اقتباسات
أ. د. عبدالله محمد الأمين النعيم
والحقائق التي لا مهرب من الإعتراف بها هي أن الأمة الإسلامية تمتلك النبوة الخاتمة، وتمتلك القيم الصحيحة الخالدة في الكتاب والسنة، وتمتلك تجسيدها في أنموذج الاقتداء، وتمتلك التجربة التاريخية الحضارية، وتمتلك الطاقات البشرية والروحية والخامات المادية ومع ذلك تفتقد الأهلية والفاعلية والبصيرة، وتغيب عنها ملكة الفرقان التي تمكنها من التفاعل مع الحقائق، وتعاني من التخلف والتراجع الحضاري على الرغم من كل الضجيج والعجيج والدعوات والادعاءات بالتميز والإنجاز التي قد يوبخها الواقع في كثير من المواقع.
وقد تكون بعض وجوه الإشكالية أن الكثير من الجهود الفكرية والثقافية والحضارية لم تقع في الموقع المجدي، الموقع المنتج، لذلك استمر التخلف واستمرت المراوحة والتكرار في ذات المكان، ذلك أن معظم الجهود على مستوى الذات انصرفت للثناء والمديح والفخر بإنجازات السلف ودورهم الحضاري ورسالتهم الإنسانية وعطائهم الإنساني، والتوقف عند ذلك دون القدرة على تعدية الرؤية واستصحاب هذا الإنجاز والإفادة منه لحاضر الأمة ومستقبلها.
واستمرت هذه الحال من المديح والفخر وسيطرة ثقافة معالجة مركب عقدة النقص حتى كانت السبب عند كثير من بني جلدتنا الذي أدّى إلى فقدان الثقة بهذه القيم التي يصب تميزها على رؤوسهم صباح مساء دون القدرة من القائمين على أمرها على تغيير الحال التي يعانون منها. لذلك بدأوا يتطلعون صوب الآخر لعلهم يجدون عنده الدواء لعلة التخلف فيتقدمون كما تقدم لكنهم مع شديد الأسف انتهوا إلى صورة أشد ارتكاساً وتخلفاً.
إنهم باتوا يطلبون النهوض في إطار الآخر، واعتناق قيمه وقياس واقعهم على أصول ثقافية وحضارية غريبة عنهم فأصبحوا أشد تخلفاً وضياعاً وبذلك عجزوا عن تنمية الذات فكانوا أدوات إضافية في تكريس التخلف فلا استطاعوا النهوض من خلال قيمهم وتجربتهم الحضارية التاريخية ولا قدروا على امتلاك أدوات النهوض عند الآخر لأنهم غير مؤهلين للتعامل معها بشكل سليم.
وفي الصورة المقابلة نجد أن هذه الحالة كثيراً ما دفعت شرائح أخرى ممتلئة حماساً من داخل الذات إلى العيش في عالم خيالي افتراضي خارج فقه الوحي وفهم الواقع، الأمر الذي أدّى بها إلى انفجارات عشوائية أول ما ألحقت الضرر بها وشوهت صورة الإسلام النقية عند كثير من أهله وعند الآخر.
العنف في تاريخنا الطويل لم يحمل لنا خيراً، وإنما كان سبباً في تكريس التخلف والتخويف من الإسلام وتشويه صورته الأمر الذي دفع الكثير من الناس إلى مغادرته، فبدل أن نهرب من واقعنا المأساوي ونفر إلى الله ونعتصم بالإسلام أصبحنا نهرب منه ” من تقديم عمرعبيد حسنه لكتاب بروف عبدالله محمد الأمين: الرؤية الإسلامية والمسألة الحضارية، ص 11-13