🔮 جَنيُ البشر لثمار الإفساد!
أ.د.فؤاد البنا
لقد خلق الله الأرض بقدرة القوي، وأتقن تهيئتها لحياة الإنسان بدقة الخبير، وأودع فيها عناصر عمارتها بكرم الرزاق، وأوجد التوازن بين مكوناتها المختلفة بإرادة الحكيم.
لكن تمرد الإنسان على مشيئة الله التي أودعها سبحانه في ثنايا الكون على شكل سنن ونواميس، أدى إلى اختلال كثير من الظواهر واضطراب بعض النواميس، ولتنقلب بعض النعم إلى نقم وتصير بعض المزايا رزايا، وها نحن نشهد ظهور عشرات الصور من الفساد في الأرض ببرها وبحرها والتي أخبر القرآن بوقوعها على سبيل التحذير من معاقرة أسبابها، فقال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}، ومن صور هذا الفساد اختلال موازين العدل بين البشر حتى أن لغة الأرقام تؤكد بأن ٥% من البشر يستأثرون ب٨٠% من خيرات الأرض، ومع ذلك لم تشبع بطونهم ولم تمتلئ خزائنهم، بل ظلوا يزدادون طمعا وتهافتا على مراكمة الثروات عبر شركات عابرة للبحار والقارات ومتجاوزة للحدود بين الدول بل وللحدود الأخلاقية والدينية والقانونية، وعبر بناء مزيد من المدن الصناعية الضخمة التي تتسع من دون توفير وسائل الأمان أو المحافظة على مكونات البيئة؛ مما يفسد الأرض بمئات الملايين من أطنان المخلفات الضارة ويلوث الأجواء بمثلها من الانبعاثات الغازية والأدخنة التي ترفع منسوب درجة الحرارة وتتسبب في صناعة الأمراض للبشر وإحداث الاختلالات المناخية التي نرى ثمارها المرة في صور عديدة ومنها غرق مناطق واسعة نتيجة السيول والفيضانات ومعاناة مناطق شاسعة من القحط والجدب والجفاف!
ومن يتدبر آيات القرآن ويفقه ما يحدث في الأرض من قبل الكبراء وأرباب الأموال يدرك أن ما يحدث في أرضنا من اختلالات إنما هو نتيجة لما كسبت أيدي الناس، ومن صور ذلك ما نراه من غرق بلدان بسيول الأمطار الغزيرة، واحتراق مناطق نتيجة توقف السماء عن المطر وتيبس الشجر والنباتات.
ومع ذلك فإننا معاشر الضعفاء من البشر بقدر ما ندعو الكبراء للكَفّ عن معاقرة أسباب الفساد في الأرض ولأن يطفئوا نيران خطاياهم بمياه توبتهم، فإننا نطمع أن يعاملنا الله بفضله لا بعدله.
ومن هنا فإننا ندعو مالك الكون عز وجل، فنقول: يا واهب النعم وراحم الكائنات نسألك بضعفنا وقوتك أن تسوق الأمطار الفائضة في مناطق الغرق نحو مناطق الجدب لتطفئ حرائقها وتعيد الحياة إليها برحمانيتك ولطفك.