السموم النباتية.. عالم من الدموع والأفراح (2)

د. إيهاب السر محمد الياس
في الحلقة الفائتة تحدثنا عن دموع وأفراح المستخلصات النباتية ومساهمتها في خلق أحداث مأسوية عبر التاريخ، كما تحدثنا أيضاً عن أفراحها عبر دخولها في الكثير من الصناعات من أهمها تصنيع العقاقير وهو علم عريض يعرفه الزملاء الصيادلة باسم Pharmacognocy، وغيرها من المجالات الطبية الأخرى.. نواصل اليوم ما انقطع عن حديث وكنا نتحدث عن المورفين ثم تحدثنا عن الكوكايين ونحدد بصدد معرفة كيف يكون التسمم به:
(2) الكوكايين

التسمم الحاد: تبدأ الأعراض في الظهور خلال 3-5 دقائق إذا أخذ عن طريق الوريد، بينما في حالات الاستنشاق (snuffing) فإن الأعراض تظهر بعد 20 دقيقة ويشعر المريض بصداع وغثيان، وقد يحدث قيء ويصاحب ذلك الإكثار من الكلام، مع زيادة في الحركة وهلوسة سمعية، وبصرية، وشمية، كما يفرز العرق، ويشحب لون الجلد، ويسرع النبض، ويضطرب القلب، مع ارتفاع ضغط الدم، وسرعة وعدم انتظام التنفس، وترتفع الحرارة لدرجة الحمى (cocaine fever)، وتتسع حدقتا العينين مع استجابتهما للضوء (بعكس التسمم بالأتروبين)، ثم تظهر تشنجات ورعاش مع تنميل وتخدر في الأطراف، ويلي ذلك أعراض تثبيط الجهاز العصبي المركزي حيث يضعف النبض ويهبط ضغط الدم مع بطء وعدم انتظام التنفس وينتهي ذلك بالوفاة نتيجة هبوط القلب وصعوبة التنفس.
العلاج: الاهتمام بالتنفس وملاحظة المسالك التنفسية، وأيضاً الاهتمام بالدورة الدموية بإعطاء المحاليل، ومراقبة الضغط، وفي حالة اضطراب نظم القلب تعطى الأدوية المناسبة مثل: البروبرانولول بجرعة 1-2 ملليجرام بالوريد ثم يتم عمل غسيل معدة مع علاج التشنجات بإعطاء الديازيبام بالوريد بجرعة 5-10 ملليجرام والعمل على تخفيض الحرارة بالكمادات الثلجية.
التسمم المزمن (الإدمان): يحدث نتيجة استنشاق المدمن الكوكايين وقد تصل الجرعة اليومية منه إلى نصف جرام بشكله النقي أو المخلوط بعقاقير أخرى.
الأعراض: اضطراب بالجهاز الهضمي في صورة فقد الشهية مع زيادة اللعاب وغثيان يؤدي ذلك إلى فقد الوزن ويكون المريض عصبياً ويشكو من الأرق مع حدوث تشنجات ورعاش، كما يلاحظ اضطراب عقلي على صورة هلاوس سمعية وحسية وأكثرها تميزاً شعور المريض بوجود حشرات تحت الجلد مما يجعله يحكه بشدة قد تنتتج عنها تقرحات بالجلد. كما قد يحدث انثقاب الحجاب الحاجز مع فقد حاسة الشم، وكذلك الشعور بالعظمة مع الميل العدواني مما قد يدفع المدمن لارتكاب الجريمة وقد ينتهي به الحال إلى الجنون.
العلاج: يجب أن يتم في مصحة خاصة، وفيه يوقف المخدر مرة واحدة مع علاج الأعراض مثل التشنجات بإعطاء الديازيبام بجرعة 5 ملليجرام بالوريد وعلاج الأرق والتوتر بإعطاء المهدئات والمنومات، مع علاج المدمن علاجاً نفسياً واجتماعياً حتى يعود شخصاً سوياً.

(3) الحشيش (Hashish): يحضر الحشيش من أطراف أزهار أنثى نبات القنب الهندي (Cannabis Sativa) ويعرف بأسماء مختلفة تبعاً لأماكن تعاطيه، ففي الشرق يعرف الحشيش وفي أمريكا يعرف بالمارجوانا (Marijuana) ويعرف في السودان باسم البنقو ويدمن الناس على الحشيش لأنه يحقق البهجة ولوجود اعتقاد خاطئ بأنه يطيل مدة الجماع.
وتوجد طرق متعددة لتعاطي الحشيش منها التدخين بالنرجيلة أو مع التبغ وهي الطريقة الشائعة أو بخلطة مع الداتورة والعسل فيما يعرف بالمانزول، ويظهر تأثيره بعد دقائق من التدخين ويرجع التأثير إلى وجود عدد من الراتينجات (resins) وأهمها رباعي هيدروكانابينول (tetrahydrocannabinol) التي تسبب خليطاً من التنبيه والتثبيط للجهاز العصبي المركزي.
الأعراض: يؤدي الحشيش إلي زيادة حدة الأبصار والسمع كما تزداد حاسة التذوق والشم ويكثر الشخص من الكلام مع زيادة الوزن يلي ذلك أن الشخص تحدث عنده تخيلات مصحوبة بهياج وقد يضحك ويغني ويفقد قدرته علي معرفة الزمان والمكان وتقدير المسافات مما يؤدى إلي حوادث السيارات بين السائقين ويعطي انطباعاً كاذباَ بطول الجماع مع زيادة ضربات القلب واحتقان العينين ويظهر علي الشخص هذيان وهلاوس بصرية وسمعية وقد تعتريه نوبات من الخوف والذعر وعند التوقف عن التعاطي تكون أعراض الامتناع بسيطة لأن الحشيش لا يؤدي إلي التحمل (tolerance) ولا يوجد تعود جسماني ولكن يوجد تعود نفسي وتظهر الأعراض على هيئة اضطراب في النوم وتوتر مع رعاش بالأصابع وغثيان وإسهال وتزول بعد فترة قصيرة وقد أثبتت الأبحاث خطأ الاعتقاد السائد بأن الحشيش يزيد القدرة الجنسية حيث وجد أن هرمون الذكورة يقل وكذلك عدد الحيوانات المنوية في الرجل كما يمنع التبويض عند النساء.
المعالجة: لا توجد معالجة خاصة وإنما معالجة الأعراض مثل العناية بالجهاز الدوري والتنفسي وتهدئة المريض في حالة التهيج كما يجب عمل غسيل المعدة.

(4) القات (khat, kat): ينمو نبات القات علي هيئة شجيرات في المناطق المرتفعة في اليمن وشرق أفريقيا ويتم تعاطي القات غالباً عن طريق المضغ حيث تمضغ أوراق النبات الطازجة في الفم وتخزن في جانبه لمدة تتراوح بين عدة دقائق وعدة ساعات ثم تلفظ بعد ذلك.
والمواد الفعالة في القات هي الكاثين (cathine) والكاثينون (cathinone) وهي أشباه القلويات وتشبه في تأثيرها الأمفيتامين أي تحدث تأثيراً منشطاً ويبدأ التنشيط في الجهاز العصبي المركزي حيث يشعر الإنسان بالانتعاش واليقظة والتحرر من الضغوط النفسية ويعقب ذلك استرخاء وعدم تركيز ومع زيادة الجرعة يحدث الأرق والقلق والهلاوس. كذلك يؤثر القات في الجهاز الهضمي حيث يسبب فقد الشهية وعسر الهضم والتهاب المعدة والإمساك الذي يؤدي إلي سوء التغذية والهزال.
عند الامتناع عن تعاطي القات تكون أعراض الامتناع بسيطة حيث إنه يسبب تعود نفسي لا جسماني وتشمل الأعراض الاكتئاب وسرعة الانفعال والأحلام المزعجة والأرق.

(5) النيكوتين (Nicotine): يوجد النيكوتين في نبات التبغ المعروف بالنيكوتينات التبغية (Nicotina tubacum) وخصوصًا في الأوراق التي تستخدم في صناعة السجائر وإليه يرجع اللون والرائحة المميزة لها كما يستخدم بوصفه مبيداُ حشرياً.
يحدث التسمم عرضياً من الشره في التدخين وخاصة بين غير المعتادين عليه كما ينتج عن استنشاقه أو شربه بطريق الخطأ بين المزارعين كذلك فإن ملامسة الجلد لسائل النيكوتين قد تحدث التسمم.
الجرعة القاتلة: إن نقطة واحدة من النيكوتين كافية لإحداث التسمم والوفاة وذلك خلال 5 دقائق وذلك نتيجة تنبيه يعقبه تثبيط للجهاز العصبي المركزي لأطراف الأعصاب السمباسيتية (sympathetic) كما يشمل أطراف الأعصاب المحركة للعضلات الإرادية.
أعراض التسمم الحاد: شعور بالحرقان من الفم حتى المعدة يعقبه زيادة إفراز اللعاب ويشكو المريض من غثيان وقيء مع آلام في البطن وإسهال يصاحبه عرق غزير وضيق حدقتي العينين وازدياد ضربات القلب والتنفس مع ارتفاع ضغط الدم كما يحدث صداع ودوخة ويكون المريض متوتراً مع عدم اتزانه يلي ذلك ظهور الارتعاشات العضلية ثم التشنجات وفي مرحلة التثبيط تتسع حدقتا العين ويهبط الضغط ويصبح بطيئاً غير منتظم مع بطء التنفس وشلل بعض العضلات الإرادية وتسبق الغيبوبة الوفاة نتيجة فشل مركز التنفس.
المعالجة: العمل علي منع الامتصاص سواء بإحداث القيء أو عمل غسيل معدة مع ترك مسحوق الفحم النشط بها كما يجب الاهتمام بالتنفس بإعطاء الأكسجين وقد يحتاج المريض إلي تهوية صناعية. توقف التشنجات بإعطاء حقن الديازيبام بالوريد كما يعطي الأترويبن الذي يستعمل كمنبه ويعالج فرض النشاط البارسمبتاوي.
التسمم المزمن: يحدث نتيجة شراهة التدخين لمدة طويلة أومن التعرض للنيكوتين أثناء العمل.
الأعراض: تبدأ الأعراض بفقد الشهية والغثيان وزيادة الحموضة بالمعدة يصاحبها فقد في الوزن كما يكون معدل الإصابة بسرطان الشفاه واللسان مرتفعاً بين المدخنين كذلك يعاني المريض من أزمات الربو والتهاب الشعب الهوائية المتكرر والإصابة بسرطان الرئة. كما أن المريض يكون عصبياً متوتراً تظهر عليه الارتعاشات ويشكو من الصداع والدوار ويعاني من قلة وعتامة النظر وعدم التكيف وقد ينتهي الحال إلى العمى الكلي (tobacco amblyopia).
المعالجة: العمل علي الإقلاع عن التدخين كما يجب مراعاة طرق الوقاية بين المشتغلين في صناعة السجائر حتى لا يتعرضوا للتسمم المزمن.
( نواصل الحلقة الأخيرة المرة القادمة بإذن الله)
اختصاصي المبيدات والسميات – كلية العلوم الزراعية