كلية علوم وتكنولوجيا الغابات.. إجماع على حتمية البقاء
تقرير/ راشد حامد عبدالله
صياغة منهج كلية علوم وتكنولوجيا الغابات على أساس كفاءة الخريج والمتوقع منه لم يعهده السودان منذ كلية كتشنر في العام 1924م. يقول بروفيسور حسن عثمان عبدالنور (المدير العام الأسبق للهيئة القومية للغابات).. لتبرز حوجة المجتمع للخريج والكلية من خلال منهج صاغه خبراء أسهموا في صياغة ومراجعة مناهج الغابات في إفريقيا وجنوبها.. كما يعزز هذا المنهج مقدرة الخريج على التوظيف الذاتي..

ويطمح عبدالنور إلى تكون هذه الكلية قاعدة الحماية للغابات في السودان والعالم فيما يتعلق بالتنوع الإحيائي، ووقف زحف الرمال كتخصص نادر، وتصنيع المنتجات غير الخشبية، وترقية وظائف الغابات للحفاظ على التنوع الإحيائي، والحد من تأثيرات التغير المناخي..
بروفيسور “عبدالنور” المتخصص في وقاية الغابات؛ والمدير الأسبق للهيئة القومية للغابات؛ وزير دولة بوزارة الزراعة؛ مسؤول غابات الشرق الأدنى في الفاو والصمغ العربي، بدت تساؤلاته أكثر وضوحاً في جلسة مفاكرة أعتدت لها كلية علوم وتكنولوجيا الغابات للنظر في مستقبل الكلية بعد قرار دمجها بأحد أقسام كلية العلوم الزراعية..
يقول: كيف يتسنى لجامعة رائدة كالجزيرة ألا يكون لها كلية للغابات تسهم في إنشاء المعلومة، وتلعب الدور الأساس في معرفة البيئة الجافة القاحلة.. ويضيف: هذه الكلية تسهم في بناء المعرفة في عالم قائم على المعرفة؟!..

ويعيد تساؤلاته مجدداً: كيف يتسنى لها ألا يكون لها دور في إنشاء وإدارة الغابات الحضرية وهي تمتلك غابتي أم بارونة، وبانكيو.. معرباً عن أمله أن يتم تطوير الكلية لتكون رمزاً للغابة الحضرية في العالم، وأن يكون لها دور في خدمة المجتمع بتطوير الصناعات الزراعية الغابوية الحيوانية، فكلها تقوم على تكامل الغابات مع الحيوان.. وكان الرجل يُمني نفسه أن تنهض الكلية بالدباغة وود مدني..
كلية علوم وتكنولوجيا الغابات كما وصفها البروفيسور “عبدالنور” تعتبر “مسامر النُص” لأي صناعة في المجالات الزراعية الغابوية، ويرى أن العلاقات المنشأة حديثاً مع الصين، وتركيا، والعراق، يجب أن تدعم مبدأ المحافظة على البيئة، والبيئات القاحلة، وتثبيت الكثبان الرملية، ومنع الهبوب، ثم تصنيع الأدوية، والعقاقير، والطب البديل..
حديث عبدالنور شمل أيضاً الإشارة لعائدات المنتجات غير الخشبية والتي قد تصل ما بين 10- 15 مليون دولار، ما يفرض الاهتمام بهذه المنتجات عبر خريجي الكلية لتخرج بالبلاد إلى بر الأمان.. ويؤكد أن مقدرة الخريج على التوظيف الذاتي هي من مبررات بناء المنهج الذي شارك هو شخصياً في إعداده.. ويعلق بقوله: ” بين أيديكم كنز فلا تضيعوه”..
وينظر د. عبدالعظيم ميرغني إبراهيم مدير الهيئة القومية للغابات لنحو 15 عاماً ورئيس مجلس مكافحة التصحر، إلى كلية علوم وتكنولوجيا الغابات كجزء من قطاع الغابات بنهجها المتدرج.

ويسترجع الرجل بدايات التعليم الغابي في العام 1935م التي كانت أثناء الخدمة في المشاتل كجزء من مصلحة الغابات، فيما نشأت في الفترة من 46- 1948م مدرستان بالجنوب والشمال قبل أن تتطور بسوبا لبرامج الدبلومات ومن ثم بكالوريوس عام بجامعة الخرطوم، وأكد أن النقلة النوعية جاءت مع جامعة الجزيرة التي حققت طفرة نوعية في تعليم الغابات.. متسائلاً: هل بعد هذه الطفرة يعود الناس للخلف!؟..
ميرغني أشار في حديثه بجلسة المفاكرة إلى زيارته مباني الكلية وما لمسه فيها من جهد ضخم، وقال إنهم كانوا بصدد توفير “عربات” لترحيل الطلاب، لافتاً إلى أن شح الإمكانيات ترافق مع كليات الغابات حيث كان يتطلب الأمر الاتجاه لولايات الوسط “سنار- الجزيرة” للعمل في الغابات النيلية.. ويؤكد أنه لا يرى مبرراً بعد إنشاء الكلية لتحويلها إلى قسم. وأضاف بقوله: ” ما نضيع جهود بعض”..
مديرة المركز القومي للبحوث البروفيسورة زينب عبدالرحمن بدت هي الأخرى مندهشة لمبررات إلغاء كلية علوم وتكنولوجيا الغابات في منطقة تتمتع بموارد غابية كبيرة بينها 299 ألف فدان من الغابات المطرية من جملة 407 ألف فدان من الغابات والتي تمثل 7% من ولاية الجزيرة..

وأشارت لاتجاه الهيئة القومية للغابات مع الهيئة الولائية، لاستزراع 1005 فدان بأحزمة غابية من الأشجار المثمرة.. يضاف إلى ذلك وجود مصدرين لأكبر دخل في السودان وهما مشروعي الجزيرة والرهد..
كما نوهت لخطة الهيئة الرامية لزراعة 90 ألف فدان بمشروع الجزيرة، وإنشاء حظيرة محمية بالولاية، لافتة إلى أن وجود الغابات يُخفف المشاكل السياسية، ويقلل الاحتكاك بين الرعاة والمزارعين.. وأعادت تأكيدها بأن الكلية موجودة المكان الصحيح. وزادت: “أنا مستغربة للقرار”..
وقالت: “أول مرة أطّلع على منهج فريد في الغابات يواكب المتغيرات العالمية” قبل أن تعلن دعمها “بقاء” الكلية التي قالت إن لديها بنيات تحتية جيدة ككلية ناشئة.. وأقرت بافتقارهم في كلية غابات جامعة الخرطوم للمواكبة، ونوهت لشروعهم في خطتهم الجديدة لتطوير برامجهم لمواكبة تغير المناخ.. وقالت إنهم كانوا بصدد زيادة “ناس الغابات” في معهد أبحاث البيئة والموارد الطبيعية، وأبحاث التصحر، وفي العلوم الهندسية وعلوم المواد، ورأت أهمية كبرى في إنشاء الوحدات الجديدة لاستقطاب الدعم العالمي للغابات التي تمثل رئة الأرض..

وعبر د. عبدالله ميرغني الطيب العميد الأسبق لكلية الغابات جامعة الخرطوم، عن أمله في إعادة النظر في قرار دمج كلية علوم وتكنولوجيا الغابات في قسم البيئة والموارد الطبيعية بكلية العلوم الزراعية..
وقال ميرغني في مداخلة بجلسة المفاكرة حول قضايا كلية الغابات، كان تصورنا أن تلعب الكلية دوراً كبيراً في إدارة غابات ولاية الجزيرة، وتسهم في كل التقانات المرتبطة بالمنتجات الغابية الخشبية، وغير الخشبية..
وذكر أن مجلس أساتذة الجامعة قد أجاز مقترح إنشاء الكلية، وبدأت الدراسة بها، وكنا نتطلع لرؤية مخرجاتها في سوق العمل بعد استيفاء أول دفعة للبرنامج المؤهل لدرجة بكالوريوس العلوم في مجالي الغابات وتكنولوجيا الأخشاب، مضيفاً أنهم صُدِموا بصدور قرار من الإدارة السابقة للجامعة بدمج الكلية في قسم البيئة والموارد الطبيعية..
وقال إنه تشرف كعضو في اللجنة الزراعية والبيطرية والبيئية بالمجلس القومي للتعليم العالي التي حكمت المنهج، بعضوية لجنة النظر في إنشاء الكلية، حيث اطلعت اللجنة على المنهج ومفرداته وساعاته المعتمدة واقترحت تعديلات أخذت بها لجنة جامعة الجزيرة، كما زارت اللجنة مقر الكلية ووقفت على القاعات، والمعامل، ومكاتب الأساتذة، ودفعت بمقترحاتها التي تم الأخذ بها كذلك..
واعتبر ميرغني الكلية إضافة كبيرة للتعليم والبحث الغابي في السودان، وقد تم تصميم برامجها تأسيساً على أحدث طرق إعداد المناهج في العالم، وقد أسهم لفيف من كبار الأساتذة في مجال علوم الغابات في وضع المناهج وتحديد مفرداتها..

كان بروفيسور صلاح الدين العربي مدير جامعة الجزيرة، قل في مفتتح جلسة المفاكرة إن ما يليهم في الإدارة هو تنفيذ العملية الأكاديمية كما ينبغي.. مضيفاً أنها عملية تستند على المنهج، والأستاذ، وغيرها من المعينات والمقومات.. لافتاً إلى أن معظم الكليات الحديثة تعاني نقصاً في أعضاء هيئة التدريس..
وامتدح العربي الدور الكبير للعميد المؤسس د. حسب الرسول فضل المولى في تأسيس الكلية بصورة وصفها بالطيبة.. بجانب كوكبة أخرى من العلماء بينهم بروفيسور زينب عبدالرحمن (المدير العام للمركز القومي للبحوث) والتي لعبت دوراً بارزاً في تأسيس الكلية، وتحديد أهدافها، وكانت من بين المشاركين في جلسة المفاكرة..

وترتفع الأصوات المنادية كما ذكر العربي بضرورة إدراك قيمة الغابات وإسهامها في حماية الكرة الأرضية من المشاكل المحدقة بها ما يؤكد أهميتها القصوى، ودعا لمراعاة العلمية والمنهجية في جلسة المفاكرة للخروج بتوصيات يتم الدفع بها للجهات الأكاديمية، والعلمية، والإدارية بالجامعة..