مطبعة الجزيرة للطباعة والنشر.. حينما تعي الدرس جيداً

سيناريوهات
محمد عبدالنبي: (20) ملياراً مديونيات المطبعة على وزارة التربية والتعليم
تحدي تغيير وجه المؤسسة وإزالة التجاعيد فَرَضَ إصلاح المكان والإنسان
ود أبو حامد
تقول الملامح التاريخية؛ أن “شركة الولايات الوسطى” التي كانت تتبع وقتها للتربية والتعليم؛ قامت خصيصاً لأجل طباعة الامتحانات، ونزعت آراء إلى أن يقتصر تشغيلها على الموعد المحدد للطباعة في العام التالي..
بيد أن المرحوم “عبدالحميد الفضل عبدالحميد” مدير الشركة التي تبعت لاحقاً لوزارة المالية؛ آثر الاستمرار بإنشاء قسم تجاري لتأمين الأجور للعاملين، وسُرعان ما تطور الأمر ووصلت الشركة مرحلة طباعة الكتب بجهود الفضل وأعوانه..
وما بين العام ١٩٨١م وحتى ٢٠٢١م تقلبت الأمور وتبدلت الملامح وتعاقبت الفترات الإدارية لتؤول مقاليد شركة الجزيرة للطباعة والنشر المحدودة أخيراً لخريج فنون تمثل المطبعة جزءاً من تخصصه..
وبعد زهاء ست سنوات قضاها الجيلي عجيب الأمين علي؛ مديراً للمطبعة الحكومية (٢٠١٤- ٢٠٢٠م)، آلت إلى محمد عبدالنبي محمد علي كأول مدير بعد الثورة مطلع العام ٢٠٢١م.. وكانت الخطوة مقنعة له بأن يتولى هذه المهمة لتلبية حاجة الولاية من المطبوعات خاصة الحُكومية..
“عبدالنبي” وإن لم يُرِد الحديث عن شكل الفترة الماضية وتبخيس جهد أحد؛ تأسيساً على قاعدة: “أن كل شخصٍ يعمل في حدود إمكانياته”.. إلا أن المطبعة من ناحية البيئة بدت له غير صالحة، ولا تُشرفه أن يكون على رأسها وهي ليست جيدة البناء والتأسيس..
*إحياء
واقع المطبعة كان يحكي عن يأس، وتأفف من الوضع، وغُبن، وحقوق مهضومة، يضاف إلى ذلك عشرات الماكينات المعطلة خمس منها بالقسم “السري” الذي أوصد بابه بقُفلٍ كبير.. ما فرض الاجتهاد للإعمار والصيانة لتعود ست ماكينات للعمل، وتتمكن المطبعة من طباعة الامتحانات في وقت وجيز للجزيرة، والنيل الأزرق، وشمال كردفان..
وراج مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي؛ كان يحكي واقعاً سيئاً عن المطبعة.. واستفز “عبدالنبي” وساءه أحد التعليقات التي أشارت إليه بأنه تسلّم “خرابة” ما وضعه أمام تحدي كبير لتغيير وجه المؤسسة وإزالة التجاعيد والصور غير الجميلة بإصلاح المكان والإنسان..
وباعتبار العامل، والفني يمثلان أساس العملية الإنتاجية، كان لزاماً على الإدارة أن تُصحح ما أعوجّ من أوضاع العاملين وتراقب أحوالهم، فالإنسان هنا واحد من محاور العمل، ومركز دائرة الاهتمام سواءً بتقدير إنتاجه وحفزه عليه، أو تأمين احتياجاته الضرورية..
فالإدارة وفرت وجبات تُغني عن البحث خارجاً، وتحافظ على وقتٍ ثمين يُوجه لصالح الإنتاج، وتسعى من خلال سلسلة جهود متصلة وممتدة لتعزيز الشعور بالفخر وسط العاملين تُجاه المؤسسة..



*حقوق
وفي أي مكان تغلُبُ عليه صفة الإنتاج؛ وتقديم الخدمات، تتنامى الحاجة لتأكيد الجدية في العمل من خلال الإسهام في كُلفة التشغيل، وإكمال المتبقي بعد إنجاز المطلوب.. ولكن لكل قاعدة شواذ؛ فقد تتغير المُعطيات والوُجهة أمام عمل قومي ووطني يتحتم معه تقديم الإنجاز على السداد..
وهو ما حدث بالضبط في امتحانات شهادة الأساس بالجزيرة التي أنجزتها المطبعة من سنامها في أقل من شهر بغالب ظنٍ أن المستفيدين سيقدرون هذا الجهد ويوفون بما عليهم من التزاماتٍ يحتمها عليهم الضمير الإنساني أولاً، وإيتاء حق الأجير قبل أن يجف عرقه..
انشغال التربية والتعليم ببنود أخرى تراها أعلى أهمية؛ أنساها ذكر حقوق أهل المطبعة الذين قوبل إحسانهم بالجحود والنُكران، ليجثوا على الأرض فاغرين أفواههم استجداءً لحقوقٍ أخطأت طريقهم وذهبت لآخرين ما قد يغير شكل التعامل واختيار مواضع الأقدام مستقبلاً فقد وعت الإدارة الدرس جيداً..
وفي ضوء هذه السابقة؛ إن قُدِّر لوزير التربية والتعليم طلب طباعة امتحانات شهادة الأساس مستقبلاً؛ سيتوجب عليه الإجابة عن امتلاكه 50% من كُلفة الطباعة، وإلا سيواجه باعتذار لطيف، ولن تنطلي حيلة (الطباعة أولاً قبل السداد) على الإدارة التي تُقر باشتراكها في الخطأ بعدم اعتذارها منذ البداية عن طباعة الامتحانات..
دأبُ أكثر المطابع والشركات هو دفع ٥٠٪ قبل العمل، والأخرى عند الاستلام، وعادة ما تمنحُ مطبعة الجزيرة حافزاً تشجيعياً لمُورد الشيك لتكفي نفسها شر سلسلة طويلة ومتشعبة من الإجراءات..
ويتحدث “عبدالنبي” عن أموال بالمليارات تُجبى من الطلاب لصالح قسم الامتحانات، وهو أحد الذين جلبوا أموالاً طائلة من المدينة عرب.. ويؤكد أن كل الطلاب دفعوا الرسوم المفروضة عليهم، والتي يتم تسليمها للخزينة الموحدة، لتُحوِّلها للتربية والتعليم، لتُحرر شيكاً باسم المطبعة في سلسلة بيروقراطية قال المدير العام إنه “ضدها”..
المالية ورغم انفضاض سامر طباعة الامتحانات، طالبت المطبعة بخطابات ضمان، واستخرجت لهم نذراً يسيراً من حقوقٍ أصيلة على وزارة التربية والتعليم مدفوعة سلفاً إليها، ولكن يبدو أن الوزارة وضعت الأموال في غير مواضعها مؤثرة التأمين، والتصحيح وغيرها من البنود على سداد استحقاقات المطبعة وعمالها وموظفيها الذين انقطعوا للعمل ليالي وأياماً لإنجاز المطلوب..
إذاً؛ يجد مسؤولو شركة الجزيرة أنفسهم في دورة طويلة تنتهي بمدير مالي يتجهمهم، ويتعذر بأن أموالهم دخلت في تسيير شؤون أخرى.. وبمثل ما اهتمت المطبعة بأن لا تخسر التربية سمعتها، يطالبها “عبدالنبي” بمزيدٍ من الاهتمام وسداد متبقي استحقاقهم عليها والمقدر بنحو (19.669) مليون جنيه..
إرجاء سداد مطالبات المطبعة كبدها خسائر فادحة في أهم أصولها وهي الورق الذي لن تتمكن من شرائه اليوم إن قُدر لها الحصول على حقوقها الضائعة، ويُقدِّر مدير المطبعة الخسارة بنحو 5 آلاف جنيه في كل رزمة ورقية، حيث لا تقل الكمية عن 1500 رزمة.. ويضيف: “التربية تهتم تشوف لينا باقي قروشنا، و20 مليار كثيرة على مطبعة شغالة بتقدم للناس، ودي خسارة”..
*تطوير
المطبعة كأي جهة حكومية لديها مشاكل كثيرة منها ما هو متوارث ويحتاج لصبر وعمل.. وبعد تقلده مهام منصبه تفاجأ المدير بموجة غياب وتأخر متكررة للعاملين اتضح أنها تعود لعدم الترحيل بسبب خلافات في العمل قادت لوضع “الحافلة” قيد الإقامة الجبرية، بالإضافة لتعطل مركبات أخرى..
ورغم اعترافه بأهمية الترحيل لاستقرار العاملين، إلا أن إصلاح مركبات المطبعة يظل أمراً مكلفاً يتجاوز الطاقة ما فرض اتجاه الإدارة لتقييمها مع جياد عبر مهندسين من الجانبين، وجهات محايدة لبحث إمكانية استجلاب متحركات جديدة لتطوير الأداء المهني للمؤسسة..


وتبحث المطبعة استغلال نحو (101) مليار في شراء ماكينات وأجهزة حديثة متعددة الأغراض، حيث مضت في هذا الطريق خطواتٍ قوية؛ ويحقق استجلاب هذه الماكينات رفع مستوى العاملين بمختلف فئاتهم، وتدعم مسيرة الترقية والتطوير فالماكينات، والعمال المهرة هما أساس تقدم وازدهار أي مطبعة..
*مفارقات
بسطت شركة الجزيرة للطباعة والنشر المحدودة يدها كل البسط في طباعة امتحانات شهادة الأساس بالولاية، وقعدت ملومة محسورة بعد أن تفرق دم مطالباتها المالية هدراً بين مؤسسات الولاية المعنية..
ويذكر مدير عام وزارة التربية والتعليم بالولاية مأمون عالِم- في حديث سابق عن طباعة امتحان شهادة الأساس بالمطبعة الحكومية.. أنه ظل مرابطاً بالمطبعة ثلاثة أيام، ينام فيها على “الكنبة”، مضيفاً أنه “لا يريد ثناءً” وإنما كان أمام تحدي “نكون أو لا نكون” مما ساعد على خروج الامتحان نظيفاً لا تشوبه شائبة على حد تعبيره..
ويثير ذلك العديد من التساؤلات حول استحقاقات المطبعة على وزارة عايش مديرها العام تفاصيل ما بُذِل فيها من جهد، وعرق؟!.. ورأى “عالم” أن تأخر تسليم الامتحانات قبل يومٍ واحدٍ قلل من فرص كشفها وتكبد خسائر تصل إلى 2.5 مليون جنيه.. بينما تكبدت المطبعة أضعاف ذلك من الخسائر في الورق..