السموم النباتية.. عالم من الدموع والأفراح

د. إيهاب السر محمد إلياس
عبر التاريخ؛ وعبر السنوات عاش الإنسان رحلته بجانب النباتات الخضراء بما يعرف بنظرية التطور المتوازي بحيث يتأقلم كل كائن مستخدماً آلياته، وأسلحته من أجل صراع البقاء؛ فكانت السموم النباتية وسيلة النبات في الدفاع عن نفسه من هجمات آكلات الأعشاب..
وعبر التاريخ عاش الإنسان أحداثاً مأساوية كانت سببها هذه السموم؛ مثل انتحار الفيلسوف الشهير سقراط بالسم المعروف بـ”الكوناين” وهو: مستخلص نباتي، ثم بعد ذلك إعدام عددٍ من النساء في القرون الوسطى بسبب ممارستهم السحر الذي سبب حدوث أعراض الهلوسة لبعض الأفراد اتضح بعد فوات الأوان أن هذه الأعراض يسببها الفطر المعروف بـ”الأرجوت” الذي يحصد مع القمح، ويلوث دقيق الخبز.
واستمرت دموع السموم النباتية إلى عالم اليوم؛ وكلنا يعرف حجم الانتشار المخيف للمخدرات في العالم حتى وطننا الحبيب صار مهدداً، وباتت تحصد في أرواح الشباب، وتدمر الأسر، وتزرع الأحزان.
على الجانب الآخر؛ فإن للسموم النباتية ومضات من الأفراح يكفي فقط مثلاً لذلك مركب: “الكينين” الذي يستخلص من لحاء نبات “السنشونا” ويعد من أفضل أدوية الملاريا إلى يومنا هذا، كذلك “الأرتمسنين” الذي يستخلص من نبات الأرتميسيا (الشيح) وهو المادة الفعالة في الحقن الزيتية، ثم قلويدات نبات “الونكا” والتي تستخدم في علاج الأمراض السرطانية، كما نذكر استخدام “المورفين” في العمليات الجراحية، و”النيكوتين” في صناعة المبيدات الحشرية، و”الكافين” في القهوة والمشروبات الغازية.
هذا ليس تلخيصاً للأشياء؛ لكنه قطرة في محيط هذا العالم الساحر رأينا نحن أن نغوص في هذا الخضم العريض عبر عدة حلقات إن شاء الله فمعاً ندلف في هذا العالم الشائك والساحر:
السموم النباتية هي: “سموم توجد في بعض النباتات التي تحتوي أجزاؤها على المركب السام”. وتنتج حالة التسمم من تعاطى هذه النباتات أو المركبات المستخلصة منها والتي تحتوي على العنصر السام بصورة مركزة، ويتم أيضاً معاملة هذه المركبات كيميائياً لإنتاج مركبات أخرى لاستخدامات غير مشروعة، وغير علاجية مثل تخليق “الهيروين” من “المورفين”.
والنباتات السامة عموماً إ ذا تم تعاطيها هي أو بعض أجزائها فإنها تؤخذ عن طريق الفم، أما المركبات المستخلصة منها أو المعاملة كيميائياً فمنها ما يتم تناوله عن طريق الفم، أو الحقن أو الاستنشاق.
وتتميز هذه المجموعة من السموم النباتية بأنها ليس لها في الغالب تأثير موضعي ويظهر تأثيرها بعد امتصاصها وغالباً ما يكون ذلك على الجهاز العصبي.
- الأفيون (Opium):

إن كلمة أفيون مشتقة من الكلمة اليونانية (opium) التي تعني عصارة “المورفين” وهي عصارة نبات الخشخاش (Papaver somniferum)، ويتم الحصول عليها بعد تجريح الثمار الخضراء تجريحات عرضية، وترك العصارة تنزف ليلاً، ثم تجمع في الصباح وتجعل في عجينة بنية اللون ذات رائحة مميزة لوجود حمض الميكونيك.
وقد استخدم الأطباء العرب القدامى الأفيون لعلاج الإسهال. وفي عام 1803م تمكن كيميائي ألماني من فصل “المورفين” من “الأفيون” واشتق اسم “المورفين” من Morpheus أو إله الأحلام عند الإغريق، وتلا ذلك فصل عدد آخر من أشباه القلويات (alkaloids) والتي من أهمها “الكودايين” و”البابافيرين”.
وبعد ذلك تمت معالجة أشباه القلويات المستخرجة من الأفيون كيميائياً للحصول على مركبات جديدة مثل: “الهيرويين والأبومورفين والنالورفين”، ثم تلا ذلك مركبات أخرى مخلقة كيميائياً بالكامل بغرض استخدامها طبياً مثل: “الميبريدين، والبيتيدين، والميثادون” وتأثير هذه المركبات مشابه لتأثير “المورفين” وإن اختلفت حدة بعض التأثيرات ومدتها عن “المورفين”.
وتأثير المورفين يكون بصفة أساسية على الجهاز العصبي المركزي فيؤدي إلى الهدوء، والنوم، وتسكين الألم، وهو مثبط لمركز التنفس، والسعال، ولمركز تنظيم الحرارة مما يؤدي إلى خفض حرارة الجسم، وكلها أعراض مباشرة للتثبيط الذي يصيب الجهاز العصبي.
وللمورفين بعض التأثيرات المنشطة لبعض مناطق الجهاز العصبي؛ ويظهر ذلك في صورة غثيان، وقيء، وضيق حدقة العين، وهبوط في سرعة نبض القلب.
استخدامات “المورفين” الطبية:
- مسكن قوي في الحالات شديدة الألم مثل انسداد الشرايين التاجية، والحروق، وبعض العمليات الجراحية، وفي المراحل المتقدمة من السرطان.
- حالات الصدمة.
- فشل القلب وأديما الرئتين..
التسمم الحاد بـ”المورفين”:
يحدث نتيجة تعاطي جرعات زائدة، سواءً أثناء العلاج، أو بغرض الانتحار، أو أثناء تعاطيه كعقار للإدمان.
الأعراض:
تظهر بعد نصف ساعة إذا تم تناول العقار عن طريق الفم، وبعد دقائق إذا تم تناول العقار عن طريق الحقن، وهي تتجلى في صورة سبات (غيبوبة) مع ضعف في التنفس، كما ينخفض ضغط الدم ويبطئ النبض مع قوته، ويشحب الجلد مع زيادة إفراز العرق، وتضيق حدقة العين بدرجة كبيرة فتصبح في حجم رأس الدبوس، وينتهي الأمر بالوفاة نتيجة شلل المراكز العصبية وخاصة مركز التنفس.
العلاج:
يراعى أولاً عدم انسداد المجرى التنفسي بشفط السوائل، ومساعدة عملية التنفس بالأوكسجين أو بالتهوية الصناعية، كما يتم غسل المعدة حتى ولو بعد ساعات عديدة من تناول المورفين حيث يستمر إفرازه في عصارة المعدة، ويعطى الترياق الفيزيولوجي المعروف باسم النالوكسون (Naloxone) بالوريد بجرعة مقدارها 0.4 مجم ويمكن تكرارها إذا لزم الأمر.
التسمم المزمن بالمورفين:

ينشأ هذا النوع من التسمم نتيجة تعاطي العقار بصفة متكررة حيث يمضغ الأفيون الخام، أما المورفين فيؤخذ عن طريق الحقن وأما “الهيروين” فقد شاع استخدامه كمسحوق للاستنشاق، وغالباً ما يكون مغشوشاً بمواد أخرى مثل أقراص الأسبرين المطحونة.
الأعراض:
تبدأ أعراض التسمم المزمن بالانحلال التدريجي لقوى الجسم والعقل فيصبح المزمن مهملاً لنفسه، قليل التركيز، فاقداً اهتمامه بنفسه وصحته وأسرته، كما يختل عمله ويلجأ إلى كثرة التغيب والإهمال في العمل، ويصاحب ذلك اضطرابات هضمية كفقد الشهية والإمساك وفقد الوزن، كذلك تظهر ارتعاشات عضلية، وتتعثر الخطى، وتستمر حدقة العين في التضييق، كما تظهر على المريض آثار الحقن المتكررة بأوردة الذراعين والساقين، ويصاحب ذلك ضعف في القدرة الجنسية في الرجال واضطراب الطمث في النساء.
والتعود (dependence) على العقار في هذه الحالة يكون نفسياً وجسدياً معاً، بمعنى أن المدمن لا يستطيع أن يصبر على عدم تعاطي العقار وإلا أصابته حالات هياج شديدة قد يرتكب خلالها أبشع الجرائم من أجل الحصول على العقار أو المال اللازم لشرائه، وإذا مرت عدة ساعات دون الحصول على العقار تبدأ الأعراض الإنسحابية (withdrawal symptoms) وهي قد تكون بسيطة في البداية حيث تبدأ بزيادة سرعة التنفس يصاحبها زيادة في النبض وارتفاع في ضغط الدم، وينتاب المريض شعور بالخمول والتثاؤب وتسيل إفرازات الأنف والعين والعرق وتبدأ حدقة العين في الاتساع ثم تتدرج الأعراض إلى قيء وإسهال وتقلصات عضلية وآلام شديدة في العظام والمفاصل، وتصل هذه الأعراض لذروتها بعد حوالي 3 أيام وفي حالات الإدمان البسيطة قد يتحمل المدمن الأعراض في الانحسار إلى أن تختفي بعد حوالي 10 أيام دون علاج وتختفي فوراً عند أخذ “المورفين”.
أما في حالات الإدمان الشديدة فقد تكون هذه الأعراض فيها شديدة لدرجة أن الإسهال والقيء قد يتسببان في حالة من الجفاف يمكن أن تودي بحياة المدمن، كما تنتاب المدمن حالات من الهياج والأرق مع محاولته الانتحار.
العلاج:
لعلاج مدمن “المورفين، والهيروين” يجب عزله في مستشفى لعلاج المدمنين والحيلولة بينه وبين المصادر الخارجية للحصول على العقار، ويبدأ العلاج بالتقليل التدريجي للكمية المعطاة مع إعطاء بعض الأدوية المهدئة والغنية بالتغذية والصحة الجسمية والنفسية لمعرفة دوافعه الحقيقية للإدمان.
(2) الكوكايين (Cocaine):

موجود في نبات الكوكا (Erythroxylon coca) والكوكايين النقي يكون على هيئة مادة مبلورة بيضاء اللون ذات طعم مر يترك بعده تنميلاً في اللسان، والغشاء المخاطي للفم.
استخداماته: (طبياً): كمخدر موضعي في عمليات الأذن والحنجرة والأسنان.
(غير طبي): يستخدم كمخدر للإدمان على هيئة مسحوق يستنشق عن طريق الأنف كما يؤخذ عن طريق الحقن أيضاً.
وهو لا يكون نقياً عادة وإنما تشوبه كثير من والمواد الأخرى مثل: “الأمفيتامين، والإستركنين، والحشيش، وكذلك الدقيق والنشا”. وهذه المواد تتم إضافتها بغرض زيادة ربح بائع المخدرات، ولكنها في نفس الوقت تزيد من سمية المخدر وأضراره.
والتسمم عادة يكون عرضياً نتيجة للاستخدامات الطبية للكوكايين، أو تعاطيه كعقار للإدمان، وهو يؤثر على الجهاز العصبي المركزي بتنبيه في البداية، يليه تثبيطه ويؤدي أيضاً إلى شلل أطراف الأعصاب الحسية، مع انقباض الأوعية الدموية، وهذا الأثر تتم الاستفادة منه طبياً في التخدير الموضعي.
والجرعة السامة 200 مليجرام ويكون التسمم حاداً أو مزمناً.
(نواصل بمشيئة الله)
مختص في المبيدات والسميات- كلية العلوم الزراعية
ما شاء الله تبارك الله بروف إيهاب و بالتوفيق دائما و أبدا أن شاء الله
بالتوفيق إن شاء الله
الي الإمام