“العصبية”… صب الزيت على النار (٣)
د. زكريا صالح
🌹🌹🌹🌹🌹
العصبية أو التعصب من الأمراض الاجتماعية المنتشرة في المجتمعات المتخلفة؛ وهي المحاماة والمدافعة وحث الناس على الإقتتال أو الإستعانة والتنادي واستجابة النداء دون إعمال الحكمة والعقل للمدافعة عن الباطل وعدم نصرة الحق، والدافع المحرك للسلوك هو الغرائز والإشباع.
وتعني العصبية مجموعة الروابط والمشاعر والانفعالات النفسية والاجتماعية المستمرة التي تربط بين أفراد الجماعة على أساس صلة القُربى والنسب، وتزداد قوة الروابط عند وجود الأخطار والمهددات.
والشاهد في الأمر أن التعصب يجعل حياة الناس جحيم لا يطاق، ويصل لمراحل العدوان اللفظي والجسدي والأذى والتشريد لأتفه الأسباب، وأحياناً دون سبب..
ونجد أنواعاً للعصبية في حياة الناس وتكون على أساس اللون، أو الجنس والنوع أو اللغة، وكذلك العصبية الرياضية والحزبية والمذهبية الدينية وغيرها، ولو تمسك الناس بتعاليم الدين لانتهت الصراعات..
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” ” تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ ”
تتعدد وتتفاعل وتتداخل أسباب العصبية؛ ومنها التنشئة الاجتماعية الخاطئة، والمكتسبات التربوية والثقافية السلبية التي تؤسس على إقصاء الآخر ودحره..
وكذلك التصورات الذهنية المكونة مسبقاً والتى تشكل صوراً نمطية ثابتة في الواقع لتصبح أساس التعامل، ونجد الكتابات، والآراء، والمقالات، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في تفعيل خطاب الكراهية والعنصرية والتحريض على العنف والتعصب وإشعال نار الفتن، وإثارة النعرات بين المكونات الاجتماعية وعدم قبول الاخر المختلف..
كذلك نجد ضعف وغياب الوازع الديني والأخلاقي والتربوي وصراعات النفوذ والسيطرة والتملك بين الأفراد أو الجماعات من أجل الموارد أو السلطة والمال والمصالح السياسية والمناصب والتي تقود لشراء ذمم وولاءات بعض زعماء القبائل..
أيضاً هنالك الجهل وعدم الوعي المجتمعي بمخاطر التعصب وأضراره، وكذلك انتشار العادات والتقاليد والموروثات البالية والتعالي والتفاخر والاستعلاء العرقي وتوهم الهوية، إضافة لضعف وتفكك وانهيار الدولة والتمدن..
كل ذلك يقود الناس إلى عدم الاحتكام للعقل والدين والقوانين والتشريعات التي تحفظ الحقوق والواجبات، فتنتشر العصبيية والظلم والمحاباة على حساب الكفاءة والجدارة والمهنية.
التعصب الأعمى من عادات الجاهلية، وهو من سلوك الشيطان؛ وسبب طرده من الجنة هو التكبر والعصبية لمخالفته أوامر الخالق ربنا عز وجل، واعتقاده وزعمه بأنه مميز لكونه مخلوق من نار وسيدنا آدم من طين.
لا بد من تكاتف الجميع من أجل محاربة العصبية والاحتكام للتشريعات والقوانين التي تحفظ كرامة الإنسان وحقوقه، والمعيار الديني للتفاضل بين الناس هو التقوى..
ولا بد من بناء التصالحات مع الذات والآخرين ونشر الوعي والاهتمام بالتعليم والاعتراف بالتنوع والتعدد وأن الاختلاف فيه الرحمة والتعارف، وكذلك التزاوج والتصاهر بين المجتمعات يذيب الفوارق ويخلق الإلفة والتواصل، واحترام حقوق الآخر وانتماءه، فالوطن يسع الجميع، والمواطنة هي أساس الحقوق والواجبات.