“الدستور”.. جدلية الحاكم والشعب
تقرير/ راشد حامد عبدالله
لم تعهد الساحة السياسية السودانية في حقبها التاريخية المختلفة وضع دستور من قِبَلِ الشعب بتعدد فئاته؛ وربما تتسنى له الفرصة خلال المرحلة القادمة- ولأول مرة- للمشاركة في هذا العقد الإجتماعي الأسمى في الدولة والأعلى مرتبة في قائمة العقود التي تليه.
ويبدو تشكيل لجنة قومية لوضع الدستور المرتقب للبلاد؛ الخيار المرجح لكثير من النخب؛ في ظل مآخذ على الجمعية التأسيسية تتعلق بتجارب سابقة لم يحالفها النجاح؛ وأخرى ترتبط بكلفتها العالية في ظل أوضاع وظروف اقتصادية بالغة التعقيد، ومآخذ على نواب الشعب بالنظر إلى الغالبية الحزبية.
وقد تبلورت كثير من الآراء حول هذه القضية خلال منبر “الحوار القانوني” الذي هيأته كلية القانون جامعة الجزيرة بالقاعة الدولية بمجمع الرازي بود مدني، ودعت إليه بروفيسور يس عمر يوسف للتفصيل في الجوانب المتعلقة بـ(كيفية وضع الدساتير والدستور الانتقالي المرتقب”).

حديث أستاذ القانون العام بجامعتي النيلين والجزيرة؛ المحكم القانوني؛ والمستشار القانوني الأسبق بوزارة العدل؛ المشارك في دستور السودان لسنة 85- 1998م، تابعه ممثلون للسلطة القضائية، والنيابة العامة، والإدارة القانونية، والجامعات، والكليات، والمحامون، والشرطة، بجانب مهتمين بالشأن السياسي والدستوري.
وهو كما ذكر حديث أكاديمي لا علاقة له بالسياسة، والدستور في رأيه هو: “إحالة قانونية بالظواهر السياسية” والدستور: “ظاهره قانون، وباطنه سياسة”..
وبحكم أن الفرصة قد أتيحت للشعب في وضع الدستور المرتقب، فإنه يتعين على الناس كما رأى بروفيسور “يس” أن يكونوا على درجة من الوعي للمشاركة بآراء “جرئية” تفضي إلى دستور إسلامي أو مستوحى من الإسلام يحقق العدالة والمساواة، فأي تعارض للمواد مع نص قطعي الثبوت والدلالة في القرآن والسنة يجعل الدستور غير إسلامي.
والمبدأ المتفق عليه بين جميع فقهاء القانون الدستوري، والعلوم السياسية، أن الشعب هو: “مصدر السُلطة” وأي دستور لا يضعُه الشعب بأغلبية خاصة، لا أمل له في النجاح..
والدستور كما عرفه “يس” هو: “مجموع القواعد القانونية التي تُبيِّن شكل الدولة موحدة، أم اتحادية، ونوع الحكم فيها- النظام السياسي- برلماني، رئاسي”..
ويطالب “يس” بالسعي لأخذ إحدى الطرق الديمقراطية في وضع الدستور سواءً باختيار جمعية تأسيسية، أو اختيار لجنة قومية فنية تضع المسودة وتعرضها على الشعب في استفتاء حقيقي، وقبل ذلك كله قيادة حملة لتنوير المواطن بما هو مقبل عليه لضمان أن يلبي الدستور الإرادة العامة للشعب.
ويبدو أن السودان في طريقه للعمل بنظام الولايات أو الأقاليم، أو يكون دولة إتحادية، ويتطلب هذا الوضع في الدستور الجديد أن تحظى فيه الولايات باستقلالية كاملة لأنظمتها الداخلية وهو السبيل الوحيد الذي يراه بروفيسور “يس” لنجاح النظام الإتحادي في السودان، وبالنسبة إليه فإن المشرِّع يجب أن يراعي العوامل الجغرافية، والدينية، والإقتصادية، والإجتماعية، والدولية عند وضع الدستور.
**صنيعة الشعب
ومن وجهة نظر د. يوسف زكريا قانوني فإن الدستور هو: “صنيعة الشعب” وأن الشعب هو من يهب السلطات، ولا يبدو الرجل ميالاً إلى نواب البرلمان فهم في نظره يمثلون حزب الأغلبية الذي ربما كانت له مصلحة في هذا التعديل..
ويحبذ إنجاز الأمر عبر لجنة دستورية غير أنه نبه لضرورة تنوير الشعب بالدستور في مدة زمنية كافية.
ويرى أن تعديل الدستور يجب أن يتم بذات الطريقة التي يجاز بها، ولا يعامل كالقوانين. والدستور في تقديره يجب أن يكون أكثر جموداً وديمومة ويبنى على أساس خدمة الحاكم والمحكوم.
**الحكم الفيدرالي
وإذا كان الحوار الوطني قد وضع ضمن مخرجاته منهجاً أو طريقة أو أسلوباً لبناء الدستور فيجب في نظر د. عبدالرحمن عامر “سياسي”، أن لا يلتف حولها أحد.
ويؤيد “عامر” نهج الحكم الفيدرالي كامل الأهلية والصلاحية وغير مسلوب الإرادة المالية والبعيد عن تدخلات السلطة، وتضخم الحكومة الإتحادية وهذا ما يضمن في اعتقاده أن يكون هنالك حكم فيدرالي إتحادي حقيقي.
ونبه لضرورة التركيز على تداول السلطة وليس المشاركة فيها باعتبار أهمية هذا التداول الذي يراه مجسداً في التجربة الأمريكية التي قال إنها تمثل قمة التجارب الإنسانية في العالم.
وفي تقديره فإن العقل البشري لم يتوصل لنظام حكم أفضل من النظام الديمقراطي.
ويرى أهمية المشاركة الشعبية والسياسية في لجنة وضع الدستور، وتقليل مشاركة المكوِّن الخارجي واعتبر أن العامل الإنساني في حقوق الإنسان هو مسألة مشتركة.
وتساءل مولانا د. منير عكاشة “قانوني” في وقت سابق، على ماذا سيستند الدستور إذا تم التعامل معه بمفهوم الجمعية التأسيسية.
ويرى أن السلطات الثلاث كانت تمثل قلب الدستور من واقع اشتماله على أبواب تتحدث عن السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية القومية، بجانب الإستشارية والنائب العام.
ويؤكد “عكاشة” أهمية هذه الأبواب وأهمية السلطة التشريعية باعتبارها التمثيل الحقيقي للشعب في بلد يتميز بتعدد الثقافات والقبائل، بجانب التركيز على الكفاءة التي يمكن أن يقدم بها عضو السلطة التشريعية دوره على النحو المطلوب.
**التعدد الدستوري
فيما رأى مولانا خليفة أحمد خليفة “قانوني” أن التعدد الدستوري في السودان؛ جاء نتيجة لحالات إستثنائية مرت بها البلاد، متمنياً الإستفادة من الدساتيرالسابقة وأن تكون هنالك لجان مختصة فنية لوضع البنيات الأساسية للدستور.
**جمعية تأسيسية
وفي قناعة المحامي عمر سر الختم “سكينجو” فإن الدستور يجب أن يوضع بجمعية تأسيسية توضع لها شروط واضحة وفق اختصاصات ومهام محددة وقيد زمني ينتهي بوضع الدستور نظراً لأهميته للمرحلة القادمة في ظل تنامي الحاجة للإستقرار.
وشدد على ضرورة إحترام الدستور وسيادة حكم القانون. وهو يرى أن هنالك حاجة لدستور ديمقراطي يحفظ الحريات ويحدد الحقوق والواجبات.
وفي اعتقاده أن الدستور المرتقب لم تتضح ملامح كيفية وضعه بعد ما يؤكد الحاجة للتنوير بذلك عبر المنابر المختلفة وسماع رأي الشارع وماذا يريد.
وشدد على ضرورة التحدث عن الجهة المنوط بها إجازة الدستور المرتقب فليس هنالك كما يؤكد “سكينجو” برلمان لإجازة الدستور..
ونادى بضرورة أن تتضمن اللجنة القومية من وصفهم بقانونيين مجردين، وأصحاب الرأي الآخر، والحرص على إجازة الدستور بشكل تتوافق عليه كل مكونات الشعب.
**تنوير الشعب
وذهب القيادي البارز هيثم الشريف من المركز السوداني للتحكيم، إلى ضرورة تنوير الشعب بمحتوى الدستور، وأن تُراعى فيه قيم المشاركة، والشفافية، الشمول، والتوافق، والنأي عن تعديل الدستور لأي أغراض سياسية، إضافة لمواءمة الدستور مع القوانين.
وتساءل مستشار قانوني هل هنالك ضرورة لأن تكون هنالك دساتير للولايات، ومدى إمكانية أن يكون في الدستور القومي باب مختص بسلطات الولايات وصلاحياتها.
ويرى أهمية أن تكون السلطات التشريعية وغيرها واضحة ومحددة المسؤوليات في الدستور القادم تفادياً للتداخل في المستويات القومية، والولائية، والمحلية وصولاً لحكم ناضج وراشد.
وشدد على ضرورة أن يتم تعديل الدستور وفق ضوابط صارمة ونصوص قوية.
**المنهج الإسلامي
وفي تقدير د. الزلفا عبدالله مصطفى أستاذة جامعية، فإن اللجنة القومية يجب أن تتقيد بالمنهج الإسلامي ومقاصد الشريعة والأعراف في وضع الدستور، وأن تستصحب معها الدساتير الأخرى وصولاً إلى دستور يحقق المنهج الإسلامي الذي يجب أن تكون عليه السلطات الثلاث في الدولة.
**الغناء للحاكم
وبالعودة لحديث “يس” فنحن في السودان نغني تمجيداً للحاكم ذلك من قبيل: “عبود يا جبل الحديد”، “البحاري يالتمساح العشاري”، “أبوكم مين نميري”، “سير سير يالبشير” ..
ويرى أن القوى السياسية فشلت فشلت ذريعاً، ويستبعد اجتماعها واتفاقها مع القوى العسكرية إلى قيام الساعة، ويرجح أن الشعب السوداني سينقض عليهما معاً..



