البروفيسور “الهادي” في حوارٍ طبي أخضر
هيئة التدريس بكلية الصيدلة بذلت جهداً واضحاً ثمرته ظهرت في تميز خريجيها
الإستخدام الحالي للأعشاب غير مبني على الدلائل العلمية الموثقة
الكوادر الطبية المساعدة لو درست وفق نظام أكاديمي واضح يمكنها تقديم خدمات طبية
نشأت في مجتمع ريفي.. زرعنا الذرة ورعينا الماشية ولعبنا كرة القدم
حوار: ياسر محمد إبراهيم

يُعد البروفيسور الهادي محمد محمد أحمد؛ عميد كلية الصيدلة بجامعة الجزيرة الأسبق، أحد أبرز الأساتذة الذين مروا على الكلية منذ تاريخ إنشائها، وخلال مسيرته ورحلته العملية والعلمية في صيدليات القطاع الخاص والعام.. ثم عضواً في هيئة التدريس بالكلية، أثبت بروفيسور الهادي أنه من طينة العلماء، وأن سيرته تكتب بماء الذهب.
بروفيسور الهادي؛ بدا هادئاً، مرتباً، حاضر الذهن، ومبتسماً، لم نعد محاور مسبقة للمقابلة، فأمثاله يعرفون ماذا يقولون.. ببساطة فقد بات بروفيسور الهادي أحد أهم الركائز الأساسية في تخصصه.
وبرغم أن مثل هذه المقابلات التوثيقية تسلط الضوء على نقاط محددة تصنف بناءاً على مراحل تاريخية بعينها، إلا أننا في هذا الحوار رسمنا خطوطاً أخرى شكلت إتجاه الأسئلة، فبجانب سرد تاريخ الكلية ومسيرة بروفيسور الهادي، ناقشنا قضايا مهمة مثل التداوي بالأعشاب.. وغير ذلك من قضايا تكشف عنها السطور التالية.
* بداية دكتور الهادي، دعنا نرجع للوراء.. نبحر قليلاً في ذكريات الطفولة، أين نشأ الدكتور الهادي.. وأين درس..؟.
– أولاً أشكر إدارة الإعلام بجامعة الجزيرة على ما تقوم به من جهد توثيقي، وأنا ممتن لإتاحة الفرصة لي للتعريف بشخصي لمجتمع الجامعة.. الولاية.. والسودان.
أسمي بالكامل الهادي محمد محمد أحمد علي جبارة، ولدت بقرية الحليلة ريفي الحصاحيصا في العام ” 1954″، درست الصغرى بالحليلة.. الإبتدائي بالتميد.. الوسطى والثانوي بالحصاحيصا.. ثم التحقت بجامعة الخرطوم كلية الصيدلة ” 1972″، وتخرجت فيها في العام ” 1978″.
* ما هي أولى محطات رحلتك العملية..؟.
– عملت صيدلياً في كوستي والحصاحيصا حتى العام ” 1980″، بعدها تقدمت لدراسة الماجستير في الصيدلة قسم العقاقير الطبية، وحينها كنت أعمل بوزارة الصحة، نلت درجة الماجستير عام ” 1983″، ووقتها كنت أعمل بصيدليات القطاع العام، ثم انتقلت للعمل في إدارة الصيدلة بالأقليم الأوسط بالجزيرة وشغلت منصب كبير صيادلة مستشفى ود مدني.
سنحت لزوجتي فرصة للإعارة بالمملكة العربية السعودية في مجال التعليم، بقينا بالمملكة حتى العام ” 1994″، في ذلك الوقت كانت كلية الصيدلة بجامعة الجزيرة تحت التأسيس، فالتحقت بالعمل في الجامعة وكان حينها مدير الجامعة البروفيسور مبارك المجذوب وعميد كلية الصيدلة الدكتور صلاح النعيم، تم قبولي عضواً بهيئة التدريس كأستاذ مساعد.
* أرجع بك للوراء قبل أن نوثق لتأسيس كلية الصيدلة ونعكس جهد كل علماء الكلية وأساتذتها، في بداية حديثك ذكرت بالتفصيل مراحلك الدراسية وقلت إنك درست المرحلة الصغرى ثم الإبتدائية، دعنا نقف هنا قليلاً.. ما هو الفرق بين المرحلتين..؟.
– قبل تعديل السلم التعليمي، كانت هناك أربع مراحل دراسية ذكرتها في إجابتي عن السؤال الأول، المرحلة الصغرى ندرس فيها من المستوى الأول وحتى الثالث، ثم الإبتدائية وتضم مستويان الثالث والرابع.
* النشأة كانت في مجتمع ريفي، ومن بعد ومع الأخذ في الإعتبار تفاصيل المجتمع وبساطته، تخرجت في كلية الصيدلة، هل كانت مسألة التخصص مرتب لها، أم أن الصدفة لعبت دوراً في ذلك..؟.
– كنت كغيري من أبناء المنطقة وثيق الصلة بمجتمع الريف كنا نشارك الأهل في الزراعة، ونرعى كذلك الماشية لا سيما في الإجازات، طبعاً أي قرية عندها ” مراح”.
* ” مقاطعاً”.. تقضون كل أيام العطلة في الرعي والزراعة أم أن كانت هناك مساحة للعب كرة القدم مثلاً..؟.
– بالطبع كانت لنا هوايات، مثل كرة القدم وبقية الألعاب الشعبية.
* نرجع لمسألة التخصص..؟
– نعم.. أحرزت نتيجة أهلتني لدخول كلية العلوم، طبعاً في ذلك الوقت الدخول للجامعة كان حدثاً كبير بالأخص في المجتمعات الريفية، كنت أحس بكل ذلك، فرحة الأسرة كانت كبيرة لا سيما بعد أن تم اختياري لدراسة الصيدلة بعد مرور عام دراسي في كلية العلوم وفق ما هو متبع حينها.
* التحقت بكلية الصيدلة بداية تأسيسها، دعنا نقف هنا، نوثق لهذه المرحلة..؟.
– بعد التحاقي بالكلية تم تعيين بعض الأساتذة يعتبرون من المؤسسين، مثل الأساتذة عماد الدين محمد، والطيب عبد الله، ثم تمت الإستعانة بأساتذة من جامعة الخرطوم أذكر منهم المرحوم البروفيسور عاصم الفاروق، وقد كان داعماً لنا ومشجعاً.
واهتممنا كذلك بمباني الكلية، شيدنا طابقين.. ثم المعامل، بالنسبة للقاعات فقد كانت الدراسة تتم في كلية الطب إلى أن شيدنا قاعات خاصة بالكلية، الآن تمتلك الكلية قاعات تفي بحاجة طلابها موزعة على أقسامها ” الكيمياء – الصيدلانيات – العقاقير الطبية – علم الأدوية – الأحياء الدقيقة”.
جرى تحديث ملحوظ للمكتبة بجانب زيادة عدد المعامل، بالإضافة إلى قبول عدد من الأساتذة، وباتت الكلية تخرج بجانب طلاب البكالريوس، تخرج طلاب الدراسات العليا.
* عملت في صيدليات القطاعين العام والخاص.. ثم أساتذة بكلية الصيدلة، وتنقلت كذلك للعمل في بعض مدن السودان.. أين وجدت نفسك..؟.
– في كل رحلاتي العملية والعلمية استطعت أن أخدم المريض والمجتمع ككل، حبنا لمهنتنا غرس فينا دوافع قوية لتأدية واجباتنا.
في الكلية علمت بذات الحماس، ربطنا الخريجين بالكلية وبالمهنة، أثبتوا نجاحهم وأحرزوا نتائج مشرفة، وكانوا ولا زالوا من المميزين.
* عاصرت كل عمداء الكلية..؟.
– نعم.. بدايةً بأول عميد الدكتور صلاح النعيم ” 1995-1993″، ثم البروفيسور يوسف قمر ” 1995 – 2002″، والبروفيسور ميرغني عبد الرحمن ” 2002 -2005″، بعدها جلست على كرسي العمادة منذ العام ” 2006 -2013″، ثم البروفيسور عماد الدين محمد تاج الدين حتى العام ” 2017″ تلته الدكتورة إيناس محمد العوض.
طبعاً الدكتورة إيناس خريجة الكلية الدفعة ” 16″ وهو ما يؤكد حديثي عن تميز طلاب الكلية.
كل هيئة التدريس كانت حريصة على غرس قيمنا في الطلاب مع كسبهم الصفات الحميدة، وكنا دوماً مهمومين بتوسعة الكلية وإضافة مباني جديدة مع تحديث المعامل، طلابنا ولما وجدوه من إهتمام ومعينات أثروا البحث العلمي، وكلية الصيدلة تعد من أوائل الكليات على مستوى السودان التي أمتلكت أجهزة حاسوب مع توفير خدمة الإنترنت، كل هذا توج بكوادر مميزة، بعضها نال دراساته العليا داخل الكلية.
* ما هو جهد الكلية وطلابها فيما يخص المشاركات لا سيما الخارجية منها..؟.
– الكلية عضو في عدة جمعيات ومؤسسات، وأعضاء هيئة تدريسها وطلابها يشاركون في كل الأنشطة المحلية.. الإقليمية.. والعالمية، يشمل ذلك المؤتمرات العلمية والسمنارات وورش العمل.
* دكتور؛ هناك ثمة قضايا أود مناقشتها، نبدأ بالجدوى من تخريج طلاب في تخصص مساعد صيدلي..؟.
– توجد أكاديمية لتخريج الكوادر الطبية المساعدة، تسجل في مجلس المهن الطبية، أما خريجي كليات الطب والصيدلة مثلاً، يتم تسجيلهم في المجلس الطبي السوداني، االكوادر الطبية المساعدة يتم تدريسهم بنظام الدبلوم، لو كان الكورس الذي يدرس لهم مبني على نظام أكاديمي واضح يمكنهم حينها المساعدة في تقديم خدمات طبية بالأخص في الأرياف.
* نقطة أخرى، تتعلق بالأعشاب أو ما يطلق عليه بالطب البديل، الملاحظ أن أصحاب هذه المهنة باتوا منتشرين في معظم مدن السودان، سؤالي بالتحديد حول المخاطر التي تحيط بالمتعاملين معهم..؟.
– الأعشاب هي ” أبو العلم” الطبي، كل المعالجات الطبية قبل القرن الـ ” 13″ كانت تتم بواسطة عقاقير مجلوبة من البيئة، لم تكن هناك أدوية مصنعة سواء كانت عشبية أم غير عشبية، نباتية أم حيوانية، مع التطور ظهرت العقاقير المصنعة لكن وفق حسابات ومعايير مبنية على العلم، صحيح أن الأعشاب من ناحية أكاديمية بحتة كانت الممول لإستنباط الأدوية المستوحاة من الإرث الشعبي، لكن ما ينبغي هو أن يتم مراعاة المواصفات المطلوب توفرها، بيد أن إستعمال هذه الأعشاب عادة يكون مبني على ثقة الأهالي، والمطلوب أن يكون الدواء المعين قد جرى استعماله لثلاثين عاماً دون حدوث أعراض توخياً للسلامة.
الإستخدام الحالي لهذه الأعشاب غير مبني على الدلائل العلمية الموثقة، مع التنبيه إلى وجود كثير من حالات الإشتباه في النجاعة والسمية لهذه العقاقير، لهذا يجب التعامل معها بحذر شديد عكس الأدوية المخلقة لأنها موثوقة ومعروف ماهية أعراضها الجانبية، أي دواء عشبي يحتوي على عشرات أو مئات المركبات، منها ما هو نافع.. ومنها ما هو ضار.
* ختاماً.. الأسرة الصغيرة، عدد الأبناء.. وتخصصاتهم..؟.
– زوجتي خريجة أم درمان الإسلامية، وهي الآن معلمة بالمعاش، لدي ” 4″ بنات جميعهن طبيبات ” سلمى – سارة – مها – لينا”، وإبن واحد ” علي” خريج كلية الزراعة، نسكن بحي أركويت.
