العقل.. أكبرُ نِعَمِ اللهِ علينا
حسن عبدالرحيم عبدالله “أبو هدى”
لقد كرّم الله الإنسان بكرامات كثيرة من أعظمها هذا العقل الذي جعله الله مناط التكليف، وإحاطة بالخطاب والتنبيه، به تميز الإنسان وتكرم وترقى في شأنه وتعلم.
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء (٧٠)..
جعل الله العقل ضرورة كبرى، وشرع لصيانته الحق والحد، وبه يميز الإنسان بين الخير والشر، والنفع والضر، وبه يتبين أوامر الشرع ويعرف الخطاب ويرد الجواب، فإذا زال عقل الإنسان لم يكن بينه وبين البهائم فرق بل هو أضل منها.
قال تعالي ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [ الفرقان: 44]
بل يُنتفع بالحيوان، أما الإنسان فلا ينتفع منه بعد زوال عقله، ويكون عالة على غيره ويخشى شره ولا يُرجى خيره..
مع كل ذلك؛ فقد أبى بعض التائهين إلا الانحطاط إلى درك الذلة والانحدار إلى المهانة، فأزالوا عقولهم معارضين العقل والشرع وذلك بتعاطي الخمور والمسكرات والمخدرات..
إن من أعظم الآفات على مجتمعاتنا اليوم؛ آفة المسكرات والمخدرات؛ فهي أم الخبائث، وأم الكبائر، وأصل الشرور والمصائب، شتت الأسر، وهتكت الأعراض وتسببت في السرقات، وجرّأت على القتل، وأنتجت كل بلية ورذيلة، وأخذت أصحابها إلى السجون، وأودت بالبعض إلى الانتحار.
ذمَّ المسكراتِ والمخدراتِ؛ العقلاء منذ عهد الجاهلية، وترفع عنها النبلاء من قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام ذمها، وحرمها، ولعنها، ولعن شاربها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه.
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: ٩٠]..
بين الله مفاسد الخمر، وأنها رجس من عمل الشيطان، وأنها توقع العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وهي سبب لعدم الفلاح. فهل أنتم منتهون؟
يقول تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)..
عندما نزلت هذة الآيات قال من كان يشرب الخمر من الصحابة: (انتهينا.. انتهينا).
والخمر كل ما خامر العقل وغطاه مهما كان نوعه، وأياً كان اسمه..
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكل مُسْكِرٍ حرام، ومن شرِب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا في الآخرة».
وفي رواية جابر رضي الله عنه: (قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إنَّ علَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَن يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِن طِينَةِ الخَبَالِ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَما طِينَةُ الخَبَالِ؟ قالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ.) .رواة مسلم .
إنها نصوص زجر، ووعيد، وتخويف، وتهديد يقف عند حدها من يعلم أنه محاسب غداً أمام الله العظيم..
إن المخدرات بأنواعها أشد شراً؛ فهي تفسد العقل، وتدمر الجسد، وتُذهب المال، وتقتل الغيرة، فهي تشارك الخمر في الإسكار، وتزيد عليها في كثرة، الأضرار والآثار المدمرة.
نتحدث عن المخدرات فى وقت ضجت بالشكوى فيه البيوت، واصطلى بنارها من تعاطاها ومن عاشره، فقد أحالت حياتهم جحيماً لا يطاق..
فوالد يشكي، وأم تبكي، وزوجة حيرى، وأولاد تائهون، ومن عوفى فليحمد الله حمداً كثيراً طيباً.
المخدرات تفسد العقل لا محالة، وتقطع النسل، وتورث الجنون، وتجلب الوساوس والهموم، وأمراضاً عقلية وعضوية مستعصية، وأمراضاً نفسية محيرة، وتجعل صاحبها حيواناً هائجاً ليس له صاحب، وترديه فى أسوأ المهالك مع ما تورثه من قلة الغيرة، وزوال الحمية، تفككت الأسر ، وتفشت الجرائم بسببها، وأعظم آثارها فقد الدين، وضياع الإيمان.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمنٌ).
إن انتشار هذا الوباء، يرجع إلى ضعف الإيمان، وضعف الوازع الديني بسبب التفريط في الطاعات، وكثرة المعاصي، وكثرة وسائل الإلهاء والتغفيل التي أبعدت الناس عن هدي الله، فلا يفكر أحدهم في عذاب الآخرة ولا عقاب الدنيا..
كذلك الفراغ القاتل، والبطالة سيما عند الشباب؛ وخاصة عند مصاحبة أصدقاء السوء. وإن للأعداء مخطط بنشرهم للمخدات لاستلاب العقول والأموال؛ عافانا الله من هذة الأوبئة والشرور، ورزقنا سلامة العقل..
إن أمة لا تحافظ على عقول بنيها، لهي أمة ضائعة. ماذا فعل السكر بأهل الجاهلية؟ هل أعاد لهم مجداً تليداً؟ أو وطناً سليباً؟ هل أخرجوا الناس من ظلمات الجهل والتيه إلى نور الهدى والاستقامة؟ لا وألف لا.
إن آفة المسكرات والمخدرات تفشت في عصرنا الحاضر في حرب يشنها أعداء أمة الإسلام بهدف تخديرنا وإهدار طاقات شبابنا، وشل جهودهم وعقولهم، وزجوا بكميات كبيرة في الأسواق والمدن حسداً من عند أنفسهم، يريدون لأمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن تتورط في السموم فلاتخرج منها إلا بعد شدائد وتعب مُضنٍ، وتوبة صادقة.
وقع جمع من الناس في براثنها، ورضعوا من أثداء المخدرات والمسكرات.. أهلكوا بها أنفسهم، وأزهقوا أرواحهم، يحفرون قبورهم بأيديهم حتى صاروا أشباحاً بلا أرواح.
أخرج النسائي وبن حبان في صحيحه أن عثمان رضي الله عنه قام خطيباً فقال: ( اجتنِبوا أمَّ الخبائثِ فإنَّه كان رجلٌ ممَّن كان قبلكم يتعبَّدُ ويعتزِلُ النَّاسَ فعلَقتْه امرأةٌ فأرسلت إليه خادمًا إنَّا ندعوك لشهادةٍ فدخل فطفَقت كلَّما يدخلُ بابًا أغلقته دونه حتَّى إذا أفضَى إلى امرأةٍ وضيئةٍ جالسةٍ وعندها غلامٌ وباطيَّةٌ فيها خمرٌ فقالت إنَّا لم ندعوك لشهادةٍ ولكن دعوْتُك لقتلِ هذا الغلامِ أو تقعُ عليَّ أو تشربُ كأسًا من الخمرِ فإن أبيتَ صِحتُ بك وفضحتُك قال فلمَّا رأَى أنَّه لا بدَّ له من ذلك قال اسقيني كأسًا من الخمرِ فسَقَته كأسًا من الخمرِ فقال زِيديني فلم تزَلْ حتَّى وقع عليها وقتل النَّفسَ فاجتنِبوا الخمرَ فإنَّه واللهِ لا يجتمعُ إيمانٌ وإدمانُ الخمرِ في صدرِ رجلٍ أبدًا وليوشِكنَّ أحدُهما يُخرِجُ صاحبَه)..
والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قال 🙁 أتاني جِبْرِيلُ عليه السلامُ فقال: يا محمَّدُ، إنَّ اللهَ لعَنَ الخمرَ، وعاصِرَها، ومعتصِرَها، وشاربَها، وحاملَها، والمحمولةَ إليه، وبائعَها، ومبتاعَها، وساقيَها، ومستقاها)..
وقال الحسن البصري رحمه الله: “لوكان العقل يشترى لتغال الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده”.
وصيتي للشباب: أنتم عماد الأمة، وجيل المستقبل؛ منكم يتكون بناء الامة، ومنكم يكون القادة، والعلماء، والأدباء، والصناع في كل المجالات..
فلنضع وصية لقمان لابنه نصب أعيننا: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ) حافظوا عليها وفي جماعة.. إياكم واستحواذ الشيطان عليكم بغروره وخداعه، وأحذر أن يجرفك تيار الشهوات، أو تقليد من لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
لتكن أيها الشاب الحكمة والعقل رائدك، وسبيلك لحياة طيبة.. واعلم أن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد أمرك وأرشدك إلى: الصلاح، والعفاف، والتقى..
المخدرات (خطر داهم) اجتنبوها.. اجتنبوها..
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يارب العالمين، واحفظنا وأهلينا من خطر المسكرات، والمخدرات..