هكذا تُبنى الأوطان
د. الواثق عبدالله محمد حسن
دائماً ما يتبادر إلى ذهني سؤال: لماذا نحن السودانيون دائماً نتفوق، وننجح على المستوى الفردي؛ ولكن في كثير من الأحيان يصبح الفشل ملازماً لنا عندما نعمل في منظومة جماعية!؟.
هذا الأمر تأكده جميع الشواهد بنجاح السودانيين على المستوى الفردي خارج وداخل الوطن، كما أن حال الوطن اليوم وفي السابق خير شاهد على فشل المنظومة الجماعية.
وهل للمقررات، والمناهج الدراسية في المراحل المختلفة دور في فشل المنظومة الجماعية؟
وهل السبب عدم توفير قائد للفريق الذي يمتلك المهارات اللازمة التي تساعده في بناء فريق عمل فعال؟
دعونا معاً نلقي نظرة أولاً لحال المناهج الدراسية في المراحل المختلفة، لا يوجد ربط بين المواد المختلفة في جميع المراحل الدراسية، وليس هنالك تنسيق بين المقررات، أو المواد لجهة الأهداف العامة والخاصة للمادة الواحدة ولبقية المواد.
فمثلاً: ليس هنالك ربط بين الفيزياء والكيمياء وكلاهما مفصولتين تماماً عن الرياضيات واللغات، كل منهج أو مقرر يسير بصورة موازية للآخر ولا يوجد في مناهجنا ما يسمي بنقطة الالتقاء.
حتى مناهجنا في المراحل المختلفة غير مستمرة، فكيف يمكن لدولة أن تغير منهج مرحلة معينة دون الأخذ في الاعتبار مناهج المراحل الأخرى.
هذا يؤدي إلى خلق حاجز قوي بين المواد الدراسية من جهة، والمراحل الدراسية من جهة أخرى؛ وبالتالي لم يعد بينها ترابط أو تكامل.
ومعنى ذلك أن المعرفة التي تقدمها تلك المناهج للفرد تصبح مفككة وبعيدة كل البعد عن النظرة التكاملية.
هكذا ينشأ الفرد منا بشخصية لا تعرف التكامل، فيتعصب كل فرد لمجاله أو اعتقاده أو تخصصه.
الذي يعمل في المجال الزراعي يرى أن مشكلة الوطن حلها في الاهتمام بالزراعة، الطبيب يتعصب لمهنته، المهندس يرى الصناعة والبنية التحتية هي الحل.
هذا الفشل في المنظومة الجماعية حتى على مستوى وزارات الدولة والسبب غياب مفهوم التكامل، وغياب النظرة الشمولية. مثلاً: تعمل وزارة الكهرباء دون التنسيق مع الوزارات الأخرى.
فبعد أن تقوم وزارة البنية التحتية بتشييد طريق معين؛ تأتي وزارة الري فتدمر الطريق بهدف توصيل الماء، وتقوم الدولة بتغيير غرض الأراضي الزراعية لسكنية دون التنسيق مع وزارة الزراعة، هكذا هو الحال تخبط وعدم تنسيق في كل شيء.
كما أن مناهجنا تشجع العمل الفردي، وتعتمد على أسلوب المنافسة؛ حيث يعمل كل فرد بصورة فردية لتحقيق مصالحه الخاصة على حساب مصلحة الجماعة ليفوز هو حتى لو بتعيكر صفو روح الفريق..
بالإضافة إلى أن مناهجنا تعتمد على التلقين والسرد التاريخي فقط على حساب الجوانب الاجتماعية، والنفسية، وعدم الاهتمام بميول الفرد، وغياب جانب التفكير الإبداعي.
فأصبحت المناهج غير قادرة على تطوير روح القيادة، أو العمل في فريق واحد. لذا لا بد من تطوير وتحديث تلك المناهج لتشجع العمل الجماعي الذي يتطلب تهيئةً فكرية وتربوية تراكمية لدى الأفراد.
نحتاج لمنهج يساعد في تزويد الفرد بالخبرات التربوية الشاملة التي تساعدهم على النمو المتكامل الذي يشمل جميع جوانب الشخصية والتي تكسب الفرد القيم، والمفاهيم، والاتجاهات، والميول المرغوب فيها، وأساليب التفكير العلمي وغيرها.
مناهج تربط تلك المعرفة بواقع الحياة المعاشة. منهج يبين العلاقات والروابط بين المقررات الدراسية المختلفة، واستخدام هذه الروابط لزيادة فهم الأفراد لما يقومون بدراسته حتى ينعكس كل هذا على الابتكار والإنتاج.
وهذا يتم من خلال ربط المقررات مع بعضها البعض. ربط على أساس موضوعات المادة بحيث يمكن لكل منهم أن يتناولها بطريقة تبرز العلاقات التي توجد بين تلك المادة وبين المواد الأخرى.
ربط يكون في شكل موضوعات عامة أو مشكلات من الحياة اليومية مثل: مشكلة تفشي وباء، أو المواصلات، أو مشكلة الخبز، أو الوقود، ومشكلة زيادة السكان، والصناعة، والكهرباء، وغير ذلك ثم نقوم بوضع الخطط اللازمة لدراستها مستخدمين في ذلك المواد الدراسية المختلفة في صورة مترابطة.
منهج يكون دور المعلم فيه إدارة العملية التعليمية بدلاً من التلقين. منهج يجعلنا نوظف الطاقات البشرية والموارد في المكان المناسب وبالتالي تجعلنا نختار الأنسب بعيداً من الأنانية والغرور.
هكذا ينشأ الفرد، وهكذا ننشئ قائداً لديه المعرفة والمهارات الكافية التي تؤهله لبناء فريق العمل لتصبح لدى قاداتنا نظرة متكاملة تتداخل فيها التخصصات مع بعضها البعض، وتعمل جميعها لتحقيق هدف واحد وهو: تنمية وطنية وفق خطة واضحة بوجهات نظر مختلفة.
كلية هندسة وتكنولوجيا الصناعات
عمادة البحث العلمي والابتكار
جامعة الجزيرة