مجلس عموم النوبة.. ينتخب مكتبه التنفيذي بالجزيرة
تقرير/ راشد حامد عبدالله
كوّن مجلس عموم جبال النوبة بالسودان، فرعيته بولاية الجزيرة، واختار مكتبه التنفيذي بإشراف قيادات ومسؤولي المجلس الذي يسعى لإكمال فرعياته بكل ولايات السودان..
وتوافق النوبة على رئاسة صلاح فضل الله للمكتب التنفيذي، وعلي مصطفى تية نائباً له، ود. عز الدين مكي أميناً عاماً، ومحمود عيسى نائباً له، كما سمت بوليس فوليمون أميناً للمال..
وتتضمن هياكل المكتب التنفيذي كما نص نظام الأساس، 15 أمانة متخصصة من بينها: الإعلام، والتراث، والتعليم، والإدارة الأهلية، والأمانة الاقتصادية والقانونية، واللغات، والمرأة، والشباب..
ويعتمد المجلس على ثلاثة مستويات تضم: الجمعية العمومية، والمجلس المفوض كجهة رقابية، والمكتب التنفيذي..
**قيادة النوبة
وقال رمضان خير السيد مسؤول شؤون الولايات، إن المجلس كيان شعبي طوعي وليس حكراً لإثنية، أو حزب، أو كيان معين، وأن همه الأول والأخير هو خدمة قضايا ومصلحة النوبة وتجسيد معنى التكافل والترابط..

واقتضت الضرورة وجود مجلس عموم على مستوى السودان، ومكاتب فرعية، وفعالية، وتنسيق لكل شعب النوبة، وخلق انتشار جغرافي، وإحكام تنسيق بين كل المكاتب، وإحاطة بالعضوية، وخلق تعارف يفرضه القرب الثقافي، ووحدة الكيان.
وكما قال أمين شؤون الولايات: “نحن النوبة حاجة واحدة، وبتهمنا مصلحة النوبة، والترابط، والتوحد في ظرف بالغ التعقيد”..
ومن الأهداف الأساسية للمجلس؛ المشاركة في محاربة الفقر عبر المكاتب الفرعية للولايات، والترتيب مع جهات الاختصاص، والحكومة المسؤولة لتسيير قوافل لمناطق النوبة، والعودة للأصل؛ حيث تتوافر الموارد، والمنتجات المحلية، وفرص الاستثمار..
إضافة لرتق النسيج الاجتماعي، وتوحيد النوبة، والإسناد المجتمعي والتعاون كإثنية واحدة، وتجاوز التقاطعات، وتذويب الفوارق الطبقية..
تتضمن الأهداف التشبيك مع كل الولايات بعد اكتمال حلقات تكوين الفرعيات، وعقد ورشة لوضع خطة استراتيجية محكمة لخدمة قضايا النوبة، ولم الشمل وتوحيد المسارات بما يدفع قضاياهم العادلة خطوات واسعة للأمام وصولاً لقيادة النوبة برؤية موحدة على مستوى السودان كحلقة مفقودة..
ويبرز كذلك الاهتمام بالتعليم كعنوان للحضارة، وأساس لتطور الأمم، فالتعليم في قائمة مجلس عموم النوبة على رأس الأولويات، يترافق مع ذلك إحصاء شامل يدعم تركيز الاهتمام على الجوانب الاقتصادية كمصدر قوة بشرية، مع توفير مشاريع استثمارية..
ويشدد مسؤول الولايات بمجلس عموم النوبة على ضرورة قيادة مبادرات، وخلق تحالفات، واحترام القيادات المتوافق عليها..
**تفعيل دور المرأة
تكوين المكتب التنفيذي لمجلس عموم النوبة بالجزيرة، يجب أن يرتبط بتفعيل دور المرأة؛ فالمرأة في جبال النوبة لعبت دوراً في تهيئة الشعوب للحروب والسلام، وكما أكدت توتو ميادة ملكة جمال جبال النوبة: “هي القوة لأي رجل نوباوي” وأضافت أن نساء النوبة وضعن بصمة في التاريخ، ولهن دور في مجتمعهن المحلي”..

وكنساء نوبة؛ تؤكد الملكة تضررهن من الحروب في ناحية الأقارب والأهل؛ فالمعاناة تقع على عاتق المرأة في المقام الأول ما يفرض حتمية السلام كخيار أوحد..
والحرب هجّرت الكثيرين من جبال النوبة ودفعت بهم لأطراف المدن يكابدون شظف العيش، وأقعدت بهم عن التعليم مخلفة فاقداً تربوياً كبيراً..
أسباب أخرى في نظر “توتو” فاقمت الفاقد التربوي تمثلت في التعددية غير المدروسة في الزواج وما ينتج عنها من أطفال تتضاءل حظوظهم في نيل التعليم.. وسادت هذه العادة إبان توفر موارد اقتصادية هائلة في السابق في جبال النوبة تتطلب أيادٍ عاملة يؤمنها الآباء عبر الزواج..
**الاستثمار البشري
وتدعو الملكة للاستثمار في الأطفال بالتعليم.. والتعدد غير المدروس في نظرها يُضِر بحقوقهن كنساء نظراً لتفاقم المسؤوليات، وزيادة نسبة التسرب من التعليم بفعل الظروف الاقتصادية، وعدم المتابعة الأسرية.. كما طالبت الأمهات بالعودة للمدارس وطالبت المكتب التنفيذي بالجزيرة، بإيجاد مشاريع تنموية للمرأة لتقويتها اقتصادياً، وعقد ورش توعوية، ومحو الأمية كعامل لازدهار المجتمع..

وأحدثت الحرب موجات نزوح كبيرة أثرت سلباً على اللغة المحلية.. واللغة وفقاً لـ”توتو” تمثل هوية مالك الأرض.. واقع يتطلب فرض استراتيجيات أسرية جديدة لحفظ اللغة من خلال التعامل بها في المحيط الأُسري لتوريثها للأجيال..
“توتو” حملت أيضاً هم العادات الدخيلة على شعب النوبة المتميز بالبشرة السوداء، وفي ظل محاولات طمس الهوية توجه تساؤلها لبنات جنسها: ” بتغيري لونك دايرة تشبهي منو؟!”.. والكريمات قبل أن تكون عادة ضارة تراها الملكة عاملاً مؤثراً من ناحية صحية، واقتصادية، وجمال المرأة ليس في لونها وإنما في أدبها، وأخلاقها، وتفكيرها..
**وحدة النوبة
ولم تكن الجزيرة من بين ولايات السودان التي شملها طواف سبق عقد المؤتمر التأسيسي بالخرطوم لانتخاب المكتب التنفيذي، وهو ما دفع الأمين العام للمجلس الشريف حسين كافي للتفصيل في فكرة مجلس عموم النوبة ومراحل البناء، والعمل..

وأدت عوامل كثيرة للتفكير في توحد النوبة، وكما يجزم “كافي” فللنوبة القدرة على معالجة التحديات المحيطة بهم وتجاوز المشكلات إذا ما توافرت الإرادة، وصفت النفوس، ووضعوا قضاياهم نُصب أعينهم..
دعوات التوحد كانت قد أطلقتها قبيلة “كيقا” قبل أن تصبح جزءاً من كيان النوبة الذي تداعى لإجابة هذا النداء.. ووفقاً لكافي فقد ساعدت عوامل حاسمة من بينها انفصال الجنوب وحديث الرئيس المخلوع بأنه لا يريد “كيس أسود” وأن الدولة ستتحول لعربية، في إرساء أركان وحدة النوبة..
**تراث جبال النوبة

جهود توحيد النوبة مرت عبر المكون الثقافي؛ حيث تكونت لجنة عليا للإعداد للمهرجان الثقافي الأول لتراث جبال النوبة.. وفي المهرجان الثاني تم ابتكار أشياء جديدة من بينها محاربة العادات الضارة باختيار جميلة المهرجان.. وساعد في ذلك أيضاً احتفالات المجتمع الدولي السنوية بالشعوب الأصيلة؛ حيث سنت اليونسكو والأمم المتحدة تشريعات حددت 25 شعباً أصيلاً في العالم من بينهم النوبة في السودان ثم الدينكا، ونوبة الشمال، والنوير.. والسودان كما قال كافي: “دولة سُميت حسب لون بشرتها”..
**المبادئ الأربعة
وأقرت اللجنة التمهيدية أربعة مبادئ أجازها شعب النوبة شملت: الأرض والدفاع عنها والمحافظة عليها. والكيان؛ فالنوبة كيان وأمة واحدة داخلها عشائر. والثقافة والتراث الذي يمثل للنوبة خطاً أحمر، بالإضافة لمبدأ الحرية فأي “نوباوي” حر في الانتماء الديني، والفكر السياسي.
وأجازت جمعية عمومية دستور مجلس عموم النوبة الذي استغرق ثمانٍ سنوات في مراحل البناء.. وفي 16 أكتوبر 2020م تم انتخاب المكتب التنفيذي لمجلس عموم النوبة عبر مؤتمر تأسيسي، حيث آمنت 62 قبيلة من أصل 82 قبيلة بوحدة النوبة، ويؤكد كافي أن الباب ما زال مفتوحاً أمام بقية القبائل للحاق بقطار النوبة الذي قال إنه يسير ببطء انتظاراً لِمقدِم أهله..
وتكونت 15 أمانة متخصصة انطلقت للولايات لتكوين فرعيات المجلس، وتلتف جميعها حول هدف: “العمل من أجل قضايا النوبة”..

ويتميز مجلس عموم النوبة بأنه جسم قاعدي، يضم إداراتٍ أهلية مفوضة من الشعب وليست مفروضة من الدولة، وقد ساوى نظام الأساس بين كل القبائل، وتقرر تصعيد خمسة أشخاص من كل قبيلة يمثلون إدارات أهلية، وقامات علمية، وشخصيات عامة وأعيان، فضلاً عن المرأة والطفل، والشباب والطلاب..
ويؤكد الأمين العام للمجلس أنهم لا يفرضون وصاية على الولايات.. داعياً للتأصيل لقبائل النوبة بمسمياتها الحقيقية لحفظها للأجيال القادمة..
**إستراتيجية النوبة

ويأتي تكوين مجلس عموم النوبة كما ألمح نائب رئيسه داؤود كمبجو كوكو باستراتيجية بعيدة المدى، وتخطيط علمي دقيق.. والوحدة كما وصفها هي أمل النوبة منذ القِدم؛ فهي مجربة في العام 1964م كوحدة سياسية مطلبية غير أنها فشلت بانقلاب نميري، ثم تجددت التجربة في 85- 1986م في الحزب القومي السوداني..
وتحدث كمبجو عن حصول اتحاد عام جبال النوبة في انتخابات 1965م على 9 مقاعد في جبال النوبة والحزب القومي السوداني، وتحصل في 1986م على 7 مقاعد لجبال النوبة في البرلمان والخرطوم..
الأهداف الاستراتيجية التي أشار إليها نائب رئيس المجلس في حديثه ليست لـ”قلب البلد” فالسودان للجميع رغم أحقية النوبة.. ويذكر أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تحولت للحركة الشعبية فقط بعد انفصال الجنوب، ويصفها بأنها حركة قومية تضم كل القوميات، غير أن مشكلتهم كنوبة حسب كمبجو أنهم يقاتلون في أرضهم وبأغلبية ضباط وجنود من أبناء جبال النوبة.. ويختلف الأمر في مجلس عموم النوبة الذي يخص شعب جبال النوبة وليس الحركة الشعبية..

حديث كمبجو تضمن إشارات للإدارات الأهلية التي طالها الحل في عهد نميري، واستُبدِلت بالمحاكم الشعبية التي بدأت منها “مرمطة الإدارة الأهلية في السودان”.. لاحقاً حاول البشير إعادة تنظيم الإدارة الأهلية بصورة تخدم النظام الإسلامي، حيث تم عقد مؤتمر في سوبا يُعد أول تكوين لإدارة أهلية بنظام أمراء بجنوب كردفان، وهم كما وصفهم نائب رئيس المجلس: “أمراء حرب”..
ويشير إلى أن النوبة لهم “مكوك” منذ عهد الإنجليز، واعتبر هؤلاء “أمراء” بدون شعب، وأن تنصيبهم محاولة لقتل حس تاريخي ورثوه منذ عهد أجدادهم..
وأعلن حربهم في مجلس عموم النوبة “لأي حاجة اسمها أمير بجبال النوبة” وعدم اعترافهم بهذا الأمر، فهم كما أعاد التأكيد: “لديهم مكوك”.. وألمح إلى أن اختيار الإدارة الأهلية بجبال النوبة كان يتم من الأقوياء والقادرين على حفظ القبيلة أمنياً واقتصادياً.. و”إن كان نظام الإنجليز استعمارياً إلا أنهم تركوا إرثاً إدارياً ممتازاً أنهته الإنقاذ” يقول كمبجو.. كما أن لهم اعتراضات على قانون الإدارة الأهلية الموقوف حالياً..
وشدد على أن الإدارات الأهلية التي يتم التعامل معها يجب أن تكون مختارة من القاعدة الشعبية لكل قبيلة.. واعتبر خدمة النوبة هي المقياس الوحيد للقيادات..

وكما قال صلاح فضل الله، رئيس المكتب التمهيدي لمجلس عموم النوبة بالجزيرة، فإنهم كشعب نوبة أصبحوا جزءاً من المكونات الاجتماعية للولاية، وعليهم مد الأيادي بيضاء، والتعاون مع جميع مكونات الولاية الاجتماعية خدمة للولاية اجتماعياً وثقافياً..



