هجرة المثقفين.. “صلاح الزين”.. كيف قاوم مرض “الحنين”
سيناريو: محمد عبدالنبي
لمع اسمه في فضاءات الثقافة العريضة، وقَوِيّ رباطه مع رابطة الجزيرة للآداب والفنون التي إن كُتِب لها الاستمرار؛ لفتحت فضاءات أرحب للحديث معه عن قضايا الثقافة، والتشكيل، والمسرح وغيرها من القضايا؛ فثمة مخزونات واحتياطات كبيرة ورصيد معرفي متراكم تختزله تجربة رجل اختفى في زحام الغربة، وضرب حول نفسه سياجاً يحميه من “الحنين” وأن تتنازعه أهواء المهاجر والوطن..
*بروفايل
“صلاح الزين”.. مواطن سوداني؛ من أبناء الجزيرة، كاتب، وقاص، وشاعر، وناقد، يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات طويلة.. علاقته بود مدني ضاربة القِدَم، ويعتبر نفسه ابنها “ثقافياً” بسلسلة علاقات ممتدة منذ زمن محمد محي الدين، وبابكر سليمان في رابطة الجزيرة للآداب والفنون، إضافة لتشكيليين من بينهم “زومبا” ومحمد عبدالنبي، وعصام عبدالحفيظ، والفاتح عُلما، وطارق مصطفى، وأحمد المصري، وغيرهم..
درس في جامعة الخرطوم، تخصص في عِلمِ الاجتماع ونال الماجستير والدكتوراه، ويعمل حالياً في وزارة الخارجية الأمريكية..
*هجرة المُثقف
واختار كثير من الفنانين السودانيين (أدباء- مسرحيون- تشكيليون…) المهاجر حيث تتغير الجغرافيا المكانية والاجتماعية التي ربما تغيّر معها شكل الإبداع في الموطن الأصلي لاختلاف جمهور المُتلقين ما قد يؤثر في الإنتاج الفني، ويؤدي بطول الأمد إلى المحو من ذاكرة الوطن..
وفي نظر “الزين” فإن للهجرة من مكان لآخر تأثير على الكاتب سلباً أم إيجاباً، وسبق له أن ناقش ذلك في حوار تلفزيوني محوره هجرة المثقف.. فبحر الغربة كما ذكر ابتلع كثيراً من الفنانين أمثال تاج السر الملك، وخالد كودي، وعبداللطيف علي الفكي، وعبدالجبار عبدالله وغيرهم من الذين يُواجَهُون في الغربة بِتٌغيُّر جمهور المُتلقين..
“الزين” من الذين نزعوا للكتابة باللغة العربية ما جعل أعماله الفنية أكثر انتشاراً وسط الناطقين بالعربية.. وهو يرى أن السودانيين من أحدث الشعوب وآخرها هجرة، حيث حدثت بعد انقلاب الجبهة الإسلامية القومية وما حصل من إفراغ شامل للسودانيين بكل تخصصاتهم..
وفي الغربة يجب أن تكون فرضية التعامل مع المكان الذي يتواجد فيه المُهاجر “حاضرة”؛ فالتعاطي مع المكان عند “الزين” يؤثر سلباً أو إيجاباً على العمل..
وفي الثورة الرقمية؛ بدأ إنتاج الكُتب بالظهور، وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تذويب المسافات بين الكاتب والقارئ.. إلا أنه ليس هنالك ترجمات تذكر لكتابات “الزين” العربية رغم إمكانية أن تكون هنالك حوارات بلغاتٍ أخرى..
*مرض الحنين
ومن واقع تجربته الشخصية ككاتب، فإن الأصل في هذه القضية كما ذكر هو: “دِرْبتُك- قدرتك- حَرَافَتُك” في التعاطي مع المكان الذي تتواجد فيه، وعدم تركه يغلُب على الموطن الأصل والعكس صحيح..
وحرص الزين على حماية نفسه من الإصابة بمرض “الحنين” أو التحول إلى “اسفنجة حنين” لها خاصية الامتصاص فقط دون عطاء فذلك قد يقضي في نظره على أي قدرة حالية أو مستقبلية للإبداع في أيٍّ من المجالات..
*التجربة الشعرية.
ويصف “الزين” تجربته الشعرية بالغربية جداً!! فهو قد كتب الشعر الفصيح في الصف الأول الثانوي، وأصدر ديواناً بَرِح بعده أرض القَصِيد.. وكانت تنشط وقتها الجمعيات الأدبية.. وبدخوله الجامعة ظهر اهتمامه بأشكال أخرى للأدب بينها: “القصة القصيرة- النقد الأدبي والمسرحي بشكل خاص..
وكان للمَهَاجِرِ التي سافر إليها سنواتٍ طويلة، دور في إنهاء قطيعته للشِعر وإعادته للكتابة مُجدداً، وليتخذها علاجاً ضرب به طوقاً حول نفسه يعصمها به من مرض” الحنين”.. فكانت العودة بنهمٍ للكتابة وبشكلٍ منتظم رغم ما يراه ويحسه فيها من اختلالات.. فكان الشعر هو العلاج في تلك الجغرافيا الأمريكية، وعسلُ المكان الذي منحه القدرة على التعاطي معها..
*قطار الذاكرة
عادة كل الطيور المهاجرة أن تعود لمواطنها الأصلية؛ تنشد الدفئ وكل ما ارتبط بالوجدان.. وفي طريق عودته للوطن اتسعت عيون “الزين” على ما رحُبت لتحمل كل الناس، وصورة الوطن الذي ظل يحلُم به.. يسافر على قطار الذاكرة، ويمر بمحطات كثيرة جداً ينزل بها البعض، ويصعد منها آخرون.. تحضر فيها المفاجآت والعناق.. وتجد فيها كل الوجوه، وأشكال التخيل، والكلام، والنكتة.. فالإنسان له عدة وجودات تتجسد له في قطار الذكريات الذي يمكن أن يخرج عن مساره..
*المنتوج الفكري
وبالعودة للفن الذي يأخذ أشكالاً مختلفة، ثمة رؤى مختلفة، وتفاوت في اللمسة والبصمة.. وفي تصورات “الزين” أن الفنان الذي يستخدم يديه في التلوين، والرسم، والنحت، وغيره تترجح كفته وقدرته في أن يكون أكثر شمولاً عن ذلك المقتصر على الكتابة بالقلم، وهي فلسفة ربما أعطته الدافع للمحاولة في كل المجالات مع استصحاب كل احتمالات الفشل والنجاح..
“الزين” أصدر كتابين، ويعكف على تكلمة رواية، وينتظر أن يصدر لها ديوان تحت عنوان: “المهملات” كتب فيه عن: “المخدة- الملابس- الدولاب- المخزن- الصورة- الأحذية.. وكل الأشياء التي نهملها”.. وهو لا يستطيع أن يُجنِّسها أو يضعها تحت أي مسمى فعلي، ويترك ذلك للقارئ. غير أن لديه أشياءً اعتاد عليها، ويحاول أن يجعل لها قيمة، وأحياناً يحاورها..
سعادة “الزين” بدت واضحة بزيارة ود مدني، ولقائه الأصدقاء، وتمنى أن تنتظم المطبعة في إصداراتها الثقافية، وأن لا تحشر نفسها في زاوية الطباعة للطالب فقط..