داء اللا تدبر!

0 121

أ.د.فؤاد البنا

إن تدبر القرآن وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، يُعد فريضة قرآنية وضرورة عقلية؛ لأنه يمنح العقل بوصلة الرشد ويملأ القلب بطاقة الخشية، ومن الرشد والخشية تتكون التقوى، وحينما توجد التقوى في جوانح المؤمن تترسخ دولة الله في قلبه، بحيث يستحيل أن يراه الله مقارفاً للنواهي الكبيرة أو ممتنعاً عن تطبيق الأوامر المتصلة بشُعب الإيمان.

وإن قيام شخص ما بحفظ القرآن في خزائن ذاكرته، من غير أن تقوم مدارك عقله وملكات قلبه بتدبر معانيه، إنما يضيف نسخة إلى مئات الملايين من نسخ المصحف الشريف الورقية والإلكترونية الموجودة في عصرنا، ولا يمكن أن يصنع هذا الحفظ شخصية قرآنية تجيد تمثل تعاليم الإسلام في مختلف دروب الحياة، وتجسدها بصورة راقية في الأفكار والأقوال والأفعال!

ولا يمكن أن يصبح رقما صحيحاً في أمته ويمثل قيمة مضافة إلى مجتمعه، من حفظ القرآن لكنه لم يتجاوز حنجرته، ذلك أن التدبر بشقيه العقلي والقلبي، هو الذي يصعد بمعاني القرآن إلى العقل ليستثير مداركه ويستفز طاقاته، بحيث يُذكي ذكاءه وينمي نباهته، ويمنحه القدرة على التفكير السوي والتقدير السليم، وهو الذي يهبط بمشاعر القرآن إلى أنحاء قلبه ليزرع فيها أشجار الخشية التي تهتز وتربو كلما هبّت رياح الذكر والفكر وكلما سمعت آيات الله تتلى عليها؛ فتتخلق لدى الشخص الدافعية للاستقامة على طريق الحق الشامل في مختلف زوايا الحياة، غير سامح لنفسه بالتذرع بأي سبب للتقصير في حراسة أي ثغر والتسبب في تحويله من ثغر إلى ثغرة، مهما كانت الأوضاع صعبة والعداوات مستحكمة !

وبهذا يتبين لنا أن انعدام التدبر هو داء عضال وسبب جوهري في صناعة التدين المنقوص والسماح للتدين المغشوش بأن يجد قابلية في مجتمعاتنا الإسلامية؛ ذلك أنه مهما زاد عدد حفاظ القرآن وتضاعف عدد القارئين له، فإن الحال لن يتغير والأوضاع لن تتطور.

فالتطور رهينٌ بتغيير ما بالأنفس، وجوهر الأنفس هو العقول والقلوب، وأنّى لعقول أن تتفتق ولقلوب أن تنبثق، دون أن تنسكب عليها هدايات القرآن الكريم فتسقيها وترويها؟!

Leave A Reply

Your email address will not be published.