مدنى أم المداين (٢).. الإبداع الفني وقامات شاهقة من رموز الأغنية السودانية
أحمد حمد
اشتهرت مدينة ود مدنى بمجال الفن والأدب والشعر والموسيقى على مر التاريخ، فقد أنجبت عدداً من رموز الأغنية السودانية الذين ذاع صيتهم فى كل محافل الإبداع الفني، ولمع نجمهم في سماءات الغناء فكان لها القدح المعلى فى تقديم كوكبة من رواد الأغنية السودانية الذين تصدرت أسماؤهم قوائم الفن والغناء في السودان..
نالت مدينة ود مدني الشرف الباذخ في الإبداع؛ ذلك لأن موقعها الجغرافي الوسط الذي يمثل نقطة تقاطع لجميع الثقافات السودانية، خلق منها موطناً للإبداع.. ومجتمع متعدد الثقافات، غني جداً بالإبداع واسع النطاق الفكرى والثقافى والاجتماعي.
فإنسان مدني يبدع من أجل الإبداع ليس من أجل الشهرة والإقناع؛ فشخصيته المتفردة؛ اكتسبت من الأزرق صفاءها، ومن جنائن حنتوب الجميلة خضرة مشاعرها، ومن هدوء مدني المنسجم ألقها وبهاءها.
** زمانك والهوى أعوانك
الفنان إبراهيم الكاشف أحد رموز الغناء السوداني؛ وقد كان له شرف نقل أغنية الحقيبة من الآلات التقليدية إلى الآلات الموسيقية الحديثة.. التقى الكاشف في بداية مسيرته الفنية بأحد شعراء العامية بمدينة ود مدنى وهو الشاعر علي المساح الذي لقب بالمساح لأنه كان يتجول صباحاً ومساءً بحثاً عن مواطن الإبداع.. فكانت البداية أغنية ( زمانك والهوى أعوانك) تلك الأغنية ذات التطريب العالي..
ثم تبعتها أغنية (الشاغلين فؤادي) وأغنية (إنت بدر السما) واللتين حققتا- فيما بعد- نجاحاً كبيراً.. وبعدها انتقل الكاشف إلى أم درمان و بدأ يتعامل مع مختلف شعراء القصيدة الغنائية في السودان من بينهم الشاعر الشهير عبيد عبد الرحمن..
رمضان حسن
ولد الفنان رمضان عام ١٩٢٩م (بدار أم بلال) واحدة من أقدم أحياء ود مدني، وهي تتوسط حي أم سنط ومارنجان حلة حسن، نشأ وترعرع رمضان في حي الدباغة ويعتبر حي الدباغة من الأحياء العريقة في مدني..
كان رمضان أحد رواد العزف على آلة الرق، ويمتلك صوتاً وأداءً فريداً؛ فعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي وجدها من والده في الاستمرار في مجال الغناء، إلا أنه استطاع أن يواصل مسيرته الفنية، فقد نصحه أصدقاؤه بأن يسافر إلى الخرطوم وبالفعل انتقل إلى العاصمة في الأربعينات وسكن الديوم القديمة وبالتحديد ديم سلك الذي كان يعمل معظم سكانه بالسلكية والتلغراف..
من أشهر أغنياته (افتتان) التى اشتهرت ( بالزهور صاحية وإنت نائم) وأغنية الأمان التى تغنى بها من بعده الأستاذ الراحل مصطفى سيد أحمد (أبو السيد) الذي أضفى عليها لونية خاصة.
** دار أبوي ومتعتي وعجني
هذه الكلمات التي تخاطب وجدان إنسان “مدني” شخصياً دون سواه، وتجسد حبه لهذه المدينة المعطاء إنها كلمات أغنية ود مدني؛ تلك الأغنية مجهولة الشاعر التي تغني بها الموسيقار محمد الأمين ابن مدني البار فقد كان “ود اللمين “حتى منتصف الألفية الثانية لا يتعذر حضوره لإحياء ليلة رأس السنة في واحدة من منتزهات وحدائق مدني الوارفة.
الفنان الموسيقار محمد الأمين حمد النيل الإزيرق، أو كما يحلو لأهل ودمدني أن يطلقوا عليه اسم (وداللمين) و معجبيه ب(أبو اللمين)، هو أحد ثمرات مدني فى مجال الغناء، نشأ ود اللمين منذ صغره متعلقاً بالفن والموسيقى في تحركات طفولته ماةبين أهله ودار أبيه وأعمامه في ودمدني تارة وفي (ود النعيم) ضاحية ود مدني حيث الجذور الأولى..
إشتهر الأستاذ محمد الأمين فى بداياته الفنية بأغنية الحقيبة التي وضع كلماتها الشاعر الراحل صالح عبدالسيد (أبو صلاح) وهي أغنية (بدور القلعة وجوهرا) والتي ظلت مرتبطة بمحمد الأمين عندما وضع لها توزيع موسيقى فريد ونالت تلك الأغنية شهرة كبيرة وقبولاً واسعاً.
عركى البخيت
ولد فنان الجماهير أبو عركى البخيت بمدينة ود مدني؛ وانتقل إلى العاصمة فى بدايات الستينيات ليواصل مسيرته الفنية هناك، حيث توفر وسائل الاتصال الجماهيرية كالإذاعة السودانية والتلفزيون السوداني والصحافة المحلية من بينها مجلة (هنا أمدرمان) التي كانت تصدر من وزارة الاستعلامات والعمل السودانية فى ذلك الوقت..
ظهر عركى فى حفلات الأحياء بالعاصمة المثلثة بمشاركة أدائه لبعض أغنياته كبار الفنانين من بينها عزة في هواك لخليل فرح بينما كانت أغنية (بوعدك يا ذاتي يا أقرب قريبة) التى صاغ كلماتها الشاعر فضل الله محمد ولحنها الفنان محمد الأمين، من أول أغنياته التي تغنى بها وهو لا يزال طالباً فى الجامعة..
فتوالت بعد ذلك إبداعاته فكانت أمونة، وأضحكي، والوجع الخرافى، وياقلب، وغيرها من الأغنيات التي حركت مشاعر الجماهير .
**أخيراً
هذا قليل من كثير، وغيض من فيض المبدعين الذين خرجوا من هذه المدينة التى تفردت بالفن والإبداع والجمال.
