الوفاق الاجتماعي
رانيا صلاح
الإنسان اجتماعي بطبعه؛ ولا يستطيع أن يعيش لوحده ولو توفرت له كل الإمكانيات وإن حدثت العزلة، أو إبان الانقطاع، لم يبقى له من البشرية غير الشكل.
ومثال لذلك ما حدث لبعض بني البشر الذين تاهوا في الغابات وعايشوا حيوانات الغابة وفقدوا الاتصال ببني الإنسان؛ لم يلبثوا أن فقدوا مميزاتهم الإنسانية، حيث أصبحت عاداتهم وتصرفاتهم، وسلوكهم، ولغتهم، وغذاؤهم، تتناسب مع الأنماط السائدة لدى الحيوانات.
ومع تطور الحياة أصبح الاجتماع ضرورة حيوية حتمية للإنسان مما جعله في حالة دائمة لمساعدة الآخرين.
والآن متطلبات الحياة كثيرة فهو في حاجة الطبيب، والمهندس، والمزارع، والمعلم، والصانع، والتاجر وغيرهم، ولا يستطيع الفرد أن يكون هؤلاء جميعاً. في وقت نُظِمت فيه الحِرَفُ والمهن على أساس التخصص الدقيق فكان لهذا المجتمع المسلم سمات مصدرها الوحي، وقد كانت الشريعة الإسلامية الحل لكل مشاكل المجتمع من فقر وعجز. والإسلام رسالة عامة قال تعالى:) وما أرسلناك إلا كافة للناس).
ولعظمة وأهمية البناء الاجتماعي، أوجد له الإسلام منبعاً أسمى، ومؤسسة تربوية قوامها الأُسرة، وشدد على المعاشرة بالمعروف في ناحية علاقة الزوج بزوجته والحرص على بقاء تلك العلاقة كما قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء..
كما يرينا نموذجاً للأمومة في أسمي معانيها، وعِظم رعايتها قال تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خِفتِ عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين). سورة القصص
كما دعا الأبناء إلى إنزال الوالدين المنزلة اللائقة بفضلها وتقديرها قال تعالى: )ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً)..
وأوصى بالرحم وعلاقات الأُخوة بين الأبناء والبنات لتكبر وتنمو وتكون علاقة بين كل ذوي القربى، والتراحم أساس العلاقة والتواصل؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).. ثم الوصية بالجار ويوصي الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر)..
ويجعل رعاية الطريق وتأمينه من الأذى رفقاً بالمارة، وأداءً لحق عباد الله؛ فتأمين الطريق من الأذى من شُعَبِ الإيمان، ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شُعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). وما كان رفع الأذى تأميناً للمارة من الناس صغاراً أو كباراً فقط؛ بل هو لمن يركبون حياً، أو جماداً.
إن مجتمعاً تُحرِّكه هذه الروح الكريمة، لا يخرج منه شقاق؛ وإنما يكون مدلوله الإخاء والأجيال الطيبة، ولا تنال منه البغضاء، ولا يتسرب إليه الحقد، ولا تعرف الكراهية طريقاً إليه، إنما يكون شعارنا الحب يعم كل الناس ويرعونه في صدقٍ، ويحوطونه بأمانة.