بناء داخلي متين لعلاقات خارجية أفضل

0 237

د. الواثق عبد الله محمد
 
يسير العالم بخطى سريعة نحو التطور؛ فأصبح يقيم المؤتمرات بصورة متكرر ة لتبادل الأفكار والاستفادة القصوى من إمكانيات وآراء الجهات المشاركة، فأوكلت الدول للجامعات والمراكز البحثية اتخاذ القرارات لحل مشاكل: “اقتصادية- سياسية- صناعية- زراعية- أو أكاديمية” مع تمويلها مادياً.

وإذا كانت الجامعات والمراكز البحثية هي من يتخذ كل هذه القرارات، فلابد أن تكون هذه المؤسسات ذات أساس متين من جميع الجوانب سواءً من ناحية الموارد المادية، أو الموارد البشرية- التي أحسبها الأخيرة- هي الأهم. فكيف نبني ونؤسس لبناء داخلي متين هو المفتاح الذي يمكن أن يغير المستقبل ويجعلنا نلحق بركب التطور؟.

لبناءٍ داخلي متين نبدأ أولاً بالفرد في المؤسسات الصغيرة، فإن صَلُح عضو هيئة التدريس، صلُحت الجامعات والمراكز البحثية،  وإن ضعف مستواه، ضعف مستوى جامعته أو مركزه، لهذا يجب أن تخضع عملية اختيار عضو هيئة التدريس للتدقيق الشديد، ومن ثم إعداده وتطويره لتحقيق رسالة المؤسسة.. إعداده ليس فقط ليقوم بوظيفة التدريس، ولكن ليقوم أيضاً بوظيفتي البحث العلمي، وخدمة المجتمع.

كثير من الجامعات والمراكز البحثية لا تهتم بعملية الإعداد والتدريب، وتترك العضو الجديد المنتسب إليها يشق طريقة بنفسه، فبحكم عدم الخبرة قد يقع هذا العضو في كثيرٍ من الأخطاء التي قد تترسخ في ذهنه على أنها أشياء صحيحة ليصعب تغييرها بالتالي يجد نفسه خارج المنظومة وليس هنالك انسجام بينه وبين باقي هيئة التدريس ليزيد بذلك الانشقاق والخلافات وبالتالي تتعطل رسالة المؤسسات. 

هذا الإعداد يجب أن يكون لفترة زمنية طويلة المدى على أن يكون العضو المنتسب تابعاً أو تحت إشراف من لديه خبرة وبالتالي توكل له بعض المهام الأكاديمية والبحثية، ويتم تقييمه لتصحيح مساره، على أن يُدرَّب الفرد على الإبداع والابتكار، وكيفية استخدام المعرفة لحل المشكلات البحثية، وتطوير القدرات العقلية، ويدَّرب أيضاً على الانسجام مع المنظومة، وهذه الجزئية أحسبها الأهم وإن أي تساهل أو تهاون في هذه المرحلة لايمكن علاجه لاحقاً.

بعد عملية بناء وتدريب عضو هئية التدريس، تأتي عملية تحقيق التناسق والانسجام الداخلي بين العاملين داخل المؤسسة الواحدة والذي يمكن أن يتحقق بالاتصال الإداري والاجتماعي والنفسي، حيث أنه يسهم في نقل المفاهيم والأفكار والآراء لخلق التماسك بين مكونات المؤسسة وبالتالي تحقيق رسالتها، مع اعتبار أن الكليات هي الجهة التخصصية التي تقوم بتشخيص المشكلة المختصة ووضع الخطط؛ أو تطوير منهج يتماشى مع التطور التكنولوجي فيجب على الجميع أن يشارك في عملية اتخاذ القرار والتشخيص..

ولا أتحدث هنا عن القرارات الإدارية التي توجد جهة مسؤولة منها؛ لكن أتحدث عن القرارات التي تخص الجوانب الأكاديمية والبحثية، حيث تتم المشاركة من خلال تقديم المشكلة وطرحها لتناقش بكل مرونة ويدلي فيها كل فرد برأيه، على أن تراعي المؤسسية. 

بعد ذلك يتم تنقيح وجمع كل هذه الآراء في شكل خطة واضحة تمثل أفكار كل العاملين في المؤسسة ليتم رفعها للجهات المعنية باتخاذ القرارات وهي الجامعة. فكلما قل عدد الأشخاص المشاركين في عملية اتخاذ القرارت ضعفت الفكرة، وأن يشارك العضو المبعوث في عملية اتخاذ القرار بحكم وجوده في بيئة خارجية وقد يُتاح له ما لم يكن متوفراً بالداخل، فيُلزمُ بكتابة تقارير دورية ليس فقط في مجاله؛ بل في كل ما هو مفيد يمكن أن يفيد المؤسسة، ويتم تحليل التقارير بصورة دورية لمعرفة كيفية الاستفادة من المادة المطروحة، وهذا لا يتم إلا إذا كانت هنالك حلقة تواصل رسمية بين المبعوث والجهة الباعثة للاستفادة من هذه الفترة في توفير الكتب والأوراق العلمية التي قد يصعب الوصول إليها داخلياً.. ويمكن أن يكون المبعوث جسر تواصل لمزيد من العلاقات الخارجية.

من الأشياء المهمة أيضاً؛ البحوث المشتركة بين أعضاء هيئة التدريس، وكذلك كتابة الكتب وترجمتها على أن يشارك أي عضو في كتابة فصل أو ترجمته، وهذا هو الانسجام الذي يمكن أن يبني مؤسسة صلبه يمكن أن تفيد المؤسسات الكبيرة، وهي: الجامعة والمراكز البحثية.

ربط جميع مؤسسات الجامعة من معاهد وكليات مع بعضها البعض، وهي المسؤولية التي تقع على عاتق الجامعة.. ومع تطور العلوم واتساع دائرة المعرفة أصبحت التخصصات تتلاقى وتتشابك.

وعندما تكون المشكلة قيد الدراسة، وتتم المشاركة الأكاديمية من قبل أكثر من تخصص، نجد من السهولة الوصول لنظرة شمولية مشتركة وبالتالي أرضية مشتركة لوجهات النظر المختلفة للتخصصات المشاركة في عملية اتخاذ القرار؛ ولتكن النتيجة شيئاً جديداً، مميزاً بعيداً عن تجاوز حدود أي تخصص، وبهذا يتحقق تقدم في الإدراك، وتضاف معرفة جديدة وبالتالي إثارة أسئلة بحثية جديدة..

وعلى الجامعة أن تهتم بتدريب قيادات الكليات والمراكز على النظرة الشمولية ليعرف الكل أنه ليس هنالك تخصصات منفصلة، بل كل هذه التخصصات متداخلة جداً، ويتم هذا من خلال إقامة المؤتمرات في حالة الحوجة لتشخيص مشكلة أو في حالة الدراسة البحثية التي تربط جميع الكليات المختلفة على أن تترك عملية التنظيم للجهة الأقرب للتخصص، وأن يسبق هذا إلزام الكليات بعمل خطة واضحة في كيفية الاستفادة من الدراسة المطروحة، وكيفيه ربطها بالتخصص المعين، فيشارك ممثلو الكليات بخطة واضحة، ومن ثم تتم الاستفادة من تجارب الآخرين ونصائحهم في وضع خطة متكاملة تحقق غرض الدراسة، وعلى إدارة الجامعة تنفيذها أو رفعها للجهات المعنية لتقوم باتخاد القرار.

هنا يكون قد بنينا صرحاً قوياً ومتيناً يمكن أن يكون جاهزاً للمشاركات الخارجية لعكس خطة واضحة جداً تجعل الجهات المشاركة تتسابق لإقامة العلاقات في المجالات الأكاديمية، والصناعية.

لبناء داخلي أفضل، وتوسيع دائرة المعرفة، ولخطط أفضل بالذات في حالة المشاركات الخارجية، لا بد من إشراك الجامعات الأخرى، والمعاهد البحثية في عملية اتخاذ القرارات لدراسة معينة، وهذا يتم بربطها مع بعضها البعض بحلقة وصل من خلال المؤتمرات.

وكما ناقشنا سابقاً أنه تم بناء صرح قوي، وتم وضع خطة واضحة ليقوم ممثلو أي جامعة بالمشاركة ومناقشة البحوث المشتركة، هذا لا يتم إلا إذا كان هنالك ربط وانسجام بين الجامعات. فنترك مفهموم المنافسة بعيداً عندما تكون هنالك مصلحة يمكن أن تفيد الوطن وبذلك يكون هنالك مزيد من الآراء والخبرات وبالتالي تتوسع الخطة والرؤية.

وبهذا يكون قد أسسنا بناءً داخلياً متيناً لعلاقات خارجية ممتازة، وعكسنا الوجه المشرق للجامعات والمراكز البحثية، وبالطبع سوف ينعكس هذا بمزيد من التمويل، والبحوث التي قد تضيف مكاسب أكاديمية ومالية خاصة أن السودان من أكثر الدول التي تتوفر فيها الموادر الطبيعية، وبالتالي يعتبر بيئة بحثية خصبة فقد نحتاج أن نتعاون.

جامعة الجزيرة- عمادة البحث العلمي والابتكار

Leave A Reply

Your email address will not be published.