شذرات فكرية.. إنسانية عمر الخليفة والي “بحر أبيض”

0 162

السماني محمد حمد النيل

تعودت إلا أكتب مادحاً أياً من المسؤولين؛ فهذا دأبي وعادتي..

استثناء؛ هذه المرة، حدثتني نفسي أن أبوح وأتكلم عن سمات وأخلاق شخص يستحق منا الثناء والذكر الحميد بعيداً عن أي تقدير أو اعتبار لوضعيته كمسؤول في الدوله بغض النظر عن إنتمائه الإيدولوجي، أو قناعاته الخاصة واتجاهاته الذاتية التي لاتعنينا  بشيء من قريب أو بعيد فمن الأدب أن ننزل الرجال منازلهم ” فكانت هذه السطور في حق الرجل ولم نرد منها جزاء ولاشكوراً..

عمر الخليفة والي ولاية النيل الأبيض- بحر أبيض- الحالي وخادمها، رجل صاحب أخلاق، ونُبل، وطُهر، وسلوك قويم، وكرم محمود، فقد عرف عنه كل ذلك من خلال تعامله المخلص مع رعيته..

قد علمت أن الرجل نشأ في كنف أسرة ذات اتجاه متصوف؛ كنفاً، وتربية، واتباعاً، وصدقاً على كنف أخلاق وسماحة الطرق الصوفية، وما عرفت به من صدقية ووفاء وإيمان”..

الرجل قِمة في الأدب، ويحمل أخلاق وسمات إنسان  بحر أبيض الجميل التي تعارف الناس عليها” التقيناه على عجل عند بوابة مكتبه وهو يهم بالخروج رفقة أحد ضيوف الرسمين معتذراً للجميع بأنهم قادمين لأداء واجب عزاء بجنوب الولاية”..

بعد عناء وتعب وجهد عانيناه لنصل عند مدخل مكتبه  لنلتقي به في أمر يخص الخدمة العامة، ونسبة لكثرة مشغولياته..

ولسوء الطالع وجدنا في ذلك اليوم عدداً مقدراً من الضيوف الرسمين الذين جاءوا من خارج الولاية  في مهام ذات طابع رسمي كان لها الأولوية”..

لقد لمحت عندما كنا ننتظر خارج مكتبه أستاذة  ستينية ترتدي ثوباً أبيض؛ منهكة ومتعبة تعمل بمرحلة الأساس- حسب ملامحها- وتجلس ملتحفة الأرض وقد أنهك التعب والإرهاق جسدها، وكانت تجلس عند مدخل مكتبه..

حاولت اقتحام المكتب عدة مرات ورفضت إدارة المراسم دخولها نسبة لانشغال الوالي بضيوفه الكرام”..

خرج الوالي من مكتبه متوجهاً صوب سيارته ليغادر إلى موقع أداء واجب العزاء حسب إفادة إدارة مكتبه  “سلّم على الجميع برحابة، وهِمة معتذراً لهم، ووعد بمقابلتهم لاحقاً”..

قاطعته الأستاذة نحن رعيتك وننتظرك منذ الصباح الباكر، نفترش الأرض، ونقف عند هذا المكان منذ الصباح، والآن قد شارف الوقت على المغيب فأرجو أن تسمع شكوانا وطلباتنا أولاً بعدها تخرج بصحبة ضيفك”..

بعد أن وضع رجله عند بوابة سيارته أغلق بابها مرة أخرى وتوقف معتذراً لإدارة المراسم لتأخيره السفر إلى حين الفراغ من مقابلة الرعية..

ومع تدافع المواطنين نحو سيارته سقطت على الأرض الأستاذة الستينية فأمر بفتح الطريق لها ماداً إليها يده لينهضها من على الأرض وصحبها معه من يدها وأدخلها مكتبه وطلب من الجميع الدخول للإستماع اليهم برغم من كبر العدد”..

تم كل ذلك بتواضع جم وأخلاق نبيلة حيث أجلس الأستاذة على كرسيه وطلب منا أن نجلس على الأماكن المخصصة لنا وقد لاح مبتسماً ومرحبا بنا طالباً التعجيل بطرح وعرض ما في جعبتنا من قضايا وهموم فردا فرداً”..

كان رجلاً حليماً؛ إنساناً محترماً مهذباً ومؤدباً في التعامل مع رعيته، والسماح لهم بأخذ راحتهم بالكامل”..

قابلنا الرجل بكل أدب واحترام وتقدير وسمع ما أردنا قوله حتى النهاية مبتسماً ومُرحباً بنا وخرجنا ونحن في غاية الإنبساط وفي أذهاننا الصورة الذهنية الإيجابية التي خرجنا بها في حينها وهذا مالم أكن أتوقعه مع أحد المسؤولين..

وللعلم لم أعرف هذا الرجل من قبل عدا اليوم ” فلسان حال الجميع حينها  يلهج بالشكر والتوفيق للرجل باحترامه وتقديره للجميع دون فرز ” حتى فرغ من آخر مقابلة، بعدها شكر الجميع معتذراً لمغادرته لهم نسبة لسفره لأداء واجب عزاء برفقة والي ولاية سنار الذي كان ينتظره بالخارج”..

خرج وخرجت معه  الدعوات والألسن تلهج بالشكر والتوفيف والنجاح والصلاح له في إدارة الولاية والإحسان إلى رعاياه من مجتمع الولاية الطيب.

شذرة أخيرة

هذا الحال يجب أن يتصف به جميع المسؤولين بالدولة، ويقيني أن أمثاله قليل وحال أغلب المسؤولين في بلادنا ينظرون لرعاياهم من فوق بروج عاجية، وينسون أن المناصب الحكومية مصيرها إنهاء التكليف في أي وقت ليعود الموظف من حيث أتى..

Leave A Reply

Your email address will not be published.