جيل العطاء.. الأستاذ: الحاج “مكي مدني” أول موظف بجامعة الجزيرة

0 649

(سلسلة توثيق رموز جامعة الجزيرة)

جيل العطاء..

الأستاذ: الحاج مكي مدني أول موظف ومدير لإدارة الخدمات بجامعة الجزيرة

 (41) عاماً مديراً لإدارة الخدمات بالجامعة

ترك الخليج والتحق بجامعة الجزيرة

هؤلاء أول ثلاثة بدأوا العمل بمكاتب مدني

مكاتب الجامعة إنطلقت من كرنتينة جنوب مستشفى مدني

عمال كلية العلوم بجامعة الخرطوم ساهموا في صناعة أثاث المعمل الطبي

بقلم: يس الباقر

  آخر مرة تحكي تفاصيل عطائه وبذله لشرائح المجتمع ومساعدتها كان عبارة عن إعلان صغير له داخل مجموعة (واتساب) يخبر فيه الموجودين بالمجموعة عن نيته توزيع مراجع طبية قيمة موجودة بمنزله مجاناً للذين يحتاجونها وهي تخص إبنه الذي درس الطب وتخصص في جراحة المخ ، إلا أن عطاءه الأول وتقديمة لأعمال الخير ومساعدة المحتاجين كانت تخرج من شفاهـ الذين عاصروه من عمال وموظفين منذ بداية تأسيس الجامعة؛ حيث ظل يسخر كل وقته وعلاقاته لأجل تأسيس الجامعة ونهضتها، فكثير من المواقف والمشاكل التي مرت على الجامعة كان يتصدى لها بتسخير كل ما يملك بالعمل على حلها.. سخر كل وقته لحل الكثير من المعضلات في السكن، واستقبال الوفود الزائرة للجامعة، واستضافتهم، وترحليهم، وسفر البعثات وخلافه، فظل الأستاذ: الحاج مكي مدني طوال سنين عمره التي قضاها موظفاً ومديراً للخدمات يمثل رصيداً ضخماً له في خدمة جامعة الجزيرة، بل امتدت يده بمعاونة أشقائه في حل كثير من قضايا الطلاب المالية..   

**لمحات فنية:

   ربما كان لطبيعة الحي الذي ولد ونشأ فيه الأستاذ: الحاج مكي وهو الحي السوداني الذي يسكنه كبار المسؤولين بالولاية والمؤسسات الإتحادية مثل: إدارات وموظفي ومهندسي وزارة الري التي تأخذ حيزاً كبيراً وعدداً لايستهان به من منازل لها في هذا الحي، وفي امتداد كبير من هذا الحي بما في ذلك رئاسة الوزارة نفسها.. نشأته في هذه البيئة جعلته مولعاً بممارسة الكثير من الأنشطة الرياضية التي تتواجد ملاعبها بالقرب من الحي مثل السباحة بنادي الجزيرة، وكان أيضاً مغرماً بلعب الإسكواش والكرة الطائرة والتنس.. ورغم تقلده عدة مناصب بنادي الإتحاد الرياضي بود مدني حتى وصل نائب رئيس النادي،  إلا أنه لم يمارس رياضة كرة القدم! ولكنها كانت كعادته وعادة أبناء ودمدني يتابعون الرياضة بشغف ويشاهدونها ويشجعونها، وفي استاد ود مدني شاهد الكثير من اللاعبين الأفذاذ ولكنه كان مغرماً جداً بلاعب الإتحاد ودمدني محجوب الله جابو، وسمير صالح، وإبراهومة الكبير، وقاسم سنطة، وبابكر سانتو، وسيد سليم، وامتداداً لذلك شاهد في ود مدني الموسيقار محمد الأمين وأبوعركي البخيت وعبد العزيز المبارك رحمه الله.

**الميلاد والنشأة:

   في الحي السوداني بودمدني والذي كان يعد أزهي وأجمل الأحياء السكنية، حيث كانت تحفه الخضرة من كل جانب ويسكنه كبار الموظفين والإداريين وحكام الإقليم، كان ميلاده في العام 1946م فوالده مكي مدني من كبار قيادات الري وتولى منصب مدير الري بعد السودنة..

 وفي ودمدني بدأ الأستاذ: الحاج مكي تعليمه الأولي بمدرسة مدني الأهلية الأولية سنة 1953م وقضى فيها أربع سنوات، ومن ثم انتقل إلى مدرسة ودمدني الأهلية الوسطى والتي التحق فيها في العام 1957م وحتى العام 1961م.. ومن الأساتذة الذين درسوه بالأهلية الوسطى الأستاذ: الزبير تميم الدار، والأستاذ: عوض مصطفى، والأستاذ: بشير فضل الله، والأستاذ: الريح الليثي، والأستاذ: عباس شدو، ومن الوسطى إلتحق بمدرسة الأحفاد الثانوية بأم درمان..

   شهدت حياته العملية في بداياته التنقل في عدد من المؤسسات، وكانت أول محطة عملية له بمدينة كوستي؛ حيث عمل في العام 1965م كضابط إنتخابات لمدة عام، ثم بعد ذلك انتقل للعمل بمشروع الجزيرة في العام 1967م لمدة ثلاث سنوات حيث عمل فيه حتى العام 1971م، ومن مشروع الجزيرة هاجر بعده إلى دولة الأمارات العربية المتحدة والتحق فيها بالعمل بوزارة المواصلات، ثم عاد إلى السودان في إجازة في العام 1975م وأثناء قضاء إجازته وسط أهله بمدينة ودمدني قابله البروفيسور: محمد عبيد المبارك مدير جامعة الجزيرة رحمه الله وطرح عليه أن يبحث له عن شخص يعمل معه في إدارة الخدمات ويكون من أبناء مدينة ودمدني وتكون لديه صلات واسعة بأهلها وأن يكون لديه عربة تساعده على التحرك.. فقال الأستاذ: الحاج وافقت لبروفيسور: محمد عبيد بأن أعمل معه في تلك الوظيفة كان ذلك في يناير 1976م.

**علاقة أسرية:

 ولما كان للبروفيسور: محمد عبيد المبارك رحمه الله علاقات وثيقة بمجتمع المدينة، كان شقيق الحاج مكي مدني الدكتور: أمين مكي مدني من أبناء دفعته وأقرب أصدقائه، وكان يزورهم في منزلهم باستمرار ويقول: الحاج مكي مدني إن منزلنا كان يستضيف عمداء الجامعة الأربعة التي قامت بداية تأسيس الجامعة وكانوا يجمتعون بمنزلنا لأنه في ذلك الوقت لم تكن هنالك إستراحات موجودة، ومن منزلنا كانوا يحددون وجهتم ومسار عملهم وتحركاتهم نحو المؤسسات التي تساهم معهم في خطوات التأسيس، ويمضي بالقول عينت في تلك الفترة وكنت أول موظف يتم تعيينه في جامعة الجزيرة، ورغم الراتب الذي كان يتقاضاه في الإمارات والذي يصل إلى 4500 جنيه وقتها إلا أنه فضل البقاء بالسودان وتسخير كل علاقاته في تأسيس الجامعة حيث كان يتقاضى مبلغاً وقدره 75جنيهاً بداية تعيينه.

**بداية الإنطلاقة:

   يقول: الأستاذ الحاج مكي مدني إن أول مكاتب للجامعة بمدني كان عبارة عن كرينتينة تقع جنوب مستشفى ودمدني تم شراؤها من البروفيسور: عوض محمد أحمد رحمه الله وكانت بها 9 مكاتب صغيرة ودورات مياه أحضرت طربيزة وكراسي وتلفون لممارسة عملي وعينت سكرتيرة بالمكتب..

  ويشير إلى أن طبيعة  العمل في بادئ الأمر كنا نقوم بإجراء الإتصالات ببعض المؤسسات والجهات بغرض إستقطاب الدعم وفي ذلك الوقت كانت توجد بعض المباني مثل المعمل الذي آل لجامعة الجزيرة وكان يتبع لكلية طب ناصر، وكان أيضاً يوجد مجمع (MLT) بالكلية الإعدادية حالياً وكان غير مكتمل ومنها كانت الإنطلاقة، ووقتها كنت مشرفاً على العمال الذين يحضرون للعمل في مباني الجامعة من الري والبحوث ومشروع الجزيرة، وبعدي مباشرة تم تعيين المهندس: قاسم محمد عثمان حسين بطري وبعد شهرين من تعييني عين الأستاذ: محمد عمر أحمد كأول أمين للجامعة ومن ثم انطلقنا نحن الثلاثة في بداية العمل بالجامعة..

**نقطة تحول:

        لم تمضي سوى فترة قليلة من الزمن إلا وأن بدأ العمل في تطور ملحوظ وخطى متسارعة حيث أحضر البروفيسور: محمد عبيد المبارك مدير الجامعة عمال كلية العلوم بجامعة الخرطوم وقمنا بإيجار منزل لهم بحي الدرجة حيث قاموا بتصميم البنشات والترابيز والمقاعد للمعمل الطبي فكنا نوفر لهم وجباتهم واحتياجاتهم حتى اكتمل العمل في تأسيس المعمل الطبي ومن ثم بدأ المهندس: قاسم بطري الإشراف والوقوف على المباني حتى اكتمالها، وكنت مع الأستاذ : محمد عمر أحمد نتواصل مع مشروع الجزيرة حيث وفر لنا المشروع الكثير من الإحتياجات والدعم وأثناء ما كان العمل مستمراً في عدد من الإتجاهات والمواقع كان العمداء يحضرون من وقت لآخر لمتابعة سير العمل الذي كنا نتابعه نحن الثلاثة شخصي ومحمد عمر أحمد وقاسم بطري وكانت هذه الخطة تمثل نقطة تحول وانطلاقة.

**تسخير إمكانيات:

   برغم الأدوار الكبيرة التي كان يقوم بها الأستاذ: الحاج مكي في قيام الجامعة من خلال تسخير علاقاته بمجتمع المدينة والجزيرة والتي ارتبط بها لسنوات قضاها موظفاً بمشروع الجزيرة، إلا أنه لم يهمل دوره الأساسي من خلال وظيفته الأساسية التي أوكلت إليه كمدير للخدمات وهي  توفير السكن للأساتذة وإيجار المنازل لهم ولأسرهم وتوفير إحتياجاتهم من خلال توفير الثلاجات والبوتجازات وغيرها من الأجهزة التي يحتاجها الأساتذة من معينات تحقق لهم الإستقرار، وكانت توضع هذه المعدات والتي يتم خصمها شهرياً من الأساتذة والعاملين  في مخزن مؤجر من رجل البر والإحسان المرحوم: بابكر سالم أبوسنون، وأيضاً ارتبط قسم الخدمات بالإشراف على السائقين والعربات وحركتها وشراءها وصيانتها وسفر الأساتذة ومنسوبي الجامعة للمأموريات، فتم شراء بصات الأوستن والبيدفورد وهذه العربات ساهمت في نقل الطلاب من وإلى الجامعة وللرحلات العلمية منذ بداية قبول الطلاب بالجامعة في العام 1978م ومن أوائل الذين عملوا بالخدمات هم محمد الدومة وحضر من الخرطوم وعوض فضل المولى وإبراهيم بريمة كان يقود القندراني وتم شراء لوري لنقل المواد والأسمنت من عطبرة وبعدها تم شراء عربة (داف) لنقل البنزين من بورتسودان وكنا نقوم بإرسال الداف لبورتسودان لإحضار الوقود من بورتسودان وتصادف ذلك كثيراً مع وجود أزمات حادة في ذلك الوقود فكانت عربات الجامعة هي الوحيدة التي تتحرك بعد أن وفرنا لها مخزوناً وافراً من الوقود ساعدنا كثيراً في الحركة، وأيضاً من الذين عملوا منذ بدايات تأسيس قسم الخدمات طلحة عبد الله، وكابوكي، وجون، وعثمان التوم ومن الموظفين الباقر محمود وعلي عبيد رحمه الله ومن السكرتيرات سلمى بحيري وبعض العمال وأول خفير عمل معه هو عبد الله مختار.

**مراحل تطور:

  مر قسم الخدمات بمراحل تطور عديدة فتم شراء عدد من العربات منها بكاسي وآليات أخرى ومن ضمن خطة تطوير الخدمات تم إنشاء ورشة لصيانة العربات وفصلت هذه الورشة من الهندسة الزراعية مطلع التسعينات، وتم إنشاء طلمبة وقود لتزويد عربات الجامعة بالوقود ولكنها لم تستمر، ومن الخطط أيضاً تم عمل استراحات لاستقبال ضيوف الجامعة والوفود الزائرة وكانت أول إستراحة بجامعة الجزيرة هي إستراحة حنتوب قامت مطلع التسعينات بعد أيلولة مدرسة حنتوب لجامعة الجزيرة وأيضاً أقيمت إستراحة بالكلية الإعدادية وهي كانت عبارة عن مبني يتبع للرعاية الصحية الأولية وتم تأهيله بطريقة حديثة ليستقبل وفود الجامعة، ولاحقاً آل معهد النيل الأزرق الصحي للتدريب والبحوث وهو أيضاً به إستراحة مؤهلة .

**الأسرة:

  الأسرة الإبن الأكبر (خالد) تخرج في جامعة الجزيرة وتخصص جراحة ومخ ومستقر بأمريكا، و(عمرو) تخرج في جامعة الخرطوم هندسة مدنية في إنجلترا ويعمل في الدوحة، و(عزة) تخرجت في كلية الإقتصاد وهي متزوجة ومستقرة بالسودان، والمدام الأستاذة: نور عبد الرحيم محمود كانت تعمل في وظيفة سكرتير أكاديمي بالشؤون العلمية، ومسجل لكلية الطب ومؤخراً تقاعدت للمعاش.

Leave A Reply

Your email address will not be published.