.. يضاف إلى ذلك عدم توفير المدخلات الزراعية في وقتها من تقاوي وأسمدة..

وتطرقت المذكرة التي تسلمها وزير الزراعة الاتحادية لتنظيمات المزارعين، حيث صدر في العام 2011م قانون تنظيمات جمعيات الإنتاج الزراعي والحيواني والذي ينظم المزارعين في جمعيات إنتاجية طبقاً لما جرى العمل به في كثير من الدول النامية التي تعتبر فيها الزراعة قاطرة الاقتصاد بتولي المزارعين أمر إنتاجهم، ومسؤوليتهم المباشرة..
وقد أصبح بإمكان المزارعين وفقاً لهذا القانون؛ طلب التمويل اللازم، وإدارة العملية الإنتاجية، وإنزاله من الجهات المعنية عبر الوزارات المختصة وذلك لترقية الإنتاج، وتسويق المنتج وتصديره، وتوفير عائد صادر من العملات الصعبة لخزينة الدولة..
ووفقاً للمذكرة؛ يظل مشروع الرهد “واعداً” وبه مجتمع متماسك، تحكمه علاقة إنتاجية امتدت (40) عاماً وفق تنسيق محكم دون إخلال بهذا النظام.. وثمة قناعة راسخة بأن غبن المزارعين والتغول على حقوقهم في تمثيل أنفسهم سيؤثر على الإنتاج ويكون الخاسر الأكبر هو السودان..
ويتعين على الوزارة الاتحادية كما طلب المزارعون بذل الجهد لوضع الأمور في نصابها، وتحقيق إرادتهم نحو خير الوطن، ووعدوا بأن يكون الموسم القادم أفضل طالما تحققت الاحتياجات المطلوبة..

وبالعودة لقضية الري؛ ما زالت المخاوف تستبد بالمزارعين، وقد زادت زيارتهم الميدانية مؤخراً لطلمبات مينا بواعث القلق في أنفسهم فالأمر وفيما يبدو غير مطمئن من ناحية الصيانة الداخلية، والمواجر، والترع، والمصارف التي ظلت على حالها لنحو ثلاث سنوات كما أقرت بذلك سلطات الري؛ ما يهدد بضياع جهود المزارع..
وكذلك تتنامى الحاجة لتشغيل مزيدٍ من الطلمبات المتوقفة لدعم الأربعة العاملة لضمان الري.. ويتطلع المزارعون لتوجيهات اتحادية تؤمن دعماً مركزياً للصيانة حتى تتوفر مياه الري لأكبر مساحة، وبرزت مطالب بإنشاء جسم يمثل أضلاع العملية الإنتاجية ممثلة في الإدارة، الري، المزارع.. ودفع البعض في اتجاه إحلال الطلمبات، وتشغيلها بالطاقة الشمسية..

مدير الري من جانبه قال إنهم ملّكوا المشاكل والتحديات الكبيرة التي تواجههم لوزير الزراعة الاتحادي الذي دخل معهم في مشاورات حول متطلبات الإحلال والإبدال، والصيانة؛ حيث تعتبر الصيانة لطلمبات إضافية الوجهة الأرجح في ظل ضيق الزمن، وصعوبة الإحلال المرتبط بمكونات أجنبية في التمويل والتصنيع.. غير أنه يظل مسعى مستمراً..
وزير الزراعة الاتحادي وفي أعقاب جولة واسعة، وجلسات مختلفة مع المكونات الرسمية والشعبية، عبر عن سعادته بالوقوف على مشاكل مشروع الرهد الزراعي.. وأبدى اهتمامه بقضايا العطش الذي ضرب مساحات كبيرة من المشروع..

الوزير رجا المزارعين بأن يلقوا بالسياسة بعيداً وقال: “أجدعوها بي غادي”.. وأعاد التأكيد: ” كان ما ملصتو السياسية وجدعتوها الشغل ما بمش”.. وأضاف: “نحن في الإدارة نحتاج التعامل مع جسم واحد يمثل المزارعين، قبل أن يعود لانتقاد السياسة في الزراعة والتأكيد على أنها تمثل صفراً كبيراً..
وفي سبيل اللحاق بالموسم القادم، وعد الوزير بالدفع في اتجاه صيانة أربعة طلمبات على أقل تقدير.. وقال: “ما بنرضى الناس يمرقوا من الموسم نهائياً”.. فالذي يخرج من الموسم سيكون مصيره السكن في الأطراف، وبيع المساويك، وهو ما لا يرضونه للمنتجين..
دوافع الوزير وكما ذكر لقبول المنصب هو النداء والواجب الذي أتاهـ في آخر العمر كفرصة لن تتكرر مرتين ما دعاه لعدم التفريط فيها طمعاً في خدمة البلاد بعيداً عن السياسة.. وينبع اهتمام الوزير بالمشاريع الزراعية كونها تمثل مصدر عيش للكثيرين، وتلك وجهة تمثل الثورة التي قامت من أجل معاش الناس.. وجدد تذكيره للمزارعين بضرورة نبذ السياسة ” أقلعوها وأجدعوها ورا، فالبلد دايرة حكمة وضراع، وما دايرة لسان”..
