🔮 د. مكارم يُذكّرنا بتسيّد التافهين وانغمار أصحاب المكارم!

0 145

أ.د.فؤاد البنا


قبل بضعة أيام انتقل إلى الرفيق الأعلى د. عبدالحكيم مكارم رئيس قسم الإعلام بكلية الآداب في جامعة تعز، وقد أثار موته المفاجئ موجة من الحزن العميق وسط أعداد كبيرة ممن يعرفونه عن قرب وتعاملوا معه بصورة مباشرة، ظهر ذلك أثناء تشييع الجنازة وفي التعازي والتغريدات، ولا غرابة في ذلك فقد كان رجلا فاعلا في مجال عمله ويتحلى بمكارم الأخلاق وفضائل الصفات؛ مما جعل طلابه يحبونه وزملاءه يبكونه، والموظفين يتوجعون عليه!
لقد كان بلسماً يُمسح به الجرح فيندمل وترياقا يوضع على الوجع فيبرأ، ومن عجائب الأقدار أنه كان قبل حوالي شهرين فقط قد احتفى بطباعة أول كتاب له تحت عنوان (النقد الإعلامي)، وذكر في الاحتفاء أنه باكورة أعماله ولم يخطر بباله أنه سيكون الأخير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لكن حسبه أنه عندما سقط مغشيا عليه كان عائدا من المسجد بعد أن أقام صلاة الفجر بحق؛ إذ كانت ثمار الصلاة بادية في أخلاقه وأفعاله، ويكفيه أنه ذهب مكللاً بشهادة كل من تعامل معه عن قرب بجميل الخصال وحسن المعشر ورقي المعاملة!

والحقيقة أني لا أريد في هذا المنشور تعداد خصال الفقيد، وإنما التذكير بمعضلة مجتمعاتنا العربية عموما واليمنية خصوصا والتي تكلمت عنها مرارا، وهي انغمار الناس الفاعلين وسط مجتمعاتهم مقابل تسيّد التافهين والفارغين ولا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت المؤثر الأبرز في حياة الناس، مما يزيد من تراجع مجتمعاتنا!


فقد فوجئ أغلب الناس بكمية الحزن التي يحملها كثير ممن عرفوا د. عبد الحكيم مكارم، ومصدر الاستغراب هو أنهم لم يسمعوا عنه قط، فهو شخص منشغل بعمله الأكاديمي ومغمور في وسط مجتمع انقلبت أغلب قيمه رأسا على عقب، حيث لا يزيد متابعيه في الفايسبوك -مثلاً- عن ١٢٠٠ شخصا، وارتفع بعد موته إلى ما يزيد عن ١٨٠٠!


تصوروا أستاذ جامعي مؤثر بل ورئيس قسم الإعلام في جامعة تعز التي هي عاصمة الثقافة والإعلام في اليمن، ومع ذلك لم يتابعه سوى ١٢٠٠ شخصا طيلة حياته التربوية والأكاديمية، وبجانب ذلك هو نائب رئيس دائرة الإعلام والثقافة في التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة إب والتي تمتلك ثاني أكبر مخزون للإعلاميين والمثقفين في اليمن، وحدث هذا رغم أن العشرات من تلاميذه يملكون متابعين بعشرات الآلاف بل إن بعضهم يمتلكون أكثر من ١٠٠ ألف متابع، وهم في عامتهم أناس محترمون!

والأغرب من هذا أن أعلام التفاهة ورواد السخف يفخرون بمتابعة مئات الآلاف لهم بل إن بعضهم بلغ متابعوهم بالملايين، فكيف انقلبت الموازين هكذا؟! ولماذا؟ وكيف ينبغي معالجة هذه الظاهرة السقيمة أو الحد منها على الأقل؟

أعرف أن عوامل صناعة هذه الظاهرة متعددة، ويتحمل المفكرون والأكاديميون جزءا من المسؤولية عن هذا الاختلال الخطير، لكني أريد لفت الأنظار إلى أهم عامل في هذا الشأن وهو ضعف مشاعر المسؤولية عند كثير من الشباب الطيبين، وضعف ثقافة الثناء وعدم التفكير إطلاقا بإبراز الأُسوات وصناعة القدوات عند غالبية أبناء المجتمع!
وبهذه المناسبة الأليمة فإننا نطرح عددا من التساؤلات على النحو الآتي: – كم من أناس طيبين بكوا على فراق د. مكارم وأثنوا على مكارمه، لكنهم أبدا لم يتابعوه في حسابه، ولا قرؤوا منشوراته؟!

  • كم من إعلاميين دبجوا منشورات في رثائه وتفننوا في الثناء عليه، لكنهم لم يكتبوا كلمة واحدة في مدحه وهو بينهم حي يرزق؟!
  • كم من طلاب له أحسنوا في سرد مناقبه التي خبروها عن قرب، وأجادوا في صياغة مواقف جليلة حدثت معهم أثناء احتكاكهم به وتعاملهم معه، لكنهم لم يكتبوا حرفا واحدا عن هذه المواقف وهو بينهم؟!
  • والمصيبة الأكبر هي كم من إعلاميين ادركوا قيمته وبكوا على فقدانه بمرارة، لكنك لم تجدهم في حسابه أبدا ووجدتهم يتابعون بعض التافهين ويتزاحمون في حسابات الفارغين من كل شيء إلا من الإثارة الرخيصة؟!!
  • والسؤال الأخير متى يتحرر الصالحون من داء السلبية واللامبالاة في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، رغم خطورتها في تشكيل الوعي الجمعي وتأثيرها على مواجيد الناس وتوجيه مشاعرهم؟! ومتى سيدرك هؤلاء أنهم يسهمون في تسييد التافهين وشهرة الفارغين، وأن بأيديهم صناعة القدوات وإشاعة الوعي إن أحسنوا استثمار حساباتهم وتوجيه مشاركاتهم بطريقة تسهم في نشر الوعي وتسويق الأخلاق الحسنة، وتستهدف محاصرة التفاهة وتجفيف منابع الرذائل؟!

Leave A Reply

Your email address will not be published.