واقع الثقافة بالجزيرة.. للقصة بقية

0 227

مجتبى معتصم عوض

عزيزي القارئ:

أحاول في هذه المساحة إلقاء الضوء على قضية ذات بعد قومي وحضاري ألا وهي: “الحركة الثقافية ما بين ملامح التطور والركود” مستشهداً ببعض الملامح في وطننا الحبيب لاسيما ولاية الجزيرة..

ويعلم الكل دور ولاية الجزيرة في إرساء وتطوير الحركة الثقافية في السودان؛ فهي الولاية التي تغذي الدولة بأبنائها الموهوبين في مختلف المجالات الأدبي منها والثقافي وحتى الرياضي، فمنذ مطلع القرن الماضي يعلم المتتبع لتاريخ وتطور الحركة الثقافية في السودان، أن ولاية الجزيرة هي أهم المصادر التي تغذي وتنمي الثقافة السودانية بمختلف أنواعها ومستوياتها..

 عزيزي القارئ:

 الفكرة من هذا المقال ليس هي ذكر أو حصر أدباء وشعراء ومسرحيي الولاية لتمجيدهم، أو شكرهم على دورهم في دعم حركة الثقافة في الدولة السودانية، ولكن الهدف هو توضيح شكل الركود الذي حل بهذه القضية ذات الجذور العميقة، والبعد التاريخي الأصيل الذي أسسه أجدادنا منذ عهود سابقة في ممالك كوش، والمقرة، وحضارة مروي القديمة فهم من أسسوا واقعنا الثقافي والحضاري في شكل أهراماتهم ونقوشهم الجدارية المستوحاة من حياتهم اليومية والتي تجسد أرشفة غير منقوصة لتفاصيل حياتهم وحروبهم وحتى الطبقية الإجتماعية جسدتها رسوماتهم ونقوشهم وقدمت لنا رسالة واضحة الملامح.

 فجدل الشَعَر (المُشاط) عرفته نساؤنا من ملكات وكنداكات الحضارات السابقة عبر تعاقب الأجيال، ويعتبر شكلاً من أشكال الفنون، وملمحاً حضارياً يميز نساء كل مجموعة سكانية عن غيرها، وأيضاً الوشم يعتبر علامة تميز بعض القبائل..

 وكما أسلفت أن العبرة من هذا المقال هي محاولة معرفة أسباب الركود الثقافي الذي حدث في الولاية ومحاولة تقصي أسباب هذا الركود والعمل على إزالة كل العقبات وإتمام النواقص.

ومن المعروف أن حركة الثقافة الديناميكية تبدأ من نوادي الأحياء والقرى والفرقان حيث تكتب لافتة باسم النادي مصحوبة بثلاث كلمات: (ثقافي– اجتماعي – رياضي)..

ففي زمن ليس ببعيد كانت النوادي تمثل منبراً إعلامياً ثقافياً وبوابة يمر عبرها كل المبدعين من أبناء الحي أو القرية ومن خلالها يعبرون إلى آفاق الشهرة في كل ضروب الثقافة: (مسرح– شعر- أدب– فنون)  وغيره.. والرياضة من مناشط مصاحبة لكرة القدم (طائرة – سلة– تنس) وغيرها..

لكن وللأسف في الآونة الأخيرة غابت تلك الملامح عن تلك الدُور وأصبح التركيز على منشط أحادي وهو كرة القدم لأنه يعتبر مصدراً للأموال، وأصبحت تجارة رائجة أدت إلى إهمال تام للجوانب الثقافية وحتى المناشط الرياضية..

 فلابد من عودة النوادي لسيرتها الأولى والإهتمام بالمناشط الثقافية والاجتماعية من الدولة والمعنيين بذلك..

أيضاً لا يفوتنا ذكر رافد مهم جداً من روافد الثقافة المدرسية وهو: “الجمعيات الأدبية” التي كانت تقام في المدارس عند نهاية كل أسبوع، حيث يتوافد الطلاب بمختلف فئاتهم العمرية ومراحلهم الدراسية بضروب  من المواهب في الغناء والمسرح والشعر وغيره، ويقدمون تلك الأعمال أمام معلميهم أهليهم وزملائهم ومن هنا كانت بداية كثير من العظماء (فنانون –مسرحيون- شعراء)..

 فغياب ظاهرة مثل هذه لاشك تؤثر في مواعين الثقافة وتطورها عليه يجب على إدارات التعليم ووزارته أن تعيد  تلك الفعاليات الطلابية داخل المدارس وتشرف عليها إشرافاً كاملاً.

**مسرح الجزيرة (حضارات سادت ثم بادت)..

يعتصرني الألم وتنتابني نوبات القلب القاتلة عندما أذكر وأبصر  ما حل بهذا الصرح والواجهة الثقافية التي تعبر عن إنسان تلك الولاية البكر.. يراودني إحساس بالتشنج والنوبات العصبية عندما أذكر أن مسرح الجزيرة الذي قد استضاف أعمالاً عالمية من الدراما على الصعيدين العالمي والمحلي، استضاف عملاً للأستاذ عادل إمام، ومجموعة الفاضل سعيد وفرقته عليه الرحمة.. كما واستضاف الدرامي العالمي إبراهيم خان في عمل، واستضاف الفنانة أم كلثوم وعصام كاريكا، فكيف لصرح مثل هذا أن يؤول إلى تلك النهاية الفاجعة..

حيث أصبح مسرح الجزيرة غابة من الحشائش تسكنه الزواحف والحيوانات المشردة من آدميين وأنعام، أين وزارة الثقافة والإعلام وأين نقابة الدراميين؟! أين مثقفي الولاية الذين يهمهم شأنها؟!..

 عليه نوجه رسالة للمعنيين بذلك أن يبادروا لإنعاش ونفخ الروح في هذا الصرح الهرم وكذا الحال في مركز شباب ود مدني والذي أيضاً كان يعتبر من واجهات الثقافة والرياضة في مدينة ودمدني حيث أصبح الآن مرعى للأنعام ومأوى للمتسولين، إضافة إلى سرقة بعض الأصول الثابتة بواسطة جماعة عديمة الضمير.. عليه نناشد وزارة الشباب والرياضة بصيانته ومده بالموظفين والفنيين..

وللقصة بقية !

Leave A Reply

Your email address will not be published.