مجتمعات قروية بالجزيرة تعقد قِران عشرات الطفلات
تقرير/ ود أبو حامد
كأصحاب السبت؛ استبقت مجتمعات قروية بولاية الجزيرة خطوة صدور قوانين تمنع زواج الطفلات وتحدد سن الزواج، بعقد قران العشرات منهن بشكلٍ جماعي؛ قبل سريان القرار ودخوله حيز التنفيذ.. َمن بين هؤلاء طفلاتٍ في مرحلة الأساس لم يتجاوزن التاسعة من العمر..
وتتمسك “مجتمعات” بمحلية أم القرى بممارسة عادة خفاض الإناث، وزواج الطفلات؛ إذ ترى فيها عرفاً وتقليداً اجتماعياً متوارثاً وجدوا عليه آباءهم؛ وتلحق بمفارقها الوصمة والعزلة الاجتماعية..
وفسر خبراء نفسيون حالة الانهيار والإغماء التي أصيبت بها طالبة الطب لحظة دخولها المشرحة، باستعادة ذكريات مشهدٍ طفولي دامٍ اختزتنه الذاكرة لسنوات طويلة، واختزنت معه لحظات ألمٍ فاقت طاقة تلك الطفلة التي شلتها أيادٍ هي الأقرب إليها مودة..
طعم ألم الشفرات الحادة وهي تقتطع نهاياتٍ عصبية حساسة، وتناثر الدماء في الغرفة موضع الجريمة، أيقظ كابوساً مؤلماً لم يُقلب أحدٌ صفحاته من قبل؛ ليمحو آثار تلك الفِعلة الشنيعة ويخفي ملامح مقترفتها باردة الإحساس، لتضعُف الثقة بالنفس، وينخفض التقدير للذات..
اسم الجزّارة “خديجة” جرى على لسان الصِغار بعفوية في تلك القرية حينما سئلوا عن من تُجري الخفاض وعنى بها السائل في مقصده “الداية”.. ليُدرِك الحاضرون سوء تلك الصورة المُختزنة في ذاكرة الصِغار لصاحبة الشفرات الحادة والملامح العصية على النسيان..
وانتقلت جامعة الجزيرة ممثلة في عمادة شؤون الطلاب، وبالتنسيق مع كلية المجتمع، والتعاون مع اليونسيف، إلى مناطق كيران، والجروراب بمحلية أم القرى لمناقشة عاداتٍ ضارة أرهقت كاهل المجتمع، وتُمارس ضد المرأة..
وحشدت العمادة مختصين وطلاباً في القطاعات الصحية ومكونات ثقافية واجتماعية في قوافل توعوية تتناول الجوانب الدينية، والصحية، والنفسية، والقانونية، في سياق التأصيل لبتر وتشويه الأعضاء التناسلية للمرأة وزواج الطفلات، والمضاعفات والمُشكلات العُضوية المُؤثرة على المرأة جراء ممارسة هاتين العادتين..
ويعزز المجتمع السوداني ويهتم بحسب الاختصاصية النفسية د. انشراح مصطفى، بالأعراض العضوية والجسمية، بينما يقل اهتمامه في الحالة النفسية.. لتتحول المشاكل النفسية لعَرَضٍ جسمي مقبولٌ اجتماعياً.. وبالنظر لأعداد المترددين على المستشفيات النفسية فإنها تَقِلُ كثيراً قياساً بالأعداد الحقيقية التي تحتاج الرعاية.. فهنالك خجل ووصمة تلحق بطالبي المعالجات النفسية..
وتنتج عن خفاض الإناث، وزواج الطفلات، أعراضٌ نفسية ترتبط به كثيراً ولكنها غير محسوسة لبقائها خلف الكواليس.. كما أنها تتسبب في نزفٍ داخلي ومعاناة لا يراها مجتمع يوصف بأنه سماعي ينظُر لما هو ظاهر فقط ويحكم على أساسه..
ويبرزُ الخِفاض كواحدة من أسباب المشكلات النفسية التي تبدأ منذ الصِغر بوقوعها في أيدي نسوة يطلبن منها ويجبرنها على الثبات في اللحظة التي يتم فيها بتر أعضائها وجزء من جسدها..
وقد ينتجُ عن ضيقِ المخرج المُترتب على الخِفاض؛ أطفال متخلفين، ومُعاقين يكونون عبئاً على الأسرة والمجتمع بعجزه عن مواكبة طُرق تعلُمِهم..
ولتغافلِ المجتمع عن ممارسة هذه العادات وتداعياتها المستقبلية، تنتج أشياءٌ تراكمية تؤثر على البنية النفسية التي تختلف عن الجوانب الأخرى؛ إذ يبدأ النمو والتطور للشخصية منذ ولادة الإنسان؛ وتظل السنوات الخمس الأولى من حياته حاسمة في تكوين مستقبله..
وتُمارس عادة الخِفاض- عادة- دون سن الخامسة وهي الفترة المِفصلية في تكوين الشخصية؛ ليستقبل المجتمع إنساناً مُشوهاً يشعر بنظرة دُونية، وانخفاض حاد في تقديره لذاته، وكثيرٌ من الخبرات السالبة- في طُفولته المُبكرة- مختزنة في عقله الباطن لتظهر السُلوكيات المضطربة..
وبتنامي الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، تتخلص بعض الأسر- بزواج الطفلات- من مسؤوليتها وتعلق الحبل برقبة شخص آخر يتحمل أعباءها ومسؤولياتها، إلا أنه قد يكون زواجاً في غير وقته ضحيته طفلة ما زالت تفتقد الأهلية للزواج من الناحية العقلية رغم الفوران الجسدي المستخدم كحجة بالغة..
غير أن الأمر وكما أكدت الاختصاصية النفسية، لا ينبغي أن يكون مجرد تزويج جسد، وإنما تقديم شخصية متكاملة ذات مقدرة، وخبرات، ورصيد اجتماعي ووجداني راسخ تتأسس عليه عملية التنشئة الاجتماعية..
ويقلل زواج الطفلات من فرص تحمل مسؤوليات الزواج وتبعات التنشئة الاجتماعية ويضعه على حافة النهاية لِتَزِلّ قدمها في أول نقاش بينها وبين زوجها وتهوي في جرف الطلاق السحيق..
وبتجذر مشكلة زواج الطفلات؛ وختان الإناث تزداد الأوضاع تعقيداً، ويتطلب تغييرها، تغيير النظرة للممارسة والفهم القائم على العلاقة بالعفة التي قد لا تتحقق ببتر الأعضاء التناسلية للطفلة، وإنما بالتربية السليمة.. كما يتطلب الأمر تعزيز القدرة على مواجهة المجتمع ومقاومة: “أن نصنع أصناماً ونظل لها عاكفين”..
القوافل التوعوية بمخاطر العادات الضارة، أتت كالتزام من جامعة الجزيرة بتعريف المجتمع بالمخاطر المترتبة على ممارسة هذه العادات التي أعاد د. قيس محمود حامد عميد شؤون الطلاب التأكيد بأنها: “عادات” وممارسات ليس لها مسوغ طبي، أو صحي، أو نفسي، أو دين، أو مجتمعي، وإنما هي مجرد عاداتٍ متوارثة آن الأون للتخلص منها..
ويرى حامد أن لفظة “الطَهُور” التي يطلقها المجتمع على الخفاض، غير صحيحة وإنما أريد بها إعطاء إشارة أن بهذه الممارسة طُهرٌ للفتاة.. ولكنها ليست حقيقة، فهو يظل خفاضاً وبتراً وتشويها للأعضاء التناسلية للأنثى.. ويُقدِم الوالدان على تزويج طفلتهما دون سن الـ”18″ رغم علمهما بأن ذلك ليس مسنوداً بدين، أو نخوة، ولا عاطفة الأُبوة والأمومة.. والخطوة في نظر عميد الطلاب “غير مبررة”..
وعلى الصعيد العالمي؛ فقد اهتمت كل الدول بصحة الأمومة والطفولة كمرتكز لصحة الأسرة والمجتمع، والمؤشر لنماء الدول، والأهداف الأساسية للتنمية المستدامة.. ومن أهم البنود التي ترتكز عليها صحة الأمومة والطفولة، هي خفض نسب وفيات الأمهات والأطفال..
ويتطلب تقليل نسبة الوفيات الناجمة عن النزيف والالتهابات المتكررة بحسب د. تسابيح مصطفى، محاربة عادة خفاض الإناث وزواج الطفلات ذلك لإسهامها في زيادة نسبة الوفاة بسبب عدم الاكتمال البيولوجي والهرموني للأنثى والذي تترتب عليه مجموعة مضاعفات وآثار سالبة..
وأشارت دراسات لتعرض مواليد القاصرات لسوء التغذية، والولادة المتعسرة، والكلبش..
