🔮معضلة الأمية الفكرية!
أ.د: فؤادالبنا
يشهد واقعنا بأن منابع أكثر مشاكلنا وإشكالاتنا موجودة في دواخلنا؛ نتيجة البعد عن الإسلام أو لعدم فقه نصوصه والإحاطة بمقاصده.
ويشهد هذا الواقع أيضا بأن أكثر مسلمي عصرنا لا يستطيعون (قراءة) الفوارق التي تنتصب بين عدد من الثنائيات التي تبدو لأول وهلة وكأنها متشابهة أو متقاربة، كالفرق بين التفاعل الحضاري الواجب مع الأمم الأخرى وبين الغزو الثقافي المحرم؛ وذلك نتيجة معاناتهم من داء وبيل يسمى (الأمية الفكرية)، رغم أنهم قد يكونون ممن يقرؤون ويكتبون وربما ممن يحفظون القرآن ويتلونه بصورة مستمرة!
ويمكن تعريف (الأمية الفكرية) عند المسلم بأنها سوء فهم لنصوص الوحي أو سوء تقدير لأحداث لواقع، وهي آفة تصيب التدين الذي لا ينبني على تدبر عميق للوحي ولا على قراءة دقيقة للواقع، وهو من علل التدين التي أصابت بني إسرائيل وانتقلت وفق سنن الله إلى المسلمين، مثل سائر العلل والآفات التي حذر محمد صلى الله عليه وسلم أمته من الوقوع فيها.
وفي معرض تشريح الله لعلل تدين أهل الكتاب، قال تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون}، وتأتي الأماني والظنون لبعض المسلمين نتيجة عدم تدبر القرآن الكريم؛ ولذلك فقد كان التدبر هو حجر الزاوية في قضية التفاعل الرشيد مع القرآن الكريم، لدرجة أن الله علّل إنزال القرآن إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر، فقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، فأقام الوسيلة مقام الغاية؛ لأن الغاية وهي الهداية لا تتحقق إلا بالوسيلة وهي التدبر.
ويشمل التدبر أمرين أساسيين يهدفان إلى فهم مراد الخالق وتحويله إلى مسلمات يقينية تسعى للتحقق في الواقع، وهما:
الأول: سعي العقل لاستيعاب المعاني الثاوية في الألفاظ، وذلك عبر إطلاق كافة المدارك العقلية للتفكر، وتوفير الأجواء المناسبة للتأمل الخالي من الشواغل.
الآخر: سعي القلب للانفعال بتوجيهات القرآن، عبر الخنوع لمراد الله والخشوع أمام جلال الله، واستحضار أن الله يخاطب القارئ وحده في تلك الأثناء التي يقرأ فيها آيات القرآن الكريم.
أستاذ الفكر السياسي الإسلامي -جامعة تعز